يمكن القول بعد كل هذا الضجيج الذي أُثير حول زيارة الكنيسة المارونية الى الأعتاب الرسولية إنه «ذاب الثلج وبان المرج»، واتّضحت الصورة بشكل أكبر.
لم تكن زيارةُ الكنيسة المارونية والوفدُ المرافق من علمانيين الى الفاتيكان زيارةً عاديّة، بل تخطت توقعات المنظمين أنفسهم خصوصاً تجاه ما ميّزها من لفتةٍ خاصة وحفاوة استقبال من قبل البابا فرنسيس.
3 ساعات من اللقاء بين البابا وأركان الكنيسة وعلى رأسهم البطريرك الراعي كانت كفيلة بإنهاء كل الشائعات التي تحدّثت عن أنّ الكرسي الرسولي يستدعي الكنيسة من أجل محاسبتها، خصوصاً أنّ البعض قد ذهب في «بثّه للسموم» الى درجة الحديث عن أنّ الراعي يغادر الى روما بطريركاً وسيعود منها بطريركاً سابقاً.
ولا يبدو أنّ هذا المسلسلَ منفصلٌ عن مسلسل الشائعات الذي بدأ في حلقات متتالية منذ عام 2013، وطال الكنيسة والبطريرك على حدّ سواء. فقدّ بدأ لقاءُ البابا بالبطريرك وسينودوس الكنيسة بكلمة ترحيب من البابا، وهو قال حرفياً: «هذا اللقاء معكم هو لقاءٌ أخويّ ويمكنكم أن تسألوا ما تشاؤون وتستفسروا عن كل شيء».
مهّد البابا للّقاء بكلماتٍ معبّرة عن مدى الإهتمام بلبنان وبالكنيسة المارونية التي في نظر الفاتيكان أهم كنيسة في الشرق الأوسط وذلك لإعتبارات عدّة منها الدور الذي يلعبه الموارنة في لبنان والمنطقة، كذلك فإنّ الكرسي الرسولي يحتاج الى كنيسة قيادية في الشرق الأوسط مع ما يعانيه المسيحيون من تهجير وصراع وجود وخوف على المستقبل.
وتناول اللقاء مع البابا مسائل عدّة منها روحية ووجودية تتعلّق بالوجود المسيحي في الشرق وكيفية حمايته ووقف نزيف الهجرة الإرادية والتهجير القسري.
وحضر الشأنُ الإداري الداخلي في لقاءات الفاتيكان، حيث كانت هناك جردة لكل ما تقوم به المؤسسات الكنسية من تعليمية وإستشفائية وإجتماعية، وتمّ التأكيد على أولوية خدمة الناس والإستمرار بالعمل الإجتماعي والمساعدة على تخطّي الأزمات.
وبالنسبة الى الشقّ الوطني والسياسي، فإنّ الفاتيكان يعطي أهمية قصوى لملف النازحين السوريين في لبنان، وهو يريد الحفاظ على خصوصية لبنان وتنوّعه لأنه يعتبره المثال في العيش المشترك، ويدرك البابا خطورة الوضع بالنسبة الى لبنان، كذلك فإنّ المسؤولين في الفاتيكان وعدوا بتحريك دبلوماسيّتهم في العالم من أجل مساعدة لبنان على حلّ أزمة النزوح وحماية تركيبة البلاد وعدم السماح بانهيار الوضع.
لا شكّ أنّ الموضوعات التي بُحثت كانت كثيرة، لكنّ الأساس أنّ البابا أعاد تجديد الثقة بالكنيسة المارونية وهرميّتها، وبات يعتبرها من الكنائس الأولى عالمياً بحيث أصبحت بمرتبة متقدّمة نظراً للدور الذي تطّلع به، وهذه من المرات النادرة التي تتقدّم بها الكنيسة الى هذه المراتب وتصبح في أولويات حسابات الفاتيكان.
وعلى رغم الضجيج الذي يثار في لبنان، إلّا أنّ أجواء روما مغايرة كلياً، إذ إنّ البطريرك الراعي يحظى باهتمام خاص في الدوائر الفاتيكانية ولديه كل الثقة. في المقابل فإنّ كل الكلام الذي حُكي عن إقالته بدّدته اللقاءات والإهتمام الخاص الذي حظي به الوفد اللبناني من البابا أولاً ومن كل المسؤولين ثانياً.
وتؤكد مصادر بكركي أنّ هناك «حرتقات» تحصل في روما على البطريرك والكنيسة بشكل عام. وتؤضح لـ»الجمهورية» أنّ «هذه التصرفات لا تحصل من طرف واحد، بل هناك أشخاص مدنيون وحتى من داخل الكنيسة يحاولون إثارة المشكلات، لكنّ الحقيقة واضحة وضوح الشمس».
وتلفت المصادر الى أنّ الفاتيكان مهتمّ بالكنيسة المارونيّة، ولا يدخل في التجاذبات اللبنانية، وله ملء الثقة بالقيادة الكنسيّة الحالية، والدليل على هذه الثقة هو التعاون فيما خصّ الرهبنة المريمية بعد قضية الـ»NDU»، فقدّ تمّ تعيين المطران حنّا علوان زائراً رسولياً على الرهبنة، مع العلم أنّ الرهبانيات تتبع مباشرة الفاتيكان ولا تقع تحت سلطة بكركي مباشرة».
ولا تنفي بكركي حصول بعض الأمور غير المستحبّة داخل الجسم الكنسي، لكنّ كل ذلك يبقى في إطاره الطبيعي وتتّخذ تدابير في حقّه سريعاً. في المقابل، فإنه لن يحصل أيُّ تغيير في القيادة الكنسيّة الحالية بعد الزيارة، بل إنّ الأمور ستسير بشكلها الطبيعي ووفقاً للبرنامج الموضوع والإستحقاقات في الأبرشيّات ستتمّ في موعدها.
قد يكون البطريرك الراعي من البطاركة القليلين الذين يثيرون كل هذا الجدل، خصوصاً أنّ هناك فئة تقف له بالمرصاد، لكن كل التجارب الماضية تؤكّد أنّ ما يُحكى من هذه الفئة لا يتعدّى إطار الشائعات، لأنه لم يصحّ حتى الساعة حرف واحد ممّا تحدّثوا به.