في ظل الإجراءات الأميركية المتحدة على اكثر من صعيد لمراقبة طريقة تطبيق الرزمة الجديدة من العقوبات الأميركية على ايران واذرعتها في المنطقة والعالم والتي دخلت مراحلها التنفيذية منذ 5 تشرين الثاني الجاري، يرقد القانون الخاص بالعقوبات على «حزب الله» في دوائر البيت الأبيض انتظاراً للحظة التي يحتاج فيها الرئيس الأميركي الى تطبيق هذا القانون على المستوى الذي يريده ومن الباب الذي يتطابق والمرحلة التي يمكن المباشرة فيها.
فهو الى جانب الإجراءات التي تقضي بتضييق الحصار على الحزب سياسياً وديبلوماسياً ليس على المستوى اللبناني فحسب بل على المستوى الإقليمي أيضاً، هناك قرارات أخرى تشكّل امتداداً لطريقة تجفيف مصادر تمويله الداخلية منها والخارجية إضافة الى منعه ومعه اصدقاءه والحلفاء من استخدام النظام المصرفي العالمي أو التحايل على القوانين الدولية التي تمنع تبادل المحرّمات وتبييض الأموال أو نقلها وتبادلها بين لبنان وإيران وأيّ دولة في العالم.
وقبل الدخول في مزيد من التفاصيل يتحدث تقرير ديبلوماسي ورد حديثاً من واشنطن عن النظرة الأميركية الى حجم «حزب الله» ودوره.
وهي قراءة واقعية ودقيقة وضعت الحزب قيادةً وكوادر في موقع اقليمي تخطى حدود لبنان الجغرافية. فهو، وبعلم الجميع ومن بينهم الأميركيون، أنه كان حاضراً منذ اكثر من سبع سنوات ولو بنحو متدرّج على الساحات السورية والعراقية واليمنية وفي البحرين. فالحزب لعب على الساحة السورية دوراً مزدوجاً لجهة دخول وحداته طرفاً في كثيرٍ من الحروب المتنقلة على أكثر من محور، إضافة الى دوره الى جانب قادة الحرس الثوري الإيراني وخبرائه في تدريب وتجهيز الوحدات العسكرية التي شكّلها النظام لتكون وحدات دعم استُخدمت بدلاً من وحدات الجيش السوري النظامي التي تفكّكت أو جمّدت مهماتها أو حوصرت في اكثر من منطقة سورية، وخصوصاً في ريف دمشق الغربي لجهة الحدود اللبنانية - السورية وصولاً الى القلمون الشمالي وريف حمص وفي وسط سوريا وحيثما دعت الحاجة وصولاً الى الجنوب والصحراء السوريّين.
والى الساحة السورية، دخل «حزب الله» طرفاً قوياً في الحرب العراقية التي أنتجها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في حزيران من 2014 واجتاحت محافظتي الموصل وديالا، وهدّدت العاصمة بغداد من جهة وكركوك من جهة أخرى بالإضافة الى الشمال العراقي قبل أن تجتاح الحدود العراقية - السورية وتسيطر على ما يزيد عن 670 كيلومتراً منها وصولاً الى سهل الفرات والشمال السوري، وهدّدت في مرحلة من المراحل الساحل السوري أيضاً ومدينتي حلب وحماه وأريافهما.
على هذه الخلفيات، فُهم القرار الأميركي الأخير الذي اصدر سلسلة من العقوبات على بعض الشخصيات العراقية واللبنانية ومن بينها نجل الأمين العام لـ«حزب الله» جواد حسن نصرالله. فقد تحدث القرار بالتفصيل عن دوره في العراق متجاهِلاً أيَّ دور له على الساحتين اللبنانية او السورية. وقد يكون هذا القرار قد ترجم بمعنى من المعاني مدى فهم الإدارة الأميركية للدور الذي لعبه جواد في تعزيز «الحشد الشعبي» العراقي واقامة مجموعات شيعية أخرى رديفة، بالإضافة الى الدور الذي لعبه كونه كان ممثلاً شخصياً لوالده السيد حسن نصرالله في المبادرات والمصالحات التي رعاها على الساحة العراقية الشيعية والتي جعلت من الضاحية الجنوبية لبيروت مساحة تلاق للتفاهمات التي نسجها بين عدد من الأقطاب والأفرقاء العراقيين بمعزل عن الحرب الدائرة في سوريا.
يلفت التقرير الى أنّ هذا الجانب من القرارات الأميركية التي استهدفت دور «حزب الله» في العراق يترجم الاعتراف الأميركي بالنظرة الواسعة لديه تجاه دوره في المنطقة من دون إغفال الجانب اللبناني منه.
فالإدارة الأميركية وقبل اندلاع الأزمة السورية لم تكن تنظر بعين القلق الى دور «حزب الله» في لبنان طالما أنه لا يمتلك سوى الأسلحة التقليدية التي لا تتسبّب بالتهديد المباشر لمصالحها الحيوية ولا تستطيع الفصل في ما بينها وتلك التي تعني المصالح الإسرائيلية أيضاً.
لكن ما بعد حرب سوريا هو غير ما قبلها - يضيف التقرير - ليقول إنّ الإدارة الأميركية لا يمكنها تجاهل التطور الذي حققه «الحزب» بعد هذه الحرب.
فإعلان قيادة «حزب الله» المتسرّع عن امتلاكها الأسلحة «الذكية» وتلك «غير التقليدية» التي تهدّد التوازن العسكري في المنطقة، لا يمكن أن لا يراه الأميركيون إلّا تهديداً مباشراً لمصالحهم وأمن اسرائيل من ضمنها. وهو ما عجّل في اتّخاذ القرارات الخاصة بالعقوبات على الحزب، عداعن تلك التي تطاوله من ضمن السلّة المفروضة على إيران وأذرعها في المنطقة والعالم.
ويتحدث التقرير في جانب منه عن حجم الصلاحيات التي باتت في يد الرئيس ترامب شخصياً. فهو يمكنه أن يفرض عقوبات على الحزب في لبنان وفي أيّ منطقة في العالم حيث يُثبت تورّطه، وهو أمر ترصده الإدارة الأميركية في اكثر من دولة افريقية وعربية، وصولاً الى اميركا اللاتينية. وما توقيف بعض مسانديه في المغرب كما حصل مع رجل اعمال من آل تاج الدين خير سوى دليل على توسيع شبكة المراقبة الأميركية التي تخضع لها فروع الحزب الخارجية في أيِّ بقعة من العالم.
على هذه الأسس قال القانون الجديد إنّ في امكان ترامب أن يحدّد الشخصية التي يريد فرض العقوبات عليها شرط إثبات تورّطها بالأدلّة والبراهين الدامغة ليتّخذ أيّ قرار في شأنها وهو ما تترقبه الساحة اللبنانية في فترة انتظار قد تقصر أو تطول ليترجم شيء من القرار الخاص بالعقوبات على الحزب.
هذا إذا لم تواكبها عمليات عسكرية إسرائيلية تمهّد لها تل أبيب منذ اعتلاء رئيس حكومتها منبر الأمم المتحدة في ايلول الماضي، بالتهديدات والسيناريوهات التي تتحدث عن مصانع للصواريخ الإيرانية في لبنان ومراكز تجميعها في اكثر من بقعة لبنانية وفي مناطق مختلفة قد يكون من الصعب تصديقُ بعضها. إلّا أنّ العارفين بمضمون التقارير الأميركية والإسرائيلية لا يغفلون منطقةً من لبنان قد يطاولها الاعتداء الإسرائيلي بالتزامن مع العقوبات الأميركية عليه ومعه بعض اللبنانيين من بيئته اللصيقة على أكثر من مستوى أمنياً ومالياً وحزبياً وسياسياً، وربما حكومياً.