يحتفل لبنان الرسمي بالذكرى السنوية للاستقلال واستنفرت الدولة أجهزتها ومؤسساتها الرسمية للتحضير للإحتفالات حيث سيطلّ الرؤساء الثلاثة بالمشهد الرسمي البروتوكولي على اللبنانيين بوجوه ملؤها الثقة والأمل بلبنان الوطن الحر السيد المستقل، في صورة مفترضة، أو ربما هي صورة من الذاكرة حيث كان لهذه الصورة منذ عقود دلالاتها ورمزيتها.
أما هذا العام ربما تكون الصورة باهتة جدا، وربما أيضا مزعجة جدا لكثير من اللبنانيين الذين يحلمون بلبنان الدولة بلبنان الوطن بلبنان الشعب بلبنان المؤسسات.
ستكون الصورة مزعجة لكل مواطن حر يبحث عن هويته في بلد ضاعت فيه الهوية الوطنية تحت سيطرة الزعامة والطائفية والحزبية المقيتة.
إقرأ أيضًا: جمهورية العتمة والشعب النائم
وستكون الصورة مزعجة أكثر لأولئك اللبنانيين الذين يقتلون يوميا في دولة المحاصصة والمحسوبيات، في دولة الفساد ونهب المؤسسات، في دولة السرقة والتردي الإقتصادي والإجتماعي والصحي والمعيشي.
الصورة القادمة يوم الخميس للرؤساء الثلاثة يوم الاستقلال هي صورة على شاكلة الخداع السياسي، هي الصورة التي تحمي الفساد من الأعلى إلى الأدنى، هي الصورة التي تمعن في الإنهيار، في المزيد من الإنهيار على كل المستويات، الصورة وبمن فيها هي التي تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور في وطن الفوضى والتسيب، في وطن تحوّل كل شيء فيه إلى فساد واستبداد، في وطن تحول كل شيء فيه إلى فضيحة دون أن يرفّ لهؤلاء الرؤساء جفن، والمآسي والفضائح التي شاهدها اللبنانيون خلال الاسبوع الماضي من طوفان الصرف الصحي في العاصمة بيروت، وما قبلها من صور النفايات التي كانت وما زالت تتصدر مشاهد الإنحدار البيئي والإنهيار الأخلاقي كلها وغيرها كثير هي مشاهد لا تعبر سوى عن استقلالهم من مسؤولياتهم من أخلاقياتهم من كل ما أُمّنوا عليه.
إن اللبنانيين الذين هالهم ما حصل ويحصل على مستويات الفوضى السياسية والفساد المالي والاداري يعرفون جيدا أن هذا الإستقلال بات مشوّها، بات بحاجة إلى رجال أكفّاء يحمون البلد من الإنهيار رجال لا تلهيهم تجاراتهم ولا صفقاتهم ولا حواشيهم ولا أزلامهم ولا ارتهاناتهم الخارجية، رجالٌ تحت القانون والمؤسسات يقودون البلد إلى الاستقلال الحقيقي الإستقلال عن الذات والأنا والمحسوبيات.
إقرأ أيضًا: الرئيس القوي والدولة الضعيفة
إن اللبنانيين اليوم مدعوون بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم وألوانهم إلى أن يحتفلوا بالاستقلال بحرية حقيقية خارج الزعامات والاحزاب خارج التيارات والإنتماءات، لأن هذا الوطن بحاجة إلى أبنائه، جميع أبنائه لأنهم مسؤولون عن هويتهم ووطنهم ومستقبلهم، ولا وطن ولا مستقبل ولا هوية مع هذه الزعامات والأحزاب التي لم تقدم للبنان سوى المزيد من الإنهيار والفوضى، وكذلك فلا مستقبل ولا وطن ولا هوية في ظل الطائفية البغيضة التي ما زالت اكثر عوامل الإبتزاز لدى زعمائنا وسياسيينا، وما زالت سلاحهم الفتاك في تدمير البلد وانهياره وفساده.
لقد آن لهم أن يفهموا أن المواطن اللبناني لم يعد يريد أن يكون ألعوبة في أيديهم ولم يعد يريد أن يكون حطباً في مشاريعهم.
هذا هو الاستقلال الحقيقي، الاستقلال في الفكر والموقف، الإستقلال بالحفاظ على الهوية بالانتماء الوطني بالحفاظ على لبنان ونحن على حافة الإنهيار.