غلبت الإحتفالية عند المسلمين على المناسبات الدينية دون التفكر أو التدبُّر في المشروع النبوي من حيث هو دعوة مفتوحة على الله، لا مقفلة على الخلافة أو الإمامة، وما بينهما من طرقٍ أوجدتها الفرق الإسلامية والأحزاب الدينية، لكسب السلطة لا لتحصيل الجنة كما هو ذائع في نظريات أهل الملل والنحل...
ثمَّة مهمة صعبة للتماثل أو التماهي مع المناسبة من حيث هي تجربة لفردٍ أسَّس لأمَّةٍ من موقعٍ نبويٍّ هدف إلى إخراج الناس من ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الله في السماوات والأرض... وهذا ما كشف عن جوهر الرسالة المستوعبة للبشر بما هي وعاءٌ نبوي من كونها تعتمد على التي هي أحسن، وخفض الجناح، وبسط كفِّ الرحمة، للمساعدة على انتشال البائسين واليائسين لما هم فيه من ضياع، لينتج الإسلام المحمدي في أسلمة الجاهلية وإيصاله إلى مستويات إنسانية متقدمة جعلته الأرقى حضارياً في رحلةٍ من مراحل البشرية.. في حين أنَّ المذاهب المتولدة من بطن الفتن، قد قدَّمت نماذج مخالفة ومختلفة مع التجربة النبوية، وهذا ما نقل الأمة من أمَّةٍ معتدلةٍ إلى أمَّةٍ متطرفةٍ فيما بينها، وفيما بين الآخرين، وهذا ما كرَّس مفاهيم ضاغطة على المفاهيم القرآنية وعلى السيرة النبوية، وقد أسهم فقهاء المذاهب والأحزاب الإسلامية من لعب الدور الأكبر والمُطيح بأعمال النبوة...
لقد قام بعض المصلحين المسلمين بمقاومة الجهات التي كرَّست ما لم يكرِّسه النبي (ص)، وأصابوا منهم مقتلاً في العقل، ولكن هذه الجهات أصابت منهم مقتلاً في الجسم، كونهم اتخذوا السلطة والسلطان أدوات تُثقل كلَّ ثائرٍ وحرٍّ اتصل مع الرسالة المحمدية من مفهومها وتجربتها النبوية، لا من حيث وصلت إليه الأمور الخلافية بين المسلمين...
بتقديري أنَّ الإحتفاء بالنبي الأكرم محمد (ص) هو بدءٌ جديدٌ لدعوةٍ تتطلَّب عقلاء لا فقهاء كي نعيد ما خسرناه من إسلامٍ توحيديٍّ منقذٍ للبشرية بمديد العون والمساعدة، لا ببسط السيف لقطع الرقاب بعد تكفير الناس وجعلهم ضالِّين ومضلِّين وإن كانوا مصلِّين،ولكن على غير قبلةٍ مذهبيةٍ أو طائفيةٍ أو سياسيةٍ من تلك المنتشرة في أوساط الإسلامَين ـ السياسي ـ والمذهبي ..