فيما الأوساط السياسية تنتظر مصير الافكار التي طرحها باسيل لحل عقدة تمثيل النواب السنّة أعضاء «اللقاء التشاوري»، إستبق الحريري اي لقاء مُحتمل معه، بالإعلان أنّه باقٍ على موقفه السياسي، بالنسبة الى مسألة تأليف الحكومة العتيدة، وقال: «لن أغيّر موقفي، وكلامي هذا ليس من باب التحدّي لأحد، إنما لإيماني المُطلق بأنّ الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان، ولا يحلّ مشكلة الكهرباء أو النفايات أو المطالب الحياتية والمعيشية للمواطنين».

وأضاف: «إنّ التسويات تقوم عندما تكون هناك مصلحة للبلد، وأنا كنت في مقدم الساعين إليها باستمرار. نحن نعيش كلبنانيين بعضنا مع بعض، والبلد في حاجة الى جميع أبنائه وفئاته لكي ينهض ويتقدّم نحو الأفضل، ولكن ما هو مطروح حالياً لا علاقة له، لا بالتسويات ولا بمصلحة البلد ولا اللبنانيين».

وقد اعلن الحريري هذه المواقف خلال ترؤسه في «بيت الوسط» مساء أمس اجتماعاً لكتلة «المستقبل» النيابية وممثلي تيار «المستقبل» في القطاعات والهيئات المُنتخبة، في حضور النائب بهية الحريري، تمّ خلاله إطلاق «المنتدى التشريعي التشاوري» الذي ينظّم الحوار بين الكتلة والهيئات المُنتخبة.

«المستقبل»

وعلّق مصدر قيادي في تيار»المستقبل» على «تكرار سنّة «حزب الله» معزوفة طلب اللقاء مع الرئيس المكلف سعد الحريري»، فقال: «كيف يمكن الرئيس المكلّف ان يستقبل مجموعة نواب، وهناك في صفوفها من يتهمه بالعمالة للمحور الاميركي ـ الاسرائيلي؟ إن اشخاصاً من هذا المستوى لن يطأوا بيت الوسط».

النواب السنّة

في هذا الوقت، اعلن النواب السنّة الستة بعد اجتماعهم، «سحب التنازل الذي سبق وقدّمه «اللقاء التشاوري» في عدم اشتراط حقيبة للوزير الذي سيمثله في الحكومة» واكّدوا «أنّ اختيار الوزارة يتم بالتشاور معنا، وأنّ الحل بتوزير أحد نواب اللقاء الستة».

كذلك اكّدوا «طلب اللقاء التشاوري للمرة الثالثة الموعد من الحريري، لأننا لا نرى حكمة في الرد على سلبية بسلبية مماثلة». واعتبروا أنّ «المبادرة الى طلب هذا الموعد هي تنازل من اللقاء وتضحية لا نندم عليها».

بري

في هذه الاثناء، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره امس، إنّ «لا جديد حول موضوع تأليف الحكومة في انتظار عودة الوزير جبران باسيل ليتابع مشاوراته في الافكار التي قدّمها».

وفي هذا السياق، قال مصدر معني عن كثب بعملية التأليف لـ «الجمهورية»: «انّ كل ما يدور من اقتراحات لحل العقدة الحكومية ليس سوى مضيعة للوقت، ومن يقول غير ذلك يستخف بعقول اللبنانيين. فالوقائع تظهر بما لا ريب فيه، انّ لا حكومة في القريب المنظور، لانّ الأفرقاء المعنيين بالحل لم يعد في امكانهم التراجع، والتنازل اذا ما حصل يفترض ان يكون على خلفية صدمة ايجابية لا مؤشرات اليها حالياً».

وأضاف المصدر: «الرئيس الحريري ليس في وارد الانكسار، وإلاّ يكون قد كتب نهايته السياسية، أو ضعفه الذي سيرتد عليه في إدارة الحكم، عدا عن صورته امام الخارج الداعم له والمفترض ان يتكىء عليه سنداً له. و«حزب الله» قال كلمته ولم يعد في امكانه العودة عنها، وإلاّ فهو يثبت للداخل والخارج بأنّه كان فعلاً مفتاح التعطيل لتنفيذ أجندات خارجية، عدا عن التزامه تحت عنوان «الوفاء» الذي يحكم مسيرته مع حلفائه. كذلك، فإنّ الوزير جبران باسيل، ردّد امام الجميع انّ الحل لن يكون من حصّته ولا من حصّة الرئيس، التي لا مساس بها. ضارباً بعرض الحائط التأثير السلبي لهذا الامر على العهد، في اعتبار انّه في حساباته ينظر الى المدى البعيد».

وبناءً على كل ما تقدّم، سأل المصدر: «من اين سيأتي الحل؟»، وقال: «على رغم الحديث عن ارتباطات الأزمة في لبنان بالخارج، لا يمكن نفي انّ الحكومة اصبحت حالياً اسيرة العناد والتحدّي و«الولدنة».

«القوات»

من جهتها «القوات اللبنانية» اعتبرت ان لا بديل عن الحريري. واكّدت دعمها له. وقالت مصادرها لـ«الجمهورية»: «ما يحصل هو محاولة ضغط لإخضاع الرئيس المكلّف من اجل التنازل والتسليم بتوزير سنّة 8 آذار، وهذا شبيه بالمحاولات التي مورست على «القوات» في مرحلة سابقة لإحراجها فإخراجها. هذه السياسة لن تؤدي الى اي مكان، خصوصاً انّ «حزب الله» يُدرك جيداً ان لا بديل من الرئيس الحريري، فهو يحظى بمشروعية سنّية استثنائية على مستوى الداخل، وبمشروعية وطنية لبنانية، وبمشروعية عربية ودولية.

والمشروعية التي يحظى بها هي بخلفية سياسية واقتصادية ايضاً انطلاقاً من مؤتمر «سيدر»، والنظرة الى الرئيس المكلّف على أنه يستطيع تنفيذ هذا البرنامج الذي أعدّه شخصياً وعلى مستوى دوائر الحكومة، وبالتالي الجميع يعلم ان أي محاولة لإخراجه أو لدفعه الى الإعتذار معناه إدخال لبنان في أزمة حكم وأزمة وطنية لا أحد يستطيع تحمّل تبعاتها. فكل هذه المحاولات مرفوضة شكلاً ومضموناً، فضلاً عن أنّ انزلاق الخطاب السياسي الى ادبيات الشتائم والسباب مرفوض ومستهجن، فالخلاف السياسي مشروع، وهو قائم في أي بلد ديمقراطي، لكن يجب حصره من ضمن اللحظة السياسية وفق كل ملف، وليس العودة عقوداً وسنوات الى الوراء وبسياسة تضليلية. فكيف يسمح البعض لنفسه بالقول انّ الرئيس المكلّف ينفّذ مشروعاً اسرائيلياً ـ اميركياً، فيما يلهث هذا البعض للدخول الى حكومته؟».

واضافت مصادر «القوات»، أنّ المطلوب في هذه اللحظة:

1 ـ إلتزام الجميع تحت سقف التسوية السياسية.
2 ـ حصر الخلاف من ضمن الملف القائم اليوم.
3 ـ العودة الى التبريد السياسي، لأنّ التسخين سيؤدي الى مزيد من الفراغ وليس الى معالجة الملف الحكومي.
4 ـ إفساح المجال امام المفاوضات الحكومية لكي تحقق الثمار المطلوبة، وفي حال لم تحققها في المرحلة القليلة المقبلة، الحفاظ على التهدئة السياسية، لأنّ التسخين السياسي لا يؤدي فقط الى مزيد من العرقلة، بل الى مزيد من تسريع التدهور الاقتصادي حيث سيغرق الجميع في هذه الحال».

واعتبرت المصادر «أنّ ما حصل مؤسف جداً، ويجب ترك الأمور في يد من يُجري مفاوضات هادئة وسليمة وحوارية لتحقيق الاهداف المطلوبة، ولا بديل من الرئيس الحريري، وإنّ «القوات» تؤكّد دعمها له ودعمها ايضاً لمساعي رئيس الجمهورية، وتتمنى ان يصار الى تهدئة الأجواء والمناخ السياسي افساحاً في المجال امام تسريع التأليف.

وفي حال استمرت المراوحة، يجب على رئيسي الجمهورية والحكومة اللجوء الى تفعيل حكومة تصريف الاعمال من ضمن ضوابط محددة وفق جدول اعمال يقتصر على بنود معينة، لأنّه لا يجوز اطلاقاً ان نبقى مكتوفين ونتفرّج على انزلاق البلد نحو كارثة اقتصادية. تقتضي المبادرة على هذا المستوى لكن قبل كل ذلك يجب وقف هذه «المسخرة» التي شهدناها في الايام الاخيرة من خطاب متدن غير مقبول لا من قريب ولا من بعيد».


بري والسلسلة

من جهة ثانية، أثار زوار بري معه ما يتردّد عن طروحات تدعو الى تخفيض في سلسلة الرتب والرواتب، فردّ مؤكّداً انّه يرفض أي مس بقانون السلسلة «فهناك قانون نافذ ومعمول به وكل كلام خارج إطار هذا القانون لا قيمة له».

وقال: «ان موقفنا سبق واكّدناه اكثر من مرة، وعاد وعبّر عنه نواب كتلتنا النيابية، وفحواه ان من يريد أن يخفف من اعباء المديونية العامة فليقفل مغاور الفساد والهدر والمناقصات المشبوهة والتوظيف العشوائي والرضائي، بدلاً من دعوته الى إعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب التي هي حق للعاملين في القوى العسكرية والأمنية وموظفي القطاع العام».

فوتيل

وعلى صعيد العلاقة اللبنانية ـ الاميركية، وفي اطار الدعم الأميركي للجيش اللبناني، كشفت مصادر دبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل سيصل الى بيروت في الساعات المقبلة، يرافقه وفد من مساعديه، وسيلتقي المسؤولين اللبنانيين الكبار. ومن المقرّر ان يتناول البحث التطورات الأخيرة في المنطقة وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، إضافة الى ملف المساعدات العسكرية المنتظمة الى لبنان.