ليست المرة الأولى التي تلغى فيها زيارة البطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي الى طرابلس، فقبل سنتين كان من المفترض أن يزور البطريرك طرابلس في شهر أيار لكن قبل أيام قليلة وبعد إنجاز كل الترتيبات اللوجستية تم تأجيل الزيارة ومن ثم ألغيت، كما هو حال الزيارة البطريركية “السلامية” التي كانت مرتقبة في 22 كانون الأول المقبل حيث كان من المفترض أن يمضي اليازجي عيد الميلاد المجيد في المدينة حيث أعدّ له برنامج حافل على الصعيدين السياسي والاجتماعي.
لم يقنع السبب الذي جاء في بيان تأجيل الزيارة الصادر عن مطرانية الروم الأرثوذكس في طرابلس أحدا، خصوصا أن المطران أفرام كرياكوس شكر الجهود التي بذلها “الأبناء تحضيرا لهذه الزيارة التي تأجلت الى ما بعد عيد الفصح، لمزيد من التشاور ولضمانة الظروف الطبيعية (الطقس)”.. علما أن الجميع يعلمون أن الطقس في شهر كانون الأول ليس مضمونا وهو طقس شتوي صرف، ما يؤكد أن وراء هذا السبب غير المقنع، أسبابا أخرى لم يفصح المطران عنها.
لا شك في أن التحضير للزيارة البطريركية ترافقت مع كثير من اللغط والاعتراضات، لا سيما على صعيد إقتراح تسمية مستديرة السلام عند مدخل طرابلس الجنوبي باسم البطريرك اليازجي، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من أبناء المدينة من مختلف الطوائف، خصوصا أن الساحة كان أطلق عليها قبل نحو 15 سنة إسم “القدس”، ما دفع مصادر مقربة من البطريرك اليازجي الى “نفي علمها بهذا الأمر”، الذي جاء بمبادرة شخصية غير موفقة من قنصل ألبانيا الفخري مارك غريب عضو اللجنة التحضيرية للزيارة، ما أشار الى حالة من التخبط أرخت بثقلها على هذه اللجنة.
تساؤلات كثيرة طرحت حول تأجيل الزيارة البطريركية الى طرابلس، لجهة: هل الأمر يعود الى البطريرك الذي وجد أن الظروف السياسية غير مؤاتية للقيام بالزيارة؟، أم أن اللجنة المكلفة بالتحضير للزيارة فشلت في إيصال الرسالة الى من يلزم بما يساهم في إنجاحها؟، أم أن اللغط الذي رافق التحضيرات على صعيد تسمية “ساحة القدس” هو الذي أدى الى هذا التأجيل؟، أم أن أبناء الرعية الأرثوذكسية في طرابلس وجوارها لم يتلقفوا الدعوة الى إستقبال البطريرك بسبب إعتراضهم على آدائه؟، حيث بات معروفا لدى القاصي والداني أن ثمة معارضة أرثوذكسية لنهج اليازجي في كثير من القضايا، فلم تنجح اللجنة في إقناع العائلات الأرثوذكسية بالمشاركة في الاستقبال وبالتالي فقد وجدت أنها غير قادرة على تأمين الحشد الشعبي اللازم الذي من المفترض أن يكون في إستقبال رأس الكنيسة، فكان خيار التأجيل؟.
تقول المعلومات إن البرنامج السياسي للزيارة قد أنجز، حيث كان من المفترض أن يقوم البطريرك بزيارات الى قيادات سياسية في المدينة، وأن يلبي دعوة مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار الى مأدبة غداء تكريمية تضم شخصيات سياسية وإجتماعية، فضلا عن إقامة اليازجي مأدبة غداء لفاعليات المدينة وشخصياتها وإقامة قداس كبير يشارك فيه الجميع، أما الثغرة التي شغلت البال هي (بحسب المعلومات) الزيارات ذات الطابع الشعبي التي كان سيقوم بها البطريرك الى بعض المناطق والكنائس في طرابلس وجوارها، وهي ربما لم تلق التجاوب المطلوب مع اللجنة المنظمة التي يبدو أن ثمة هوة سحيقة بينها وبين العائلات الأرثوذكسية التي لديها أيضا سلسلة من المآخذ على البطريرك وعلى الدائرة المحيطة به، حيث يعبّر كثير من هؤلاء عن “عدم رضى على النهج الكنسي المتبع معهم”.
يقول مطلعون: إن كل هذه الأسباب معطوفة على أجواء سلبية وصلت الى البطريرك اليازجي والى مكتبه والدائرة المحيطة به، وبعد التشاور كان الخيار هو تأجيل الزيارة الى ما بعد عيد الفصح، فإما أن يصار الى معالجة الخلل القائم وتتم الزيارة بنجاح سياسي وشعبي، أو أن تفشل الجهود مجددا ويتم صرف النظر عن الزيارة وترحيلها الى أجل غير مسمى.