حتى مساعي تأليف الحكومة، ترتاح، أو تأخذ إجازة، فيوم الأحد في 18 ت2 2018، وقبل 43 يوماً من تاريخ جلاء الجيوش الأجنبية عن لبنان في 31 ك1 1946، لم يجد الوزير جبران باسيل، الذي ينسب إليه ان مهمته لمعالجة عقدة تمثيل 6 نواب من سنة 8 آذار ما تزال في أوّلها، لم يجد عملاً أجدى من الذهاب إلى نهر الكلب، والإعلان من امام لوحة الجلاء هناك، انه يطلب «من نواب كسروان أخذ الاذن اللازم لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان»، مما دفع النائب جميل السيّد إلى معاجلته بتغريدة، طالبته بكشف هويته: فلا مشكلة إذا كان يتحدث كرئيس لتيار سياسي، ومشكلة إذا كان يتحدث كوزير للخارجية، يلتزم بالطائف، الذي «لم يعتبر الوجود السوري احتلالاً»، فليعدل الطائف ثم يضع اللوحة..
تأتي هذه التطورات على مسافة أربعة أيام فقط من الاحتفال باستقلال لبنان الـ75، الخميس المقبل، وبعد وقفة باسيل المثيرة للجدل امام لوحة الجلاء في نهر الكلب، وتكرار وزير المال دق ناقوس الخطر من الوضع المالي، وقبل اجتماع الوزير المفوض من رئيس الجمهورية لقاء النواب السنة الستة اليوم في المجلس النيابي، لاقناعهم بتفويض رئيس الجمهورية أي تفويضه بإيجاد حل لعقدة تمثيلهم في حكومة الرئيس سعد الحريري العتيدة..
محطة الاستقلال
سياسياً، لم تظهر بعد أي صيغة حل لعقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار، لا سيما في المساعي التي يبذلها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في ظل انكفاء كل المساعي الأخرى، وتأكيد الرئيس الحريري ان «الحل في موضوع تأليف الحكومة ليس عنده، بل لدى الآخرين»، وأن مراسيم الحكومة تنتظر ان يسلم حزب الله أسماء وزرائه.
ولم تستبعد مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان يشكل حفل الاستقبال الذي يقام الخميس المقبل في ذكرى الاستقلال في قصر بعبدا مناسبة للرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري للتداول بالملف الحكومي والعقدة التي تؤخر تشكيل الحكومة. ولفتت المصادر الى ان ما من توقعات مسبقة في ما خص مداولات الرؤساء يوم الخميس المقبل معلنة ان التوافق على الإسراع في تأليف الحكومة هو عنوان يركز عليه الرؤساء، اما تحرك الوزير باسيل وفق المصادر نفسها فهو متواصل دون ان يحدد مهلة لانهاء مهمته، وقالت المصادر نفسها ان اي بداية حل لعقدة تمثيل السنة المستقلين في الحكومة لم يتظهر حتى ان المشهد الحكومي بحد دانه يراوح مكانه بانتظار اي جديد قد يبرز.
وقال مصدر مطلع لـ«اللواء» أن مهمة باسل هي مهمة بين «بيت الوسط» منزل الرئيس الحريري وحارة حريك مقر قيادة حزب الله.
وبينما أكّد باسيل أمس، بأن مساعيه ما تزال في أوّل الطريق، وانه لم يبدأ بعد الكلام الجدي، وسيتابع، تلاقت مصادر النواب السنة المستقلين الذين تتوقف عقدة تشكيل الحكومة عندهم، ومصادر قيادية في قيادة «التيار الحر» عند نقطة ان باسيل لا يحمل مقترحات محددة بل يستمع إلى بعض الأفكار ويطرح أفكاراً، وهو يُركّز على فكرة ان يكون الحل وفق قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، لا سيما في ما خص عدم اضعاف الرئيس المكلف وبما يؤمن استمرار تفاهمه مع رئيس الجمهورية، إضافة إلى محاولة إرضاء النواب الستة، ومن خلالهم «حزب الله».
وفي اعتقاد مصادر سياسية مطلعة، ان باسيل الذي ما زال يصطدم بسقوف عالية متبادلة بين الرئيس الحريري والنواب السنة المستقلين وبينهما «حزب الله»، يراهن رغم ذلك، على حل من ضمن ثلاثة حلول مقترحة، سقط بعضها فور طرحه، حيث ذكرت بعض المعلومات انه سمع اقتراحاً من من الرئيس نبيه بري بأن يكون الوزير السني المفترض انه من حصة رئيس الجمهورية من النواب السنة المستقلين او شخصية من المقربين منهم، كما سمع اقتراحا بأن يكون عضو كتلة الرئيس بري النائب قاسم هاشم هو الوزير السني على ان يأخذ الرئيس ميشال عون او التيار الحر وزيرا شيعيا، لكن هذا الاقتراح سقط فورا، وثمة من طرح العودة عن تبادل الوزير السني من حصة عون بالوزير الماروني من حصة الحريري بحيث يصبح لعون وزيران مارونيان وللحريري خمسة وزراء سنة والسادس مستقل، لكن هذا الاقتراح سقط ايضا، وبقي الاقتراح الاول (سني من حصة عون) هوالاكثر ترجيحا برغم اعتراض رئيس الجمهورية وباسيل والنواب المستقلين عليه حتى الآن.
لقاء محتمل اليوم
ومع ذلك بقي الوزير باسيل يسعى وستكون اخر محاولاته بلقاء مباشر مع النواب السنة المستقلين يفترض ان يتم مبدئيا اليوم في المجلس النيابي، بعداتصال اجراه مساء امس الاول مع عضو اللقاء النائب عبد الرحيم مراد واتفقا على الاجتماع، لكن النائب مراد أكّد لمحطة N.B.N الناطقة بلسان حركة «أمل» ان اللقاء مع باسيل لم يحسم اليوم الاثنين. فيما أكدت مصادرهم انهم لم يتلقوا لا من باسيل ولا من سواه أي اقتراح حل حتى الآن، وأنه «طالما ان أحداً لا يشاورهم فهم على موقفهم».
وبحسب مصادر «التيار» فإن التفاوض لم يبدأ عملياً بعد، ولا يتوقع الانخراط فيه قبل حسم أو الاتفاق على ثلاثة أمور وهي: تمثيل السنة المستقلين من خارج تيّار المستقبل، ومن حصة من سيكون الوزير المقترح من حصة الرئيس عون أو حصة الرئيس الحريري، وثالثاً وأخيراً الاتفاق على اسم الشخصية التي سيتم توزيرها، من داخل النواب السنة الستة أم من خارجهم.
وقالت هذه المصادر ان الأمور ستبقى تراوح على حالها، إلى ان يتم حسم النقاط الثلاث.
لوحة لجلاء السوريين
وكان باسيل، شارك أمس، في المسيرة التي نظمها «التيار الحر» لمناسبة عيد الاستقلال، طافت الطرق الداخلية للمنطقة الواقعة بين بلدتي قرنة الحمرا وزكريت وصولاً إلى نهر الكلب، حيث يجتمع قضاءا كسروان والمتن.
وعند لوحة الجلاء في نهر الكلب، تجمع المشاركون في المسيرة، وألقى فيهم باسيل كلمة شدّد فيها على انه «لا يربط تشكيل الحكومة بأي مسار خارجي لا هنا ولا هناك، ولا بأي انتظار أو رهان خارجي، وقال: «الرهان فقط هو على الاستقلال وان شاء الله نلتقي كلبنانيين على لبنان ونشكل حكومة الوحدة الوطنية».
واللافت في كلمة باسيل قوله انه سيطلب من نواب كسروان أخذ الاذن اللازم لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان، إلى جانب لوحة الجلاء، مشيراً إلى اننا «هكذا ننسجم مع تاريخنا لأننا ناضلنا حيث كان النضال واجباً، وصالحنا عندما حان وقت المصالحة».
ورد النائب جميل السيّد على طلب باسيل بتغريدتين على «تويتر»، جاء في الأولى انه «ليس لديه تعليق إذا كان كلامه كرئيس للتيار، لكن إذا كان كوزير خارجية يلتزم باتفاق الطائف، فعليه تعديل الطائف الذي لا يعتبر الوجود السوري احتلالاً، ثم يضع بعد ذلك اللوحة التي يريدها»، لكن السيّد استدرك في التغريدة الثانية، معتبراً «ان اللوحة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني هي عن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وهزيمة الإرهاب في 2017 من الجيش اللبناني والمقاومة».
مواقف
إلى ذلك، حفلت نهاية الأسبوع بسلسلة مواقف حذّرت من مخاطر تعطيل تشكيل الحكومة، فقال البطريرك الماروني بشارة الراعي في مطار بيروت، قبيل مغادرته إلى روما، ان «البلد لم يعد باستطاعته تحمل هذا الشكل من التسويف في موضوع تشكيل الحكومة»، متمنياً النجاح لمهمة الوزير باسيل ممثلاً من رئيس الجمهورية خلال لقاءاته مع المسؤولين، عسى ان نصل إلى عيد الاستقلال وعندنا حكومة.
وأمل وزير المال علي حسن خليل «ان تكون ولادة الحكومة قريبة»، مؤكداً ان «المخاطر على الصعيدين الاقتصادي والمالي جدية، وهو أمر يدعونا إلى التنبه».
أما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فقد شدّد، خلال كلمة له عبر «سكايب» لمؤتمر حزبي في مقاطعة أميركا الشمالية، على ان مسألة تمثيل سنة 8 آذار مفتعلة، وانه يمكن تبيان ذلك بمجرد مراجعة شريط الاستشارات النيابية، فقد تمّ استجماعهم في الأشهر القليلة الماضية كورقة لاستعمالها في الوقت المناسب.
ولفت إلى أن إيران في وضع دفاعي عن مستوى المنطقة للمرة الأولى منذ 40 عاماً، واصفاً المواجهة بين الإيرانيين والاميركيين «بالجدية»، وانها تأخذ حدودها القصوى والجميع يرى كيف تتدرج من مرحلة إلى اخرى، معرباً عن اعتقاده بأن الإيرانيين قرروا استجماع ما يمكنهم من أوراق على مستوى الشرق الأوسط من أجل مواجهة الضغط الأميركي، ولذا فالتصعيد الذي رأيناه في غزة وثم عرقلة للحكومة العراقية بعد تأليفها، وما نشهده اليوم من تعطيل لتأليف الحكومة يأتي في هذا السياق وليس أي سياق آخر».
على صعيد حزب الله، رأى السيّد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله انه «اذا كان البعض صادقاً كما يدعي في ان الحكومة حاجة وضرورة، فليسارع إلى تلبية مطالب محقة طلبها هؤلاء النواب المستقلون بدل ان يضعيوا الأوقات، لأن تضييع الوقت لن يصل إلى أية نتيجة..
فضيحة الرملة البيضاء
في هذه الاثناء، بقيت ردود الفعل على «فضيحة» فضيان مياه المجارير في الرملة البيضاء تتوالى، بعد ان حمّل محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، مسؤولية الفيضانات إلى مشروع «ايدن باي» وبلدية الغبيري ومجلس الإنماء والاعمار و3 مطاعم، فيما علمت «اللواء» ان نواب بيروت تداعوا إلى اجتماع سيعقد قبل ظهر اليوم في المجلس النيابي، للتقدم بدعوى قضائية، في ضوء تكليف النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود، رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية اجراء التحقيق الفوري بشأن اقدام أشخاص على سد المجارير في أماكن متعددة من العاصمة.
وكشفت النائب رولا الطبش جارودي، ومعها رئيس لجنة الاشغال النيابية نزيه نجم، ان نواب العاصمة سيتقدمون متحدثين بشكوى اليوم ضد كل من يظهره التحقيق متورطاً بفضيحة الرملة البيضاء، وان نواب بيروت سيتابعون الموضوع حتى النهاية، باعتباره مدخلاً إلى مكافحة الفساد.
لكن الخلاف، مثلما علمت «اللواء» سيكون خلال التداول في اجتماع النواب اليوم، حول هل تكون الدعوى ضد معلوم، كما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقده محافظ العاصمة، أم تكون ضد مجهول على ان يترك للقضاء تحديد أسماء كل المتورطين ومحاسبتهم؟
ذلك، انه حتى ولو فتحت المجارير وعادت المياه الآسنة إلى مجاريها في جوف العاصمة، فإن كارثة ما حصل يوم الجمعة الأسود يجب ان تظل تحت الضوء، إلى ان تخرج العدالة المعتدين من اوكارهم ومجاريرهم ومواقعهم إلى السجون، إذا كنا نريد ان نبني دولة، فالمسألة ليست صعبة، بل يلزمها قرار، والقرار بيد ممثلي الشعب.
ورأت أوساط بيروتية ان «المصيبة» وقعت ويمكن ان تتكرر نتيجة غياب الرقابة، فكيف استطاع مشروع إيدن باي إنهاء مشروعه وطمر خط المجرور دون الحصول على ترخيص؟ وأين كانت أجهزة بلدية بيروت؟ وأليس قبل أسابيع حصل نفس الطوفان؟ ولماذا جرى الحديث عن استحداث خط تصريف جديد؟ وهل هو بديل عن الخط الذي اقفله المعتدون؟ ولماذا خلال السنوات الماضية لم نشهد طوفاناً مماثلاً؟ وكيف تجرأت بلدية الغبيري على التعدّي على خط شبكة محطة التكرير؟
وطالبت الاوساط البيروتية المعنيين عدم التذاكي وتقاذف المسؤوليات، مشددة ضرورة محاسبة المسؤولين مهما علا شأنهم لكي لا تتكرر الحوادث المماثلة في عاصمة الوطن.
لكن الخوف كل الخوف، من ان يصار إلى «تطييف» المجارير، فيصبح مجرور بيروت في مقابل مجرور الغبيري، وعند التطييف يصبح انتصار مجرور على مجرور مستحيلاً لئلا يهتز السلم الأهلي، بحسب تعبير مقدمة شاشة L.B.C.I التي لاحظت ان رئيس بلدية بيروت رفع المسؤولية عن نفسه، فيما المحافظ يحمل بلدية الغبيري المسؤولية، وترد البلدية إليه المسؤولية وإلى بلدية بيروت، وهناك من يوجه السهام إلى مجلس الإنماء والاعمار، وختمت متسائلة: «أليس فوق رؤوس هؤلاء مسؤولين من وزراء ورؤساء؟»