اختتم في طهران المؤتمر الدولي الثاني والثلاثون للوحدة الإسلامية تحت شعار “القدس محور وحدة الأمة”، وخلاصة ما نخرج به من تقييم عام أن المؤتمر ينسجم مع طبيعة مشروع ولاية الفقيه طيلة 40 سنة من صادرات ثورة فبراير 1979 التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي.
المؤتمر اعتمد -حسب ما جاء في منهاجه- على ما أرساه الخميني من تيار للوحدة بين شعوب ودول العالم الإسلامي؛ بهذه المفارقة استلهم المؤتمر توجهاته بالترويج لمفردات من أهداف لغة التقريب بين المذاهب الإسلامية، في استغلال لم يعد غريباً للدين والعقيدة من أجل تمدد تنظيم الدولة الإيرانية.
ما جاء في المؤتمر من مضامين يغنينا عن مراجعة قائمة البراهين على انتهاكات وجرائم وإرهاب نظام الملالي خارج إيران وحتى داخلها، بما أدت إليه تلك المضامين من تفتيت وتدمير لمبادئ الإسلام الأساسية.
الأشد وقعاً هو تشظي التدين الشعبوي الذي استندت إليه الخطابات والحكايات والطقوس الغرائبية الإيرانية في إلحاق الأذى بالأمة العربية، رغم أنها وعاء الإسلام وتحفته اللغوية ومادته التاريخية.
أي مزايدة على أمتنا في مغالاة التقرب إلى الرموز من شخصيات وآثار، لن تفسّر إلا بالتجهيل لتمرير طموحات ورهانات ستأتي بالوبال والأزمات على من يتبناها أو بالارتداد على مقومات الاستقرار لأي وحدة مجتمعية مهما كانت مصادرها وينابيعها المشتركة.
المؤتمر ينفخ في رماد موقد العداء الصريح للعروبة وللمملكة العربية السعودية تحديداً، فالخطاب في قاعة المؤتمر يبتعد قليلاً عن المشروع الإيراني ليقترب من الشعارات، لكنه سرعان ما يعود فينقض بالكراهية لشحن الانقسام وتجيير المؤتمر لتناول ما تستلزمه تداعيات السياسة الإيرانية من جمع شمل الأحزاب الطائفية والتنظيمات المتطرفة والتي أثبتت الأيام متاجرتها بدماء الشعوب لغايات دنيوية يراد لها في المؤتمر أن تختفي تحت عبارات محور المقاومة وتحرير فلسطين ورمزية القدس كمحور لوحدة الأمة الإسلامية.
زعماء المشروع الطائفي في العراق حضروا المؤتمر بصفتهم مفكرين إسلاميين وعربا داعمين للدور الإيراني في الدفاع عن القدس على طريقة تجريف الحرس الثوري والميليشيات لبغداد ودمشق وصنعاء وبيروت؛ وإلى ذلك أشار الرئيس حسن روحاني بمد “مشروعه” المتآخي مع أبناء شبه الجزيرة العربية ضد الاستكبار العالمي كما فعلت إيران ونظامها “الإسلامي” في الدفاع عن العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان، وبما قدمته من مساعدات لهذه الدول؛ فسكان مكة والمدينة إخوان لنا، على حد تعبير روحاني.
الصواريخ الباليستية الإيرانية، حالها حال الصادرات الإيرانية، عندما تخطئ في إحداثيات مساراتها وتستهدف مكة وباقي المدن العربية. المؤتمر هو الآخر فقد بوصلته عندما تخلى عن غايته في التقريب، بالتحريض ضد المملكة العربية السعودية ومشروعها النهضوي والتنموي، والتأكيد المبالغ فيه بالانتصار على العملاء في المنطقة.
بعد 40 سنة من الإرهاب، الرئيس روحاني يُشهد الحاضرين أن إيران لا تشكل خطراً على جيرانها وإقليمها، بل إنها تقف إلى جانب من يحتاج إليها في الملمّات.
تطرق روحاني كذلك إلى مجموعة إرشادات ونصائح مذهبية تدعو إلى المصالحة مع الآخر في محاولة للبراءة من التبشير الطائفي ومن إثارة الحروب والفتن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأماكن متعددة من العالم، واصفاً صراعات بلاده بأنها من أجل التوحيد. المرشد الأعلى خامنئي انتهى إلى أن معظم الحكومات ستذهب، يقينا، إلى الجحيم لأنها تخضع إلى منطق الكفر وليس إلى منطق الولاية.
حضور البعض في المؤتمر كان على شاكلة ما يجري من تحالفات للقوى السياسية في العراق تحت تبريرات الفضاء الوطني، رغم أن الحقيقة تكمن في مهادنة الميليشيات كأمر واقع؛ هؤلاء بتواجدهم في المؤتمر أكدوا على تخادمهم مع أهداف المشروع الإرهابي التقسيمي الفوضوي بمبررات الخوف أو التمويل أو دفع الإرهاب عنهم وعن بلدانهم.
المؤتمر وفر فرصة لعرض المنتجات السياسية ومستجداتها بعد العقوبات الأميركية المشددة والتي وصفها الرئيس الإيراني بكل وضوح بالورطة والمشكلة. المواجهة كما يبدو ستكون شعبوية جداً على غرار ما ذكره روحاني من زيادة إيمانه وإيمان نظامه في الأيام الصعبة.
روحاني استنجد بالحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينات القرن الماضي لبعث رسائل خاصة ردا على ما أثارته الولايات المتحدة الأميركية حول عدم كشف السلطات الإيرانية عن قدراتها الكيميائية بإخفائها معلومات تتعلق بامتلاكها منشأة لتعبئة القنابل الجوية.
كانت صياغة تلك الرسائل بأسلوب الدعاء، مستطردا بالحديث عن خيبة القصف الكيميائي العراقي في تدمير المدن الإيرانية أو إلحاق الأذى بطهران نتيجة لسقوط الصواريخ.
الأهداف الإيرانية واضحة تماماً في إثارة أصداء تلك الحرب في أروقة المؤتمر أو في هذه المرحلة من المأساة التي تسببت بها حكومات المحاصصة وسدنة المشروع الإيراني في العراق من المتواجدين في المؤتمر؛ في وقت تتجه أصابع الاتهام نحو نظام الملالي بامتلاكه أسلحة دمار شامل يشتبه بنقلها واستخدامها في الأراضي السورية.
النظام الإيراني في مؤتمر الوحدة الإسلامية عبّر عن دعوته للسلام وإشاعة ثقافة الحب والتسامح والرحمة، دون أن ينسى الدعوة إلى وضع التجارب الإيرانية في خدمة الشعوب الإسلامية للاستفادة منها في تطور ونقل الخبرات إلى بلدانها.
يجوز لأحدهم أو لبعضهم من الذين ما زالوا واقفين عند نقطة الانبهار بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، أن يتقافزوا بين مصائب نظام الملالي وولاية الفقيه وإرهابها؛ وقد نتفهم تعصب هؤلاء بسبب انتماءاتهم وحاجاتهم وميولهم، لكن ما لا نتفهمه هو كيفية تعاطي من حضر المؤتمر مع مقولة الرئيس روحاني “لقد نصرنا الله في الحرب”.
إذا كان يقصد حرب الثمانينات، فذلك الانتصار يبدو محرجاً جداً للنظام مع ما تجرعه الخميني، أما إذا كان القصد انتصارهم باحتلال العراق بدبابات الاستكبار العالمي، فلهم ولعملائهم أن يفخروا بتنظيم هذا المؤتمر وتحقيق وحدة المسلمين.