السيد حسن بين الحوزة والانترنت

" لو كنت مرجعاً، لحرمت الانترنت وكل وسائل التواصل الاجتماعي، إشكروا الله أنني لست مرجع ..."

 

هذه العبارة التي تسربت عن لسان السيد حسن نصرالله أثناء لقاء أقامه حزب الله بمناسبة تخرج طالبات معاهد سيدة نساء العالمين الثقافية، وكان  قد أكد  أيضاً خلاله على أن " الإبتلاء الأكبر هذه الأيام هو الانترنت " بحسب وصفه .

 

صحيح أن سياق الكلام كان في معرض الحديث عن المشكلات الإجتماعية وتعداد  أسباب الطلاق والتي قد تعتبر وسائل التواصل الإجتماعي واحدة منها هذه الأيام، إلا أن الملفت هنا، أن السيد نفسه كان منذ فترة قصيرة قد دعا جماهيره والشعوب العربية والإسلامية إلى أكبر حملة  على مواقع التواصل الإجتماعي استنكاراً لنقل الإدارة الأميركية سفارتها إلى القدس المحتلة ! 

إقرأ أيضًا: سموم حسن عليق، وعبوات ميشال سماحة

 

وأكد حينها على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المواقع والناشطين عليها بخلق رأي عام معترض على خطوة نقل السفارة ! 

 

هذا التناقض الواضح بين الموقفين، ( مرة يشيد بأهمية مواقع التواصل وأخرى يتمنى تحريمها )، هو في حقيقة الأمر إشكالية عميقة تتصل بمنهجية التفكير عند معظم رجال الدين التقليديين، وصولاً إلى أزمة إنتاج الفكر الحوزوي ومدى لحاقه بمقتضيات العصر .

 

فمن جهة لا تزال الحوزة الدينية ( سنية وشيعية ) أسيرة لآليات تفكير قد عفا عليها الزمن منذ قرون، وبنفس الوقت تقدم نفسها على أنها مصدر أساسي وأوحد لإجتراح الحلول وتسيير العقد الحياتية المعاصرة ! 

 

هذه الأزمة العميقة، ليست جديدة عند حملة العقل الديني والمتمترسين عند مصادر المعرفة القديمة ( النص والرواية )، فهي أزمة تطفو  على السطح مع كل وسيلة حضارية ينتجها الآخرون ( للأسف )، وتحاول الحوزة الدينية اللحاق بها فتقف أمامها مضطربة عاجزة مقصّرة عن فهمها إلى أن تفرض نفسها على واقعنا وتدخل حياتنا فيسلّم لها المؤمنون تسليماً بعد ذلك .

 

هذا حصل مع اختراع الراديو فحرّمه بعض  المراجع الجهلة في مراحله الأولى، ومع التلفزيون والسيارة والقطار والموسيقى، وإنما سُمّيت  حنفية المياه ب " الحنفية " نسبة إلى المذهب الحنفي الذي أحلّ استعمالها بعد أن حرّمته المذاهب الأخرى ( الحنابلة والشافعية والمالكية ) .

 

فمشكلة العقل الحوزوي، ليس أنه لم يُقدّم أي جديد ينفع حياة الناس منذ مئات السنين، بل أنه حجر عثرة أساسي في دخول المسلمين إلى عصر الحداثة وما بعد الحداثة، ويتطلع إلى المستقبل من خلال الرجوع إلى الخلف .

 

في الختام وبالعودة إلى " تحريم السيد " نقول له صحيح أن المجتمع اللبناني يضج بآلاف الأزمات وأن حالات الطلاق المتكاثرة هي واحدة منها، إلا أن الإنترنت ما هو إلا كاشف عن هذه المعاناة وليس بالضرورة سببها، وندعوك يا سماحة السيد ( كأمين عام حزب وليس كرجل دين ) للبحث عن حلول في مكان آخر غير الإنترنت وطبعاً ليس عند فيصل كرامي أيضاً.