جرت العادة بأن الأنظمة المحتلة أو المستبدة لا تحترم عملائها أو الذين يساعدونها في احتلال بلادهم، وتنظر اليهم نظرة فوقية وبازدراء مهما كانت حجم الخدمات التي يقدمونها لقوى الإحتلال.
هذا ما كان ينطبق على العلاقة بين نظام البعث، وبين المسؤولين اللبنانيين المحسوبين عليه، والروايات بهذا الخصوص معروفة عند القاصي والداني، وحالات الإذلال التي كان يعتمدها ضباط المخابرات مع "حلفائهم" تملأ الخافقين وأسلوب التخاطب المهين لا يحتاج إلى دليل.
وفي هذا السياق لم يكن حزب الله ومسؤوليه بعيدين عن الأسلوب الدنيء لرجالات مخابرات البعث، وإن كان سقف الإسفاف يتمظهر بالسياسة والأوامر السياسية المفروضة وليس بالشخصانية كما باقي المسؤولين اللبنانيين، وهذا قد يكون بسبب المساحة "الإيرانية" التي يتمتع بها الحزب والتي جعلته يدفع ثمنها طيلة الفترة الماضية بعيداً عن مواقع السلطة مع احتفاظه بملعب المقاومة فقط.
إقرأ أيضًا: نصرالله - أدهم خنجر: خيارات خاسرة
ظننا أن بعد دخول الحزب إلى سوريا، وقتاله إلى جانب النظام السوري وتقديم خيرة شبابه على مذبح بقاء النظام واستمراره سيحوّل الحزب بمرحلة ما بعد "انتصار النظام" وضمان بقائه إلى ما يشبه الشريك الحقيقي، هذا إن لم نقل بأن نظام الأسد سيتصرف بخلفية أنه يدين للحزب ولما قدمه له، وبالتالي فإن الحزب سيحظى باحترام كبير فرضته دماء شهدائه وتضحيات مقاتليه.
المفاجئ بالموضوع، وبمراجعة بسيطة لعدد من المحطات نتلمس من خلالها بأن نظام البعث عاد ليتصرف مع حزب الله تماماً كما كان يفعل قبل الثورة السورية، ولا وجود البتة لكل ما قدمه الحزب طيلة السنوات التي خلت ولا يكاد نظام الأسد يقيم لتضحيات الحزب أي اعتبار ويمارس عليه نفس سطوته القديمة وفرض خيارات لا يريدها.
هذا ما سمعناه عن ترشيح اللواء جميل السيد وفرضه على لوائح الحزب وقيل يومها أنه بطلب من ماهر الأسد، وهذا ما شاهدناه أيضاً باعطاء الأصوات التفضيلية لمرشح الحزب القومي أسعد حردان.
إقرأ أيضًا: حزب الله ملك التعطيل
حتى أن توزير النواب السنة المستقلين، هي عقدة سورية بامتياز تبناها الحزب في مرحلة متأخرة لحسابات تكتيكية فقط وليس باعتبارها عقدة تعطيلية.
وهذا تماماً ما حصل بأحداث الجاهلية والمشكلة التي افتعلها الوزير السابق وئام وهاب، فلاحظنا كيف أن تدخل حزب الله الخجول بالقضية جاء بعد أن أعلن وهاب عن الموضوع وليس كما جرت عادة الحزب بموقف واضح وصريح وغير ملتبس، فكان واضحاً أن التصعيد "الوهابي"، جاء بقرار سوري أبلغ للحزب بعد لقاء وهاب مع نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم وليس العكس، وما كان من الحزب إلا السير به مع محاولات التخفيف من تبعاته السياسية فحمى وهاب وبنفس الوقت عمل على التهدئة وامتصاص ترددات الحادثة بدون أن يكون له مندوحة في مخالفة الأوامر السورية!
ظننا لبعض الوقت أن حزب الله تحوّل إلى لاعب إقليمي وأنه شريك حقيقي في رسم سياسات المنطقة، وإذ به بعد كل هذا الضجيج يعود أدراجه لاعباً محلياً يتحرّك وفق رغبات نظام البعث كما قبل الأحداث السورية .... للأسف.