″مَرْتا، مَرْتا، إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة.. إِنَّمَا ٱلمَطْلُوبُ وَاحِد″.. ربما ينطبق هذا القول في ″الانجيل″ على عملية تشكيل الحكومة والعقد التي تحول دون ولادتها، فمن حيث الشكل كل الأطراف تبحث عن كيفية حل العقدة السنية، وإقناع الرئيس سعد الحريري باستقبال اللقاء التشاوري والحوار معه عله يصل الى نتائج إيجابية، أما في المضمون فإن الجميع بدون إستنثاء يخوضون معركة منع التيار الوطني الحر مع رئيس الجمهورية من الحصول على ″الثلث المعطل″ الذي يشكل (بحسب متابعين) العقدة الجوهرية التي تؤخر تأليف الحكومة.
يُجمع كثيرون على أن كلمة السر التي من شأنها فتح الأبواب أمام تشكيل الحكومة، موجودة لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال تخليه عن وزير سني من حصته لمصلحة اللقاء التشاوري، بما يرضي حزب الله وقوى 8 آذار، وبما يحول دون إمتلاك التيار الوطني الحر 11 وزيرا أي ″الثلث المعطل″، وأن أي طرح غير ذلك هو مضيعة للوقت وإستمرار في المراوحة القاتلة.
يبدو واضحا أن الرئيس سعد الحريري يسعى الى ضرب عصفورين بحجر واحد، أولا في رفض توزير أحد نواب اللقاء التشاوري بما يحفظ ماء وجهه شعبيا، وثانيا بدفع رئيس الجمهورية الى التخلي عن حصته من الوزير السني بما يقلص عدد وزراء التيار الوطني الحر الى عشرة وزراء ويحول دون إمتلاكه الثلث المعطل.
لذلك فقد حاول الحريري التنصل من العقدة السنية وصولا الى رفضه المطلق إستقبال أعضاء اللقاء التشاوري، ورمي الكرة في ملعب الرئيس عون بشكل غير مباشر، لكن الوزير باسيل المكلف بايجاد التسوية سارع الى إخراج رئيس الجمهورية من معادلة ″التضحية″ وأعاد الكرة الى ملعب الحريري لكن ذلك لم يحرف الأنظار عن قصر بعبدا الذي ينتظر كثيرون خروج الدخان الأبيض منه بموقف وطني كبير يتخذه “بيّ الكل”.
تشير مصادر سياسية مطلعة الى أن كل التيارات السياسية تتوجس خيفة من حصول التيار الوطني الحر على الثلث المعطل، معتبرة أن أكبر مصادرة لصلاحيات رئيس الحكومة اليوم وضرب هيبة الموقع السني الأول في لبنان، هو حصول أي طرف كان في الحكومة على ″الثلث المعطل″ الذي من شأنه أن يجعل أصحابه شركاء مع رئيس الحكومة في القرار، وفي تأمين نصاب الجلسات أو في الاستقالة.
وتذكّر هذه المصادر كيف أنه إجتمع في حكومة الحريري الأولى وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والطاشناق والحزب القومي والوزير الملك لكي يفرطوا عقد الحكومة خلال وجود الرئيس الحريري في البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي أوباما، وكيف أن الرئيس نجيب ميقاتي تنبه لهذا الأمر ورفض إعطاء أي فريق ″الثلث المعطل″ وحافظ بذلك على هيبة مقام رئاسة الحكومة وعلى صلاحيات رئيسها، فكيف يمكن اليوم أن يكون الثلث المعطل في يد فريق سياسي واحد لدى رئيسه طموحات سياسية ليست خافية على أحد.
وتلفت هذه المصادر الانتباه، الى أنه في حال حصل جبران باسيل على مبتغاه، فإن ذلك سيجعلة رئيس ظل للحكومة، يشارك رئيسها في صلاحياته، ويمتلك نصاب مجلس الوزراء، وهذا ما لا يستطيع أي فريق في لبنان تحمل تبعاته، سواء كان الثلث المعطل للتيار الوطني الحر أو كان لأي فريق سياسي آخر، فضلا عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بموقع رئاسة الحكومة في حال تحول هذا الأمر الى عرف، في وقت يكثر فيه إسقاط الأعراف على نصوص الدستور.
في غضون ذلك تؤكد مصادر اللقاء التشاوري أن النواب السنة الستة يحرصون على صلاحيات رئيس الحكومة، وأن هناك من يضعهم في الواجهة ويحملهم مسؤولية تعطيل التأليف، بينما التعطيل الحقيقي في مكان آخر.
وتشدد هذه المصادر أن ما يريدونه النواب الستة هو كسر الآحادية السنية، وتأكيد التنوع ضمن الطائفة، كما هو حاصل في طوائف أخرى.