رغم التكتم على الأفكار الثلاث التي ناقشها الرئيس نبيه برّي مع الوزير جبران باسيل خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى عين التينة، فإن التصريح الذي أدلى به رئيس التيار الوطني الحر بعد هذه الزيارة لخص مضمون الأفكار الثلاث التي طرحها بكلمتين: رفض الفرض ورفض الرفض، والقصد من هاتين الكلمتين انه مع تمثيل أحد النواب السُنَّة الستة المحسوبين على حزب الله على ان لا يكون ذلك على حساب الرئيس المكلف، وأن يتم ذلك بطريقة الفرض كما هو مطروح من الحزب على الرئيس المكلف، في مقابل عدم لجوء الرئيس المكلف إلى الرفض القاطع لهذا الطلب وسد كل أبواب ونوافذ الحوار مع الطرف الآخر من أجل الوصول إلى تسوية بين الفريقين، فماذا يعني هذا الطرح الذي قدمه الوزير باسيل؟
الأوساط المتابعة للاتصالات التي يقوم بها رئيس «التيار الوطني الحر» منذ ان انوجدت عقدة توزير أحد النواب السُنَّة الستة في الحكومة العتيدة تعتبر ان رئيس التيار الوطني الحر لم يأت بأي جديد يُمكن ان يُبنى عليه، ولم يكن موفقاً في المعادلة التي طرحها للافكار الثلاث التي يقول انه حملها إلى رئيس مجلس النواب الذي صرّح منذ اللحظة الأولى لطرح حزب الله توزير أحد النواب الستة، ليسير هو في عملية تشكيل الحكومة ويسمي وزراءه الثلاثة فيها، انه مع طرح حزب الله قلباً وقالباً، لأنه يعتبر ان من حق «التكتل السداسي» الذين اطلقوا على أنفسهم لقب «اللقاء التشاوري» ان يتمثلوا في الحكومة العتيدة طبقاً للمعيار الذي اعتمد في توزيع الحصص الوزارية على الكتل النيابية وهو وزير لكل أربعة نواب، وهذا ما حصل مع حزب القوات اللبنانية ومع التيار الوطني الحر ومع باقي الكتل الأخرى، وبالتالي فإن ما يطالب به حزب الله في موقعه الصحيح وعلى الرئيس المكلف ان يقبل به، على غرار ما حصل مع الكتل النيابية الأخرى، وهذا معناه، حسب هذه المصادر، ان الرئيس برّي يقف إلى جانب «حزب الله» في هذا الطرح، أي انه لا يقبل بحكومة لا يتمثل فيها النواب السُنَّة، فكيف والحالة كذلك يُمكن للوزير باسيل ان يمضي في طريقه حتى الآخر وهو يعرف مسبقاً، كما بدا من تصريحه بعد لقائه رئيس مجلس النواب، ان هذا الطريق مسدود امامه، فلا الحليف الأساسي لحزب الله مستعد لأن يختلف مع حليفه ولا الرئيس المكلف مستعد لأن يقبل بالتنازل عن حصته في الحكومة، ولا رئيس الجمهورية، كما يفسّر تصريح الوزير، باسيل مستعد للقبول بالطرح الذي يقول بأن يُحتسب الوزير الذي يعطى للنواب الستة من حصته. ومن هنا ترى المصادر نفسها ان العُقدة السُنِّية ما زالت حتى الان عاصية على الحل، ولا سيما على الوزير باسيل للأسباب التي ذكرت في السابق، ولأن الوزير باسيل نفسه ما زال يرفض ان يكون هو أو رئيس الجمهورية فريقا في النزاع القائم بين الرئيس المكلف وحزب الله ويُصر على ان يكون هو ورئيس الجمهورية خارج هذا التجاذب وهذا معناه بصراحة كاملة انه ورئيس الجمهورية ليس في وارد القبول بأي تسوية تحل هذه العقدة على حساب حصة رئيس الجمهورية ويتمسك بأن تتم التسوية بين الرئيس المكلف وبين حزب الله، كأن يتنازل الحزب عن تمثيل النواب السُنَّة الستة في الحكومة، ويقبل بالتشكيلة التي وضعها الرئيس المكلف ورفعها إلى رئيس الجمهورية أو ان يقبل الرئيس المكلف بأن يتنازل عن حصته في الحكومة العتيدة، ويقبل بتوزير أحد النواب السُنَّة الستة من حسابه وعلى حسابه، وكلا الأمرين غير متوفرين في الوقت الحاضر ولا على المدى المنظور، ما معناه، حسب هذه المصادر نفسها ان ما ألمح إليه الوزير باسيل من أفكار جديدة يُمكن ان تؤول إلى حل العقدة السنّية لا يتعدى كونه مجرّد إطالة عمر أزمة التأليف، وإلى تبريد الأجواء السياسية التي بدأت تشهد سخونة عالية بعد الحملة التي تشن على الرئيس المكلف من قبل جهات معروفة بانتمائها الى النظام السوري، ومن خلاله إلى حزب الله، الا إذا كان رئيس التيار الوطني الحر يريد من وراء الطرح التمهيد لأمر ما ألمح إليه رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وهو ما تستبعده هذه المصادر لأنه يتعارض مع ما يطالب به حزب الله الذي يحرص الوزير باسيل على عدم دق أي أسفين في التحالف القائم بين الحزب والتيار الوطني الحر، ومن هنا تصل هذه المصادر الى ان العقدة السُنّية بدأت تتحوّل من صراع على الحكومة الى أزمة وطنية تُهدّد الاستقرار الذي بدأ بدوره يترنح على خلفية الحملة المسعورة على الرئيس المكلف وعلى من يمثل داخل التركيبة الحالية.