أوضح مرقص، بصفته مراقباً لمجريات قانون العقوبات الاميركية بنسخته الثانية، والموجود حالياً في واشنطن، لـ«الجمهورية»، انّ المرحلة الراهنة في واشنطن هي مرحلة صَوغ النصوص التطبيقية للقانون الجديد الذي من المفترض أن يصدر في غضون 180 يوماً، أي في مهلة 6 أشهر.
ويتوقع ان توضح هذه النصوص بعض العبارات المطّاطة حسب القانون الجديد الصادر، منها على سبيل المثال كلمة knowingly، أي أن تكون المصارف على معرفة بالجهة التي تتعامل معها، وفي حال تبيّن انها تعاملت مع أشخاص يحظّر التعامل معهم، يتمّ إنزال العقوبات في حقها. ووفق تفسير القانون الاميركي القائم على strict liability أي المسؤولية الصارمة، هناك قرينة العلم المفترض وليس فقط العلم.
فعلى سبيل المثال، يفترض بالمصارف ان تعرف مع من تتعامل، اي انّ هذا الامر ليس خياراً. وفي الواقع، انّ المصارف اللبنانية تدرك هذا الامر، لذا هي تتقيّد بسياسة متشددة تقوم على مبدأ «اعرف عميلك» على نحو موسّع».
تابع مرقص: «هناك العديد من العبارات الخاضعة للتفسير حسب النصوص التطبيقية قيد الاعداد، مثل كلمة «significantly»، والمقصود بها حجم العملية ومدى تكرارها. واذا حصلت غير مرة مع أطراف محظور التعامل معهم، كيف سيأتي النظام التطبيقي الجديد كي يفسّر هذه العبارات؟».
أضاف: «كما ينصّ القانون الجديد على «انّ المسؤولية تترتّب في حالة المعرفة knowingly وحجم العمليات المالية المَشكو منها significantly، الأمر الذي يخفّف من مسؤولية المصارف التي يمكن ان تتذرّع بعدم معرفتها بارتباطات العميل صاحب الحساب، والذي اذا سبقتها وزارة الخزانة الى اكتشاف عملياته، تُدرجه على اللائحة السوداء OFAC، من دون أن يعني ذلك انه يمكن للمصارف ان تَغضّ الطرف عن الإجراءات الواجبة، لأنّ القانون الاميركي قائم من جهة ثانية على تحميل المسؤولية في حال كان بوسع المصرف ان يعرف ولم يفعل، وهذا ما يسمّى بقرينة العلم المفترضة reasons to know».
دور المصارف اللبنانية
ورداً على سؤال عن الدور الذي يمكن ان تؤديه المصارف اللبنانية؟ قال: «ليس المطلوب الكثير من المصارف اللبنانية، نظراً لأنها تقوم بجهود كبيرة في هذا السياق منذ سنوات طويلة، لا بل هي رائدة في المنطقة بفضل توجيهات مصرف لبنان وجمعية المصارف. لكن، لتكون هذه المصارف ممتثلة للقانون الجديد، ينتظر منها المزيد من الاجراءات. ومن المتوقع ان تنظر هذه المصارف في إمكانية بناء مقاربة جديدة للمخاطر.
يسود اليوم ما يُعرف بـ risk based approach (RBA)، وهي تقنية تقوم على تصنيف عملاء المصارف وفق ما اذا كانوا مُرتفعي المخاطر high risk أو متوسّطيها medium risk او في حدهم الأدنى أي low risk. هذه المقاربة التقليدية لم تعد تصلح في ظل القانون الجديد، ومن المنتظر ان تقوم هذه المصارف ببناء برنامج معلوماتي جديد يقوم على أسس جديدة في تصنيف العملاء كي يتم الامتثال بشكل دقيق لهذا القانون الجديد.
تابع: للمصارف اللبنانية اليوم مصلحة في استدراك نتائج هذا القانون وعواقبه، وتبعات إدراج أسماء تملك حسابات في هذه المصارف اللبنانية المحلية. لذلك، ربما يمكن ان تتجه هذه المصارف نحو بناء مقاربة جديدة مبنية على المخاطر تتجاوز المقاربة التقليدية.
وقال: بصرف النظر عن الموقف أكان مؤيّداً للقانون او رافضاً له، يجب استدراك عواقب هذا القانون على المصارف اللبنانية تحديداً لجهة حماية تعاملاتها مع المصارف الدولية المراسلة، كي لا يدفع هذا القانون المصارف المراسلة الدولية الى قطع التعامل مع الساحة المصرفية اللبنانية او تخفيف التعامل معها، وكي يبقى في مقدور المصارف اللبنانية تحويل أموال الى الخارج. ومن المعروف انّ التحويل يتم عبر المصارف التي فيها حسابات للمصارف اللبنانية او عبر شبكة SWIFT، وغالباً عبر الدولار الاميركي.
وأكد مرقص انّ المصارف الدولية المراسلة تأخذ هذا القانون على محمل الجد، بمعنى انها لا تطبّق بشأنه فقط التعاملات بالدولار الاميركي، إنما كل انواع العملات حول العالم.
تشدّد أميركي
وتوقّع مرقص أن نلاحظ تشدداً من قبل الادارة الاميركية الجديدة في تطبيق القانون الاميركي هذه المرة، مشيراً الى أنه في السابق، أي في عهد الرئيس الاميركي باراك اوباما، لم تزخّم الادارة الاميركية موضوع العقوبات، ولم تمتثل للمهل الموضوعة في القانون السابق، على عكس الادارة الحالية، بدليل اننا نرى اليوم زخماً أكبر، سواء في إقرار صيغة موحدة من قبل مجلس الشيوخ الاميركي منذ اسابيع قليلة في واشنطن، أو من خلال توقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب وبشكل سريع القانون الجديد كي يصبح نافذاً. وبالتالي، ينتظر ان تكون هناك فاعلية أكثر في التقارير الصادرة تطبيقاً لهذا القانون، وهذه التقارير مُلقاة على عاتق الادارة الاميركية.
وأوضح: انّ تشديدنا على «الزخم» المتوقع في التعامل مع الموضوع، لا يَنبع من رغبتنا في ذلك في مطلق الاحوال، إنما استدراكاً للعواقب المتأتية من ذلك على لبنان وعلى اقتصاده، خصوصاً اننا لم نلحظ ايّ متابعة حكومية سياسية لهذا الموضوع كان يجب ان تسبق صدور القانون. امّا اليوم، وبعدما صدر القانون، فإنّ فاعلية اي تحرك سياسي تكون وَطأته أقل، لأننا انتقلنا الى مرحلة صياغة الانظمة التطبيقية.
وبالتالي، يجب عدم فصل هذا القانون عن رزمة القوانين والعقوبات الصادرة، وأهمها العقوبات التي بدأ العمل بها من حوالى الاسبوع في مرحلتها الثانية على ايران، والتي تتناول النفط والغاز والسجاد العجمي والتعاملات المالية مع البنك المركزي الايراني...
وقال مرقص: يجب عدم التقليل من حجم عواقب هذا القانون، مشدداً على «أهمية متابعة هذا الموضوع لاستدراك عواقبه علينا، من دون المبالغة وخلق حالة ذعر».
الفارق بين القانونين
وعن الفارق بين القانونين القديم والجديد، شَدّد مرقص على 3 نقاط هي:
• يعدّل القانون الجديد المهل المُناطة بالادارة الاميركية لترجع فيها الى الكونغرس بنتائج تنفيذ هذا القانون، كي يكون هناك زخم في تنفيذه.
• القانون الجديد يخفّف الضغط على المصارف المركزية عموماً، ولاسيما مصرف لبنان.
• الأمر الثالث يتعلق باستثناءات على تأشيرات الدخول wavers، بحيث بات بإمكان الرئيس الاميركي أن يرجع الى الكونغرس بعد اعطائه استثناء على التأشيرات إيجاباً، فلا يعد يرجع بعدها الى الكونغرس الاميركي مسبقاً، إضافة الى تعديلات تقنية أخرى.