هل اللحظة لاستجماع عناصر القوة في مواقف الأطراف، أو عناصر الضعف في المواقف للجهات نفسها، استعداداً «لحفلة جنون» أو توتر جديدة أم للعودة إلى العقل، في بلد يتخبّط مسؤولون ونوابه وحكومة تصريف الأعمال فيه، في معالجة أزمة الرواتب، أو بدائل العودة عن السلسلة، أو الكف، أقله عن إبداء المراجل والعنتريات، وتوفير الأجواء سواء عبر «تويتر» أو تغيير الاشكال والصور على شاشات التلفزة!
مع بداية اليوم، السياسي أمس، أكّد تيّار المستقبل ان اشخاصاً - يقصد بهم نواب اللقاء التشاوري بينهم من يتهم الرئيس المكلف «بالعمالة للمحور الأميركي - الإسرائيلي» لن يطأوا بيت الوسط..
ومساء امس أكّد الرئيس المكلف سعد الحريري انه لن يغيّر موقفه المعروف من توزير أحد النواب السنة و«الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان».
وهو في موقفه هذا لأوساطه يلتزم وفقاً حدود الصلاحيات ولا يتنازل عنها.
والاهم ان حركة الشارع لم تتوقف، على الرغم من البيانات والدعوات المتكررة من تيّار المستقبل أنه لا يقرّ هذه الحركة، ويتمسك بالاستقرار، وبأن تأخذ العدالة سيرها وفقاً للقوانين التي أكّد مدير قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان القدرة على تنفيذها..
والأهم على هذا الصعيد، احتواء التوتر الذي تسببت به تغريدات وئام وهّاب والتي تنصل منها النائب السابق وليد جنبلاط، باسم حزبه وأهل الجبل، فيما أجرى شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن اتصالاً بالرئيس الحريري، رافضاً الحملات المغرضة، التي يتعرّض لها.
وعلى الرغم من انتقال التوتر الميداني إلى بعض نقاط في الجبل بين أنصار التقدمي وتيار وئام وهّاب، فإن مصادر واسعة الاطلاع توقعت ان يعود الوزير جبران باسيل إلى بيروت اليوم، ويتوجه إلى بيت الوسط، حيث سيلتقي الرئيس المكلف، ويتداول معه في الاقتراحات التي جرى تداولها للخروج من عقدة تمثيل سنة 8 آذار.
في هذا الوقت، كشفت مصادر دبلوماسية ان نصائح دولية، أوروبية واممية وروسية اسديت لمسؤولين كبار بأن الوقت لم يفت، ليتحرك المعنيون بتأليف حكومة للخروج من المأزق.
وحذرت المصادر ان العودة إلى التوتر بين إسرائيل والمحور الإيراني - السوري - حزب الله تكشف عن عمق التأزم الإقليمي - الدولي، ومخاطر انعكاساته السلبية على لبنان.
وفي هذا الإطار، علمت «اللواء» ان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي سيزور العاصمة الروسية موسكو بعد غد الأحد، وان وزير الخارجية سيرغي لافروف، سيستقبله، بناءً على موعد مسبق.. في إطار التشاور مع الشخصيات اللبنانية للخروج من المأزق الراهن.
أزمة فوق أزمة
في هذا الوقت، لم يعد ثمة مجال للنكران بأن الأمور في شأن أزمة تأليف الحكومة ذاهبة إلى التأزم أكثر مما بلغته حتى الآن، في مقابل تصاعد القلق من تفجر الاحتقانات في الشارع، وانكشاف البلاد على الأعظم، في وقت تقترب فيه القوى السياسية من الاستسلام للعجز عن إيجاد الحلول للأزمة.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان تغريدة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الصباحية، من ان هناك أمر عمليات معمماً بالتهجم والتعرض للكرامات واختلاق الأكاذيب، لم تكن سوى مؤشر إلى ان ما يجري من تصعيد، سواء على صعيد المواقف السياسية أو التجريح الشخصي ليس مجرّد ردّات فعل، بقدر ما هي أمور مخطط لها لاستقدام الشارع إلى ساحة الاشتباك السياسي، أو إلى «معركة عض الاصابع» الجارية حالياً، لاجبار طرف على التنازل لمصلحة طرف آخر، وهو ما ظهر في اتساع التساجل بين تيّار «المستقبل» ووهّاب، من جهة، وبين الأخير وجنبلاط من جهة ثانية، وتم خلاله استحضار «التحريض العبثي للبعث السوري» على حدّ تعبير زعيم المختارة، بالتزامن مع معلومات عن قطع طرقات في الإقليم وبرجا والمدينة الرياضية، نفاها لاحقاً «تيار المستقبل».
وكانت هيئة شؤون الإعلام في تيّار «المستقبل» قد سارعت صباحاً إلى «نفي اتهام التيار بالتحريض على استخدام الشارع، مؤكدة ان التيار لا يحتاج للشارع ولا لاقفال الطرقات للتعبير عن موقفه السياسي، وهو يقف دائماً في الخط الامامي لحماية الاستقرار الداخلي».
وارفق «المستقبل» هذا النفي، بإدعاء تقدمت به مجموعة من المحامين من تيارات سياسية مختلفة ومن محامين مستقلين، امام النيابة العامة التمييزية ضد وهّاب في جرم إثارة الفتن والتعرض للسلم الأهلي، سنداً إلى المادة 317 عقوبات، وذلك على خلفية تداول «فيديو» يتعرّض فيه وهّاب للرئيس الشهيد رفيق الحريري وعائلته وللرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
ورد وهّاب على الادعاء بشكوى ضد الرئيس الحريري ومعاونيه على خلفية اليافطات التي تضمنت شتائم وتهديداً بالقتل، والتي قال انها سبقت الفيديو المسرب، وانه «ينتظر مدعي عام التمييز ليرى توازن القضاء».
.. وتصعيد على تصعيد
ولم يكن هذا التصعيد على المستوى السياسي والاحتقان الشعبي، سوى ترجمة لتصعيد آخر على المستوى الحكومي، ولا سيما من قبل «اللقاء التشاوري» للنواب السنة الستة، الذي رمى «قفاز التحدي» في وجه رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، عندما أعلن سحب التنازل عن عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، مؤكداً «اصراره على ان يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معه، معتبراً ان الحل يكون بتوزير أحد نواب اللقاء الستة حصراً».
وبدا من خلال المعطيات، ان هذا التصعيد جاء رداً على ما كان أعلنه مصدر قيادي في تيّار «المستقبل» عن رفض الرئيس الحريري استقبال هؤلاء النواب، متسائلاً: كيف يمكن للرئيس المكلف ان يستقبل مجموعة نواب، وهناك في صفوفها من يتهمه بالعمالة للمحور الأميركي الإسرائيلي؟
وزاد: «اشخاص من هذا المستوى لن يطأوا «بيت الوسط».
تزامن هذا الموقف، مع تأكيد الرئيس المكلف بأنه «باق على موقفه السياسي بالنسبة لمسألة تشكيل الحكومة العتيدة»، وشدّد خلال ترؤسه مساء أمس في «بيت الوسط» اجتماعاً ضم كتلة «المستقبل» النيابية وممثلي التيار في القطاعات والهيئات المنتخبة، على انه «لن يغير هذا الموقف»، مشيراً إلى ان كلامه ليس من باب التحدي لأحد، بل لإيمانه المطلق بأن الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان، ولا يحل مشكلة الكهرباء اوالنفايات أو المطالب الحياتية والمعيشية للمواطنين.
وفي إشارة إلى رفضه للاقتراحات أو للافكار المطروحة لحل الأزمة، أكّد الحريري ان «ما هو مطروح حالياً لا علاقة له لا بالتسويات ولا بمصلحة البلد ولا اللبنانيين»، لافتاً «نظر أصحاب هذه الأفكار من دون ان يسميهم، إلى ان التسويات تقوم عندما تكون هناك مصلحة للبلد، وانه كان في مقدمة الساعين إليها».
واستقبل الرئيس الحريري مساء عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور، موفداً من جنبلاط، في حضور الوزير غطاس خوري.
سقوط اقتراحات باسيل
الى ذلك، اكدت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان التصلب في المواقف لا يزال سائدا في ملف تأليف الحكومة، وانه في ظل سقوط اقتراحي الوزير حبران باسيل لمعالجة العقدة السنية فانه يبقى الاقتراح الثالث الذي لم يكشف عنه وهو في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري والمرجح ان يقوم على اقناع حزب الله بدور يلعبه لجهة التنازل عن الوزير الشيعي من حصته لمصلحة احد الوزراء السنة المقربين منه لكن كل المعطيات تشير الى ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ليس في وارد القبول بتوزير احد النواب الستة المستقلين كما يردد كما انه غير موافق على استقبالهم ككتلة انما بشكل افرادي.
ولفتت المصادر الى انه ما لم يمارس حزب الله ضغوطه فإن الوضع سيبقى معقدا، واوضحت ان الوزير باسيل قد يلتقي مجددا الرئيسين بري والحريري.
واعلنت ان رئيس الجمهورية على موقفه القاضي بألا يكون الحل على حسابه كلما اختلف فريقان. وشددت هنا على ان المشهد الحكومي هو كما يلي: حزب الله يقذف المسؤولية باتجاه الحريري في حين ان الحريري يرمي الكرة في ملعب الرئيس عون الذي يريد من الفريقين المتخاصمين ان يقدما على الحل.
ولاحظت المصادر ان الصورة الحكومية صورة تشاؤمية وان التطورات التي تحصل في الخارج ودخول بعض الاطراف الخارجيين على خط ازمة الحكومة دليل على ان الحل لن يكون سريعا خصوصا اذا كان هناك انتظار لما قد يجري في الخارج والتحركات التي بدأت تنطلق.
سنة 8 آذار
وكان النواب السنة الستة المنتمين لفريق 8 آذار، اجتمعوا مساء أمس في دارة الرئيس الراحل عمر كرامي، في غياب النائب قاسم هاشم لوجوده خارج لبنان.
وجدّد المجتمعون في البيان الذي تلاه النائب فيصل كرامي، طلب «اللقاء التشاوري» اللقاء بالرئيس المكلف للمرة الثالثة، تاركين له الحرية الكاملة في تحديد وتوقيت موعد الاجتماع بهم عندما يرى ضرورة لحصول هذا الاجتماع.
واكدوا ان «مسألة طلب الموعد وعدم اعطائهم هذا الموعد لن تدفعهم إلى أخذ الأمور بشكل شخصي، فالمسألة سياسية دستورية، ونحن حريصون على ان تبقى في اطارها السياسي وعلى احترام الدستور».
ورأى اللقاء في بيانه، ان التلويح بالاخطار الاقتصادية التي تُهدّد لبنان ومحاولة تحميله المسؤولية عنها، إنما يندرجان في إطار التحريض السياسي والغرائزي، والأخطر هو التهرب من الحقيقة الدستورية والسياسية التي يتحملها حصراً الرئيس المكلف والعهد بشكل أساسي، وكل القابضين على السلطة التنفيذية، لكن اللقاء أشاد من ناحية ثانية بموقف رئيس الجمهورية حين تحدث عن مفهوم «أم الصبي»، معتبراً أن «أم الصبي» في موضوع تشكيل الحكومة حسمها الدستور وحصرها بالرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، لافتاً الى انه لا يرى جدوى من البحث عن «أم الصبي» خارج القواعد الدستورية.
واعلن أخيراً عن سحب التنازل الذي سبق وقدمه في عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، مؤكداً الإصرار على ان يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معه، وأن اللقاء يُؤكّد على المؤكد، وهو ان الحل يكون بتوزير احد نواب اللقاء الستة حصراً.
السلسلة في خطر
مالياً، كشف الرئيس برّي للمرة الأولى عن وجود اتجاه لدى الدولة باقتطاع ما نسبته 25 في المائة من سلسلة الرتب والرواتب، معلناً رفضه لهذا الاتجاه، وقال: «هناك موقف لكتلة «التنمية والتحرير» بأن من يريد ان يُخفّف من أعباء المديونية العامة، فليقفل مغاور الفساد والزبائنية»، مشدداً على ان السلسلة حق لا يجوز المس به.
تجدر الإشارة إلى ان وزير المال علي حسن خليل كان اعتبر أمس الأوّل، ان كل ما يقال حول سلسلة الرتب والرواتب والمتقاعدين وعن الرواتب والأجور هو كلام اعلامي، فجاء كلام الرئيس برّي ليؤكد المؤكد، بدليل ان رئيس الهيئات الاقتصادية محمّد شقير حذر في برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم من تلفزيون M.T.V من إمكانية عدم تقاضي المتقاعدين لرواتبهم في الأشهر الثلاثة المقبلة، من دون ان يُشير عمّا إذا كان توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم فتح اعتماد إضافي في موازنة العام 2018 لتغطية معاشات التقاعد كان لإنهاء هذه المشكلة.
اما وزير الاقتصاد رائد خوري الذي استضافه البرنامج نفسه، فقد حمّل وزير المالية مشكلة الأرقام في سلسلة الرتب والرواتب، والتي بدا ان كلفتها أكثر بكثير مما كان مقدراً لها. وقال ان الوزير خليل اتبع الأرقام التي أعطيت له من الإدارات، كاشفاً بأن ارقاماً أعطيت في مجلس الوزراء تقول ان كلفة السلسلة شيء لكنها أصبحت شيئاً آخر.
واعتبر خوري ان «القطاع الخاص كان العامود الفقري للاقتصاد اللبناني، لكن تمّ ضربه بزيادة الضرائب لتمويل السلسلة»، مشيراً إلى ان الرئيس عون كان يرى مخاطر إقرار السلسلة على الاقتصاد اللبناني، مؤكداً «اننا كلنا مع السلسلة ولسنا ضدها، وأنا حريص على الموظفين».