الجدل الحاصل على خلفية الهبة الروسية للجيش اللبناني لم يفاجئ موسكو خصوصاً وأنّ التجارب السابقة التي خاضتها في مجالات عدة تعرّضت للتشويه من خلال إدخالها في بازار التجاذبات الداخلية والإقليمية، وآخرها المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين التي لم تصطدم بإهمال الجانب اللبناني فحسب، بل إنها تعرّضت لسلسلة انتقادات من المعنيين مباشرة بهذا الملف.
اضافة الى ذلك فإنّ موسكو لم تنسَ بعد ما واجهته من عقبات واستهتار من الجانب اللبناني خلال محاولتها توفير طائرات حربية ودبابات ومدافع وذخائر للجيش اللبناني عام 2008 ناهيك عن وضع العصي في دواليب التعاون التجاري.
أمام صمت الديبلوماسية الروسية حيال ما يجري من تشويهٍ للعلاقات على الساحة اللبنانية ورفضها التعليق عليه مكتفية بالقول إنّ «الكرة رُميت في الملعب اللبناني للمرة الأخيرة»، يبدو أنّ موسكو باتت تدرس الخيارات المفصلية لتصويب البوصلة حيث تقتضي مصالحها الاستراتيجية ولأخذ زمام المبادرة في تحديد الدور الذي ستلعبه لاحقاً في بلاد الأرز ليس مع الذين يحاولون وقف تطوّر علاقاتها، بل مع الذين يصنَّفون في خانة الحلفاء في الداخل اللبناني أيضاً، خصوصاً انّ دوائر القرار في موسكو لم ترصد لهم دوراً فعالاً، أو حتى مواقف حاسمة، في ما يتعلق بما يجري من عمليات تشويه محاولاتها المتكرّرة لمساعدة لبنان، في الوقت الذي ترصد صمتهم حيال الضغوط الغربية، والأميركية تحديداً، على مستوى علاقات لبنان الخارجية، وهو ما يثير استياءَ وغضب بلاد الصقيع التي لن تبقى على برودتها حيال التعاطي مع مشاريعها ومبادراتها ودورها في الشرق الاوسط.
انطلاقاً من الاستخفاف اللبناني والغضب الروسي من المتوقع أن تحوّل موسكو مسار علاقاتها مع لبنان في اتّجاهٍ مختلف عنوانُه البحث عن المصالح المشتركة، وأيُّ ملف لا يلحظ ذلك فإنه لن يدخل في حسابات القيادة الروسية.
بالطبع موسكو لن تقفل أبوابها امام الراغبين في الحوار، وخصوصاً في وجه مَن يرغب بتحالفٍ صادقٍ مبنيٍّ على تفهّم كامل للحراك الروسي في المنطقة، خصوصاً وأنّ الجميع يدركون أنّ الاتّحاد الروسي ليس جمعية خيرية، بل هو لاعب أساسي على الساحة العالمية وفي حاجة التى تعزيز دوره في كل أصقاع المعمورة لتكريس التوازن الفعلي في العلاقات الدولية.