ما لا يقبله التفكير العادي أن تكون العقوبات الأميركية المفروضة على إيران مفيدة للحكومة العراقية. ولكن هذه هي الحقيقة. فكما كان متوقعا فإن تلك الحكومة ستجد من يمد لها يد العون لتكريس وتطبيع تبعيتها الاقتصادية لإيران.
صارت تلك التبعية ضرورية لغير جهة دولية تسعى إلى أن لا تأخذ تلك العقوبات طريقها إلى التنفيذ العملي بشكل كامل. وما من ممر طبيعي لتجريب تلك المحاولة سوى العراق، بحكم أن الحكومة العراقية مرضي عنها أميركيا، إضافة إلى أنها على استعداد لتقديم كل شيء من أجل أن لا يمس ضرر إيران، حتى لو كان ذلك الـ”كل شيء” العراق نفسه.
لا توجد في العالم حكومة تضحّي بمصالح شعبها مثلما تفعل الحكومة العراقية. وهو ما يغري جهات عديدة في العالم بأن تجعل من العراق مجسها لاختبار موقف الولايات المتحدة في ما لو تورطت (تلك الجهات) بعلاقة مع إيران هي بمثابة خرق لنظام العقوبات.
وإذا ما كان البعض من العراقيين قد تخوف من أن يكون العراق ساحة نزاع محتملة بين إيران والولايات المتحدة، فإن أحدا لم يتوقع أن يتحول العراق إلى ملعب تجري فيه التسويات الأميركية مع أطراف عالمية عديدة من أجل إنقاذ إيران من الوقوع في هاوية العقوبات. وهو ما ساعدت عليه هيمنة الميليشيات الموالية لإيران على الأوضاع في العراق، الأمر الذي يجعل أي قرار تتخذه الحكومة العراقية رهينا بما تفرضه تلك الميليشيات عليها من إملاءات.
في البدء لم يخف الكثيرون خشيتهم من أن تتحول الحدود العراقية – الإيرانية إلى منافذ لتهريب العملة الصعبة، غير أن ما هو مطروح اليوم من اقتراحات بإمكانه أن يضفي على ذلك التهريب طابعا رسميا من خلال التشجيع الذي تتلقاه الحكومة العراقية من جهات عديدة في العالم، لكي تزيد من حجم استيرادها من إيران، مستغلة نظام الإعفاء المؤقت الذي قد يطول أجله، وهو أمر مرتبط بتقديرات الجهات المختصة في الولايات المتحدة.
ومن غير المستبعد أن تلجأ الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات لإفراغ السوق المحلية من البضائع الأساسية في محاولة منها لابتزاز صاحب القرار الأميركي من أجل السماح بفتح الحدود أمام الصادرات الإيرانية، وبالأخص ما يتعلق منها بالطاقة والغذاء والدواء. وهو ما سيؤدي تدريجيا إلى أن يتحول العراق إلى واحد من أهم المنافذ التي تمكن النظام الإيراني من الاتصال اقتصاديا بالعالم الخارجي.
غير أن ذلك كله لا يمنع المافيات الرسمية التابعة للأحزاب بالقيام بتصدير النفط الإيراني من خلال العراق، وهو ما يتطلب إنشاء شبكة معقدة من العلاقات، وهو ما لا يصعب القيام به على جماعات الفساد المتنفذة داخل الدولة العراقية والتي تراكمت لديها خبرة في مثل ذلك النوع من العلاقات بسبب تعاطيها في السوق العالمية الخفية بثروة، تُعدّ بالمليارات.
فـ”تهريب النفط العراقي” ظاهرة مسكوت عنها. فلمَ لا يتم مثلا تهريب النفط الإيراني عن طريق الموانئ العراقية؟ شيء من هذا القبيل يمكن توقع حدوثه، ولكن الأكثر انسجاما مع تطلعات الأحزاب الموالية لإيران أن يتم توريط الحكومة العراقية في القيام بتصدير النفط الإيراني. وهو ما لا أعتقد أن الحكومة العراقية ستكون قادرة على رفضه.
ولكن ما الذي ستربحه الحكومة العراقية من كل هذه الفوضى؟ حينها ستكون الأزمة الإيرانية محور اهتمام المؤسسات العراقية، وسيكون من حقها بسبب انشغالها بتلك الأزمة أن تركن جانبا كل ما يتعلق بالعراق.
ذلك كلام غير معقول يمكن تصديقه إذا ما تعلق الأمر بالعراق المحكوم من قبل أحزاب موالية لإيران، بل ليس لديها من تتعامل معه سوى إيران.
ذلك ما يعني أن الحكومة العراقية ستجد لها منفذا تتملص من خلاله من واجباتها الخدمية، التي هي في الأساس غير قادرة على القيام بها بسبب سياساتها الاقتصادية المرتبطة بنشاط مافيات الفساد. يومها سيكون العراق نافعا لإيران التي ستكون مفيدة لحكومته فقط.