انتهت الجولة ١١ حول سوريا في آستانة دون نتيجة. لم تقع مفاجأة لتتبدل المواقف، ولم يتم التوصل حتى الى بداية حل. لا احد استغرب هذه النتيجة لانه أساساً "موسكو لا تضغط وطهران تدعم النظام بقوة". أمام هذا الحاجز القوي كل الملفات في حالة كوما حقيقية. الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية في خبر كان.
رغم ما يقال انه جرى حل الكثير من العقد ، فان الواقع المرير دفع باتجاه التركيز على حل معضلة المعتقلين، خصوصاً وأن "النظام الأسدي" اعترف كبداية "بوفاة" الآلاف منهم دون الإشارة الى كيفية وفاتهم، علماً انه لوحظ في القوائم خلوّها لأسباب الوفاة واين دفنوا. "قوائم الموت" مرعبة. ورود اسماء من حي واحد او قرية معينة يؤكد حالة الاعدامات الجماعية. سيمر وقت طويل، كما حصل في لبنان، ولكن باعداد مرعبة، قبل معرفة الحقيقة او التسليم بالغرق في اليأس. أخطر ما يقوم به النظام الى جانب تأكيده ولو مواربة للتصفيات في المعتقلات، انه لا يتأخر عن تقديم الابن على ذكرى حتى والده اذا كان يحتاج صمته وولاءه، كما يحصل في تقديم ابن العقيد عصام زهر الدين الذي قتله العقيد رفيق شحاده الذي سبق له وان قتل العقيد رستم غزالة مع جنوده بضربه حتى الموت، عنصراً مهماً له مستقبل زاهر في النظام الذي يتشكل الآن تحت إشراف الرئيس الاسد وعناية طهران وموسكو .
الجديد في الحالة السورية المريرة، ان الولايات المتحدة الاميركية عادت بقوة الى الملف السوري، عسكرياً وسياسياً. القوات الاميركية البرية تتواجد بقوة في شرق الجزيرة. قاعدة "التنف" العسكرية تضخمت واتسعت بقوة لتضم عدة مئات من الجنود الذين تحميهم وتدعمهم مظلة جوية والى جانبها ولو من بعيد أسطول بحري ضخم. كل هذا زائد تحذيرات باليد وعلنية ممنوع الاقتراب منها او محاولة اختراقها عن بعد عشرات الكيلومترات، من اي قوة كانت. بهذا تقدّر المساحة التي يسيطر عليه الاميركيون بحوالي ٢٨٪ من الاراضي السورية في حين يسيطر الأتراك على حوالي ١٢٪ ، علماً ان هذه المساحة تشكل القسم الأكبر من "سوريا المفيدة"... ممثل وزير الخارجية مايكل بومبيو في سوريا السفير جيم جيفري ابلغ أطرافاً من المعارضة السورية ان بلاده "باقية طويلاً في سوريا، ولا إعمار ولا استقرار حتى يتبلور الحل السياسي، وتنفذ العملية السياسية بطريقة لا رجعة فيها" .
أيضاً، يُضاف الى هذا الجديد، جديد مهمّ، الدور الكردي الصاعد. حتى النظام يمد يده للأكراد الى درجة قيامه بخطوة غريبة اذا صحت وهي إقامة قنصلية للنظام في الحسكة ... بطريقة او بأخرى يلوح النظام للاكراد بالحل الفيدرالي للحصول على تأييدهم ودعمهم له. ايضاً، يتم عبر ايران و"حزب الله" في ضم "الحوارنة " الى جبهته بالعمل على تجنيدهم في ميليشيا خاصة، مستخدماً في ذلك الاغراء المالي في وقت يعانون فيه من الفقر المدقع وغياب فرص العمل...
يبقى ان ايران تُعمّق تواجدها في سوريا بأساليب متعددة ومستندة الى تعاونها الوثيق مع الرئيس بشار الاسد. من ذلك الانخراط في البنية العسكرية السورية، اي ارتداء رجالها من الحرس الثوري لباس الجنود السوريين، بحيث لا يمكن تفريقهم عن بعضهم البعض، والعمل على صياغة جديدة للبنية العلمية والثقافية، ومن ذلك افتتاح وتوسيع خمس جامعات ايرانية مثل جامعة "أزادي" المتواجدة في لبنان ايضاً مع تقديم منح مالية تساهم في تعجيل انضمام الشباب الى هذه الجامعات الخاضعة كلياً للإدارة السياسية الايرانية. اخطر من كل ذلك ان ايران تتعمد ان "تتحركش" بالأميركيين لاختبارهم ولتؤكد انها موجودة على الارض، دون وضوح حدود هذه السياسة والى اين يمكن ان تصل بها فعلاّ .
الدور الاممي مؤجل الى حين تسلّم الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون مهماته رسمياً خلفاً لستيفان دي ميستورا. اذن، يجب انتظار مطلع العام ٢٠١٩ لمعرفة نهج وأسلوب الدبلوماسي بيدرسون الذي يعرف سوريا جيداً منذ كان وكيلاً للامين العام للأمم المتحدة ومنسقاً خاصاً للبنان...