هل تذكرون في المدرسة كم كنّا نكره صفّ التاريخ؟ وكم كنّا نجلس في الملعب نتذمّر من أستاذ المادة؟ وكم كنّا نستمع إلى أهالينا يتحدّثون عن مدى عدم جدوى التاريخ في مسيرة اختصاصات الأطباء والمهندسين والمحامين المفروضة على أولادهم بوراثة الهَبل الاجتماعي؟
هل انتبهتم كيف مرّت الأعوام، واكتشفنا أن لا الرياضيات نفعتنا في تسديد ديوننا، ولا علوم الأحياء ساعدتنا على محاربة سرطاناتنا، ولا الكيمياء والفيزياء أسعفتنا في تخفيف تلوّث هوائنا وأرضنا ومياهنا؟
هل تعرفون أنّ التاريخ الذي لم ندرسه، مكتوب في إحدى كتبه وعلى إحدى صفحاته، في مقطع ما وعلى سطر ما، أنه عام 1775 نشبت «حرب الطحين» في فرنسا، وهي كانت عبارة عن موجة من أعمال الشغب، جاءت بعد زيادة تمّ فرضها على أسعار الطحين؟
لكنّ هذه الثورة الشرسة هدأت بعد تراجع السلطات عن قرارها، وفرض الرقابة على أسعار القمح في مملكة لويس السادس عشر. ولم تكن «حرب الطحين» هذه سوى جزء من أزمة اجتماعية وسياسية كبيرة جداً، فثَار الفرنسيون على جوعهم ومَهّدوا بانتفاضتهم هذه لواحدة من أعظم الثورات في العالم، الثورة الفرنسية عام 1789.
وبعد تغيير الحكم ومعه الدستور، مَذكور أيضاً في كتب التاريخ التي كنّا نتناساها في طبقة المدرسة، أو تضعها والدتنا تحت الطنجرة الحامية، أنه عام 1793 تمّ كتابة سطرين مقدّسين في ملحق دستور جمهورية فرنسا الأولى، ينصّان على أنّه «عندما تنتهك الحكومة حقوق الشعب، تكون الثورة من أقدس حقوقه وأكبر واجباته».
ويبدو، على عكسنا، أنّ الفرنسيين كانوا يمرغون لأولادهم التاريخ في سندويشات المدرسة وليس البيكون، لأنه من يومين عندما فرضت الحكومة ضرائب جديدة على أسعار المحروقات، نزل مئات الآلاف إلى الشوارع بإسم التاريخ ليثوروا ضدّ مَن ينتهك حقوقهم.
فلا خافوا من هيبة برج إيفل، ولا من نظافة جادة الشانزيليزه، ولا من تكسير بلاط التروكاديرو، بل مَرغوا شرف السياحة والاستقرار بأرض كرامة لقمة عيشهم.
أين الفرنسيون وأين نحن...
نحن اللبنانيين، شعب قَبضاي، نحن من صلبنا الجرن فوق رؤوسنا، ورفعنا المحدلة بسهولة على أسطح الطين. نحن الذين اكتشفنا الحرف، والبرهان قدرتنا العجائبية على تأليف الشتائم. نحن الذين افتتحنا الحرب الأهلية عام 1860 ولن نختتمها في حياتنا.
وعن أيّ تاريخ تتحدثون يا أمم الأرض، وأيّ دروس تريدون أن نتذكّرها؟ هاتوا لنا حكومات تنتهك حقوقنا، وعندها فقط سنريكم كيف نَدقّها مثل الكِبّة النيّة، ونَفرمها مثل التبّولة، ونخفيها عن وجه الأرض مثلما نمسح بآخر لقمة صحن الحمّص بطحينة.
وتأكيداً على هذا الكلام، صَرّح زعيمي (يُقبُرني انشالله) أنّ وضع حزبنا مستقرّ اقتصادياً ولا خوف على ليراته في المصارف، وليس هناك تهديدات إرهابية ضد طائفتنا.
وأكّد أنّ جميع الموظّفين الذين فرضهم في المؤسسات الرسمية مرتاحون برواتبهم ودوامات عملهم، وشدّد على أنّ النفايات في الشوارع تساهم بشكل كبير في إطعام عائلات الجرذان في منطقتنا، والتلوّث في البحر مخطّط خارجي لضرب السياحة وأسعار غرف الفنادق.
زعيمي لا يهاب شيئاً، تحدّث في كلمته أيضاً عن موضوع الضرائب المرتفعة على المواد الأولية والغذائية والمحروقات والأقساط، وكشف لنا أنّ كل هذه الأموال تسهّل عليه كثيراً تعليم أولاده في الجامعات الغربية، وتحصين قصره، وتدعيم مواكبه بسيارات مصفّحة حتى يحافظ على شرف طائفتنا الأبيّة ويضمن حياة سلالته.
وقطع الطريق على جميع المصطادين في الماء العكر، وطَمّننا أنه في الوقت الحالي لا حاجة أبداً إلى انتفاضة أو ثورة لأنه مهما حصل يبقى تراب الأرز أغلى من الذهب... وفي الختام، خَبط يده على المنبر، وقال بنبرة عالية وجبين مرفوع إنّو بَيّو أقوى من بَيّ الزعيم التاني.