أولاً: سوء التفاهم العوني - الشيعي...
كتب ميشال ن.أبو نجم مقالة في صحيفة النهار بتاريخ 27/11/2018 حول سوء تفاهم عوني-شيعي، وأبو نجم هذا يُعرّف عن نفسه بقيادي شاب في التيار الوطني الحر ورئيس تحرير موقع "اليوم الثالث"، ويُحدّد الكاتب تحوُّل العلاقة العونية-الشيعية من حالة البرودة إلى حالة الحرارة مع تفاهم مار مخايل في السادس من شباط عام 2006، ليصل بعد ذلك إلى معمودية النار والدّم في حرب تموز عام 2006، والاعتصام ضدّ حكومة السنيورة في خيم "المقاومة والممانعة" وسط البلد لفترة زمنية طويلة، وبعدها ينتقل الكاتب ليوهمنا (أو يوهم أطراف التفاهم) على أنّ سوء تفاهمٍ (ربما بسيط) وقع في عاملين اثنين: الخلاف على التاريخ والتّصويب على جبران باسيل في خطابه السياسي والإعلامي.
إقرأ أيضًا: حسن علّيق في صار الوقت يُوزّع شهادات الوطنية ويُلصق تهم العمالة
ثانياً: سوء تفاهم حول "التاريخ"...
بعد تفاهم الجنرال ميشال عون مع قوى الثامن من آذار وفي مقدمهم حزب الله، يرى أبو نجم في عون ريادة وطنية انعطفت للتّصالُح مع المحيط الإقليمي، والسوري على وجه الخصوص، وجنحت نحو تبادل المنافع والمصالح مع حزب الله ومعه قوى 8 آذار، وفي هذا يرى الكاتب جرأة غير معهودة في الأوساط المسيحية المارونية اتجاه البيئة الإسلامية-الشيعية، فيخترقها ليُخاتلها ويُراوغها ويُلحقها به، وهذا ما لم تستطعه الأحزاب العقائدية، ومن بينها قيادات في الحزب القومي السوري الاجتماعي، وبدل أن يرى أبو نجم في خطوة عون تمهيداً لإلحاق العصب الماروني المسيحي بالمشاريع الإقليمية لقوى الثامن من آذار (نظراً لفائض القوة عندها) ما يهدّد وحدة الكيان اللبناني ونظامه، راح يقرأ في سيرة "القائد" بطولات معظمها مُتخيّل، كان قد بدأها المقدم ميشال عون الذي قاد الهجوم المسلّح على مخيّم تلّ الزّعتر، وأوقف اختراق جبهة "التحرير الفلسطينية" لجبهة الكحالة، صافعاً الظابط الذي أخبره عن الحدث باكياً، ومن ثمّ يخترع أبو نجم بطولات وهمية للجنرال في الحروب "المقدّسة" ضد الفلسطينيّين، وليحذف بالطبع مشهدية مصافحة الجنرال عون للظباط الإسرائيليّين أثناء اجتياح العام 1982 ، حتى إذا وقف اليوم الوزير جبران باسيل أمام صخرة الجلاء على نهر الكلب، أنكر عليه حلفاؤه "الممانعون" ذلك، وأرادوا مُجدّداً منه أن يخلع مع تياره جلدهما وتاريخهما.
إقرأ أيضًا: الأخبار: بعبع حزب الله يجول من وزارة الصحة إلى القصر الجمهوري
ثالثاً: صورة جبران باسيل الطائفية...
يعود أبو نجم إلى نقطة الخلاف الثانية العونية- الشيعية، وهي شخصية الوزير جبران باسيل، إلاّ أنّه يبدأ أولاً بمعاينة صورة الجنرال عون قبل التّدقيق في قسمات باسيل، كان عون قد أطلق من منفاه صرخته المشهورة: إذا كنتُ طائفياً فانبذوني. إلاّ أنّه عندما عاد إلى ربوع الوطن "لبس قبعه ونزل مع ربعه"، عاد ليتحدث عن "حقوق المسيحيين"، وكان قد وعد بريادة وقيادة إصلاح وتغيير ومحاربة الفساد، بعد ذلك يبدأ أبو نجم بتعداد المبرّرات والمسوّغات التي دفعت عون للتّنازل والتّساهل مع شعاراته، والتّصالح مع دولة الفساد والمحاصصات والانتهاكات التي فرضتها "الميليشيات" في البيئة الإسلامية، فحوصر عون في "بقعته الجغرافية المسيحية" ليرتدّ بعدها بشخص باسيل ناحية "حقوق المسيحيين" واقتناص المغانم والصفقات مع الشركاء المسلمين "الأشرار".
لا فروق ظاهرة بين صورة عون الثائر وصورة باسيل المشاكس، استلم باسيل من عون راية مشاكسة المسلمين لانتزاع حقوق المسيحيين، كل هذا ولم يلفُت نظر المحلّل أبو نجم، والذي بزغ فجأة، أنّ حقوق المواطنين هي التي ضاعت بين فكّي زعيمه وصهره باسيل من جهة، وما سمّاه "ميليشيات" الفساد والمحاصصات في الجهة الإسلامية الأخرى.
المهم، ولعلّه الأهمّ، أنّ جنرالاً كان يحلم بكرسي الرئاسة الأولى منذ حوالي ثلاثين عاماً، عندما كان في ريعان الشباب، يجلس عليه اليوم وقد نخرهُ سوسُ الفساد قبل أن ينخرهُ سوسُ السّنين.