تقترب البلاد من دخول الشهر الأخير من السنة، شهر الأعياد المجيدة، مع تزايد الرهان والانتظار لولادة حكومة جديدة، تراعي اعتبارات تحصين الاستقرار، وفتح الباب أمام الاستثمار وإعادة تأهيل البنى التحتية، في ضوء الحرص الفرنسي والدولي على وضع قرارات مؤتمر سيدر موضع التنفيذ.. في ضوء تأكيد الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون على دعم تنفيذ القرارات المالية الدولية حول لبنان.
وعشية الأعياد، يعقد مجلس الدفاع الأعلى اجتماعاً عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون وبحضور الرئيس سعد الحريري ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية والاقتصاد والعدل وقادة الأجهزة الامنية والمدعي العام التمييزي. وافادت مصادر ذات صلة انه مخصص لعرض الأوضاع الأمنية بشكل عام وتقييمها والبحث في التحضيرات والاجراءات التي يفترض اتخاذها لمناسبة الأعياد. ولفتت الى انه من المرجح ان يعقد لقاء ثنائي بين الرئيسين عون والحريري قد يتم فيه التطرق الى الملف الحكومي.
وعلى صعيد التأليف الحكومي، اوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان حركة المشاورات لم تتواقف وهي تنطق من الدعوات لمعالجة العقدة الحكومية.
ولفتت الى ان الوزير جبران باسيل لا يزال يتحرك ويتواصل مع الافرقاء السياسيين مع العلم ان المسألة تتصل بأفكار ثلاث هي في عهدة الرئيس نبيه بري وتخضع لتكتم شديد.
وتنطلق النقاط الثلاث من معادلة رفض الفرض، ورفض الرفض.. وبترجمة بسيطة: لا لفرض شيء على الرئيس المكلف، يرفضه هو. فعليه ان يقبل بتمثيل سنة 8 آذار في الحكومة، انطلاقاً من معايير متفق عليها.
وفي الوقت نفسه، عدم تأييد الاتجاه الرافض، للتعاطي مع هؤلاء النواب، الذين فازوا بالانتخابات النيابية..
وكشفت مصادر معنية لـ«اللواء» مضمون الاقتراحات الثلاثة وتتركز على:
1- اقتراح على الرئيس الحريري ان يخرج من التزامه مع الرئيس نجيب ميقاتي، بإعطاء الوزير السني إلى 8 آذار..
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري رفض هذا الاقتراح بالمطلق، وبصورة نهائية، ومن زاوية انه أعطى كلاماً للرئيس ميقاتي، ليس بوارد التراجع عنه..
2- إعطاء الوزير السني من حصة الرئيس عون إلى الرئيس برّي، مقابل توزير شيعي من حصة رئيس الجمهورية، وطرح على هذا الصعيد توزير النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم.. وهذا الطرح مرفوض أيضاً، من زاوية ان النائب هاشم عضو في كتلة التنمية والتحرير، ويشارك في كل اجتماعاتها..
3- الاقتراح الثالث، يدور حول إمكان تنازل رئيس الجمهورية عن الوزير السني، مقابل ضمان من حزب الله ان لا تبرز عقدة جديدة تعطل التأليف.
وقالت المصادر ان الأزمة الآن هي بين حزب الله من جهة وكل من الرئيسين عون والحريري،وأشارت إلى ان جولة المشاورات التي بدأها باسيل، لم تسفر عن شيء محدد، وان الأمور ما تزال تراوح مكانها..
وقارنت المصادر بين حصة الرئيسين الحريري وميقاتي، اللذين لديهما تكتلاً نيابياً من 24 نائباً تكون 4 وزراء، في حين ان حصة القوات 4 وزراء، ولديها فقط 15 نائباً.
وتساءلت: وفقاً لأي معيار يمكن القبول بأن تكون حصة الرئيس الحريري مع حليفه الرئيس ميقاتي 4 وزراء فقط؟
باسيل في عين التينة
في هذا الوقت، جاءت زيارة الوزير باسيل إلى عين التينة، بمثابة مؤشر إلى ان رئيس «التيار الوطني الحر»، بدأ مرحلة جديدة من مساعيه لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، عبر إيجاد حل لعقدة النواب السنة الستة.
وأشارت مصادر عين التينة، إلى ان باسيل طرح عدّة أفكار على الرئيس برّي الذي تولى تفنيدها وايضاح الإيجابيات منها والسلبيات، وخلص النقاش إلى تبني ثلاثة أفكار فقط، اتفقا على احاطتها بالكتمان، حرصاً على نجاح هذه المساعي.
ونقلت المصادر عن رئيس المجلس انه شعر بوجود «نية طيبة» عند باسيل لإيجاد حل مناسب للعقدة السنية، وتسريع تأليف الحكومة، لكن هذا لا يعني ان ثمة دوراً لرئيس الجمهورية بالذات للمساعدة على إيجاد الحل الوسطي لهذه الأزمة، حتى تبصر الحكومة النور قبل عيد الميلاد، بحسب ما يتمنى فريق رئيس الجمهورية.
ويتوقع ان يجتمع باسيل بعد عودته من صربيا التي يتوجه إليها اليوم، بالرئيس المكلف للبحث معه في هذه الأفكار، كما انه سيجري اتصالاً بأحد النواب السنة الستة لاطلاعه على ما توصل إليه مع الرئيس برّي.
اما مصادر وزير الخارجية، فقد أكدت الاتفاق على ضرورة الإسراع في المشاورات من دون احداث أي خلل في تشكيلة الحكومة، كي تعمل من دون زعل ونكد، بل بتوافق، وهذا يقتضي تعاون المعنيين على قاعدة رفض بالمطلق لحق أي طرف في المشاركة في الحكومة إذا كان مستحقاً، ولا فرض لأي أمر خلافاً لإرادة الرئيس المكلف.
وبحسب هذه المصادر، فإن الرئيس برّي تمنى على باسيل مواصلة مبادرته، مبدياً استعداده للمساعدة حتى تتشكل الحكومة، بالاتفاق بين مكوناتها على ان تكون منتجة ومتوازنة.
وكان باسيل، أعلن بعد زيارته عين التينة، انه ليس مقتنعاً بأن هناك قراراً خارجياً بمنع تأليف الحكومة، أو ان هناك قراراً سياسياً داخلياً من أحد الأطراف بعدم التأليف، مشيراً إلى ان همه ليس فقط في ان نؤلف حكومة، بل المهم ان تتألف الحكومة وتكون منتجة وتحل المشاكل التي يريد اللبنانيون حلها.
ورأى ان «الحل يجب ان يكون فيه عدالة، عدالة في التمثيل وعدالة في الحكومة، ولا نستطيع ان نؤلف حكومة فيها فرض على الآخر أو فيها رفض للآخر، ويجب ان يكون هناك قبول متبادل وتوافق، ولذلك اسمها حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها الأكثرية والأقلية وفق المعايير العادلة».
إلى ذلك تكهنت بعض الأوساط ان يترك لرئيس الجمهورية اختيار اسم ممثّل عن فريق النواب السنة، على النحو الذي تمّ فيه حل العقدة الدرزية، لكن المشكلة تكمن في ان الرئيس عون يتمسك بان يكون له دور مساعد وتوفيقي، من دون ان يكون تمثيل هؤلاء في الحكومة من حصته.
وفي هذا الصدد، علمت «اللواء» ان بعض الوسطاء يعملون على ترتيب لقاء بين الرئيس المكلف والنواب الستة، على ان يتم في هذا اللقاء تسمية ممثّل عنهم لدخول الوزارة، إلا ان هذه المساعي ما تزال في بداياتها وتحتاج إلى بعض الوقت لتقرير نتائجها نجاحاً أو فشلاً.
وفي إشارة إلى احتمال موافقة «حزب الله» على ان يختار النواب السنة الستة أحداً يمثلهم في الحكومة، أعلن وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال محمّد فنيش ان «اي اتفاق يحصل مع حلفائنا النواب السنة نحن نقبل به، فلا موقف مسبقاً لدينا».
وقال خلال رعايته حفل تفعيل قانون بيع المنتوجات التبغية لقاصرين «نقول للرئيس المكلف انه جزء من تسوية، ولذا تمّ اختياره، فلا خلاف معه ولا على دوره، بل الخلاف هو على مطلب محق تجاهله في البداية وتعامل مع كل المطالب بمنهجية مختلفة».
وسط هذه الأجواء، جدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، دعوته إلى التسوية، لكنه غمز من قناة «حزب الله» من دون ان يسميه، حينما غرد عبر «تويتر» قائلاً: «شريكنا في الوطن مع حلفائه مثل الرجل الآلي لا عواطف له ولا تقدير له مع الاسف لأي شيء حتى لو ادى الامر الى التدهور الاقتصادي، هكذا تبدو الصورة على الاقل. وإذ ارى تلازم المسارات من العراق الى لبنان مرورا بسوريا، اجدد دعوتي الى التسوية وأشجب التشهير بالشيخ سعد الحريري.الحكومة اولوية».
رسالة ماكرون
كذلك برزت الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الرئيس عون لمناسبة عيد الاستقلال، والتي دعا فيها إلى الإسراع في تأليف الحكومة واصلاحات «سيدر» والالتزام بالنأي بالنفس، مشيراً إلى ان لبنان الذي حمل أكثر من طاقته عبء النزوح السوري يجب ان يبقى معتمداً على المساعدات الدولية المقدمة إلى النازحين والدول المضيفة لهم طالماً ان ظروف العودة الأمنية والطوعية لم تكتمل بعد.
وإذ شدّد على التزام فرنسا الوقوف إلى جانب لبنان، مشيراً إلى المؤتمرات الدولية التي انعقدت لدعمه امنياً واقتصادياً وانسانياً، أكّد تمسكه بأن توضع توصيات هذه المؤتمرات موضع التنفيذ، لا سيما في ما يتعلق بالاصلاحات الاقتصادية التي تمّ الالتزام بها في مؤتمر «سيدر» وفي دعم القوى الأمنية اللبنانية.
تزامناً مع هذا الالتزام الفرنسي، تسلم الجيش اللبناني أمس، دفعة جديدة من المعدات العسكرية الفرنسية في إطار استكمال خطة التعاون المكثّف بين الجيشين الفرنسي واللبناني، وتضم الدفعة الجديدة، بحسب بيان السفارة الفرنسية: 10 مركبات مدرعة و96 صاروخاً طويل المدى من طراز HOT ونظامي محاكاة إطلاق النار.
شوارع بيروت رهينة
وفي سياق ردود الفعل، على تصيرحات وهّاب، عاشت شوارع العاصمة بيروت، مساء أمس، ساعات عصيبة من التوتر والانفلات وقطع طرقات بالاطارات المشتعلة، من قبل مجموعات من الشبان الذين أرادوا ان يعبروا بطريقتهم، عن امتعاضهم واحتجاجهم على الحملة السياسية والإعلامية التي تستهدف الرئيس المكلف ووالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي اعتبرتها مصادر في تيّار «المستقبل» بأنها أحد مظاهر التوتر تجاه رفض الرئيس الحريري الانصياع لرغبات «حزب الله» وحلفائه في توزير نواب سنة 8 آذار.
وناشد تيّار المستقبل المحازبين والمواطنين في العاصمة وسائر المناطق الامتناع عن أية ردود فعل سلبية، كقطع الطرق واحراق الاطارات والتزام حدود القانون والتعاون مع السلطات المختصة وعدم الانجرار وراء الدعوات التي من شأنها الإخلال بالاستقرار.
ومع أن قيادة المستقبل سارعت إلى نفي ان تكون لها علاقة بهذه التحركات الاحتجاجية، لم تستبعد مصادر مطلعة ان تكون الحملة على الرئيس المكلف والنهج الذي اعتمده والده الرئيس الشهيد في مسيرته السياسية جزءاً من تصعيد غير مسبوق، أخذ شوارع بيروت رهينة بهدف الضغط على الرئيس الحريري في عملية تأليف الحكومة، واجباره على القبول بتوزير أحد النواب السنة الستة، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف، معتبراً بأن النتيجة ستكون عسكية على من يقودون هذ الحملة.
وعبرت كتلة «المستقبل» التي اجتمعت أمس برئاسة النائب بهية الحريري، عن هذا المنحى حين رأت ان حملة الأبواق التي تتصدر واجهة التطاول، نتيجة أمر عمليات لا وظيفة لها سوى التخريب على الاستقرار الوطني وتعطيل أية إمكانية لخرق الجدران المسدود امام تأليف الحكومة.
واهابت «بكل القوى السياسية العودة إلى الأصول في تأليف الحكومات والتوقف عن المحاولات المشبوهة لمحاصرة الصلاحيات المنوطة دستورياً بكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف».
وبحسب تقارير غرفة «التحكم المروري» التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أفادت ان قطع الطرقات في بيروت، شمل تقاطع المدينة الرياضية وكورنيش المزرعة ومستديرة الكولا وقصقص باتجاه المطار، وأدى ذلك إلى حركة مرور كثيفة على هذه الطرقات، قبل ان تتدخل قوى الأمن ووحدات من الجيش إلى فتح الطرق، ومغادرة المحتجين.