حتى اليوم، يصعب الاقتناع بأنّ حلم الاستقلال الذي من أجله ضحّى آباء الاستقلال وشهداؤه قد تحقّق كما يشتهون. وهؤلاء يستصرخون اليوم وجداننا، من حيث هم: ماذا فعلتم بالاستقلال الذي تسلَّمتموه مِنّا؟
ربما لا نستطيع أن ننظر اليوم في عيون آباء الاستقلال، إذا عادوا وسألونا عنه، لأنّهم هم الذين صنعوه وبنوا الوطن بالعرق والدم، فيما بعضنا جعل الوطن بقرة حلوباً أو فندقاً.
ألا يستحقّ استقلالنا أن ندافع عنه في وجه الفساد الذي يفترس الدولة والمؤسسات والمرافق… والوطن والمواطن، بلا رحمة، ويُمْعن في تقاسم خيراته؟
ألا يستحقّ استقلالنا أن نتجاوز أنانياتنا الطائفية والمذهبية ومصالحنا الخاصة، وأن نكفّ عن جعل الدستور وجهة نظر والقانون حبراً على ورق؟
هل يُصان الاستقلال في بلدٍ يجوع فيه المواطن، وأولاده يحملون شهاداتهم ويغادرونه… لأنّ الأقوياء أخذوا أماكنهم، والأجانب صادروا الوظائف؟
وكيف يُصان الاستقلال في بلدٍ يغرق في نفاياته، وشريان مائه الأساسي تحوّل قناة للصرف الصحي، ومواطن تهدّده الملوثات بالهواء والماء والغذاء والدواء؟ وهل يُصان الاستقلال في وطن معابرُه مشرّعة؟
اللبنانيون يريدون اليوم أن يحتفلوا باستقلال بلدهم، كما يحتفل أي شعب آخر باستقلال بلده، لكن الذين يشعرون بالقلق والوجع يصعب عليهم الشعور بمظاهر الاحتفال.
في الأعوام الـ75 الفائتة، أكثَرَ اللبنانيون من الاستعراضات والأناشيد الحماسية تعبيراً عن عيد الاستقلال. واليوم، لم تعد الاستعراضات والأناشيد تكفي.
والأحرى أن يلتقي اللبنانيون إلى طاولة الحوار والعقل والمنطق، ليقرّروا كيف يستعيدون استقلالهم الحقيقي. فالعقل لا الأوهام، هو السبيل الحقيقي إلى الاستقلال.
لقد حان الوقت ليقول كلٌ منا: ماذا فعل حقاً من أجل الاستقلال؟ وكيف يَفهم هذا الاستقلال؟ وإلى أي حدّ يعيش هذا البلد استقلاله؟
ما مِن دولة في العالم استطاعت أن تتجاوز أزماتها وتتقدَّم وتُحلِّق شامخة بين الأمم إلّا على أسس العقل والواقع والمنطق. وعلى البعض أن يكتشف أنّه، وفيما يتغنّى بشعارات الاستقلال، يرتكب الأخطاء والخطايا بحق الوطن واستقلاله وسيادته؟
بعد 75 عاماً، تُرى لو عاد آباء الاستقلال ونظروا إلى ما حلّ بهذا الاستقلال على أيدي "الورثة"، ماذا سيقولون ويفعلون؟
قد تُصيب هؤلاء الخيبة عندما يجدون أنّ كثيراً من زعماء البلد يربطون قراراتهم هنا وهناك خارج الوطن، ومنها تأتيهم الإيحاءات والتعليمات؟
وقد تُصيبهم الخيبة عندما يجدون أنّ تأليف الحكومة قرار إقليمي- دولي، وأنّ تعيين وزير يتمّ أحياناً بضغط خارجي، وأنّ حقيبة وزارية يتمّ ملؤها أحياناً وفق أهواء خارجية، وأنّ موقعاً في إدارة الدولة يكون أحياناً مطلباً لجهة خارجية.
ولكن، أيضاً، سينظر هؤلاء إلى عيون أبناء الجيل، ويفكّرون في الأجيال التي لم تُولد بعد، فيستعيدون الأمل بالوطن والاستقلال.
في العيد الـ 75، يحتاج الاستقلال الحقيقي إلى الجمع بين حِكمة الآباء وتجاربهم وبراءة الشباب وتصميمهم. فلا تمنعوا زواج الحِكمة والبراءة!