تكاد «الشتوة» الجديدة الجمعة في 14 ت2، المنتظرة، والتي هلّل لها اللبنانيون، مع موسم الجفاف الذي يضرب بعض البلدان المتوسطية ومن بينها لبنان، ان تتحوّل إلى نكبة يوم أمس..
فضحت الأمطار اقنعة السلطة.. لكن لم تتمكن من جرفها!..
والمفارقة ان المطر مؤشر الخير والحياة والرحمة، اطاحت بكل ما له من ميزات أرادها الله نعمة لعباده، سلطة متهالكة تزرع الخيبة والاحباط، لدى المواطنين، في يوم هطلت به بعض الأمطار، لوقت لا يتجاوز الساعة أو أكثر، وعشية الاستعدادات، عبر التدريبات لاحتفال قيادة الجيش اللبناني بعيد الاستقلال الـ75.. حيث قضت الإجراءات بالتسبب بزحمة سير، اعتذرت عنها القيادة، وعدلت منها، مع العلم ان المسألة، لا تتعلق، لا بكمية الأمطار، ولا بسائر الإجراءات، أو الاستعدادات، بقدر ما تتعلق بغياب الرؤية الوطنية، بأبعاد الاستراتيجية والمستقبلية، للتعامل مع احتمالات الطقس، أو زيارة موفد دولي، أو تحرك شخصيات لبنانية رفيعة، أو الاستعدادات لاحتفالات، أو حتى إصلاح مجرور، أو تركيب إمدادات..
البلد مع زخات المطر قبيل الظهر، ضاقت بأهلها، طوفان في الشوارع، سيّارات محتجزة ضجت مواقع التواصل: امرأة تطلق، ولا يمكن نقلها إلى المستشفى، أو حتى الاستعانة باسعاف تابعة للصليب الأحمر، سائقو سيّارات ومواطنون محتجزون في داخل سياراتهم، يتقاتلون بالسلاح الأبيض.. تضارب (بالأيدي والسكاكين)، لأن النّاس ملّت السلاح، وملت كل شيء، حتى الدولة، التي وصفتها إحدى شاشات التلفزة (L.B.C.I) بأنها «دولة عراضات واستعراضات وتفشيخ، لأنها لا تحاسب ولا تراقب، ولا تعاقب ولا تواكب.. بل تعتذر..
الأسباب المعلنة: تدريبات، لم تأخذ بعين الاعتبار التوقيت المناسب، أو انقلاب شاحنة قفزت فوق جسر انطلياس اقفل طريق الدورة أو انسداد مجرور في الرملة البيضاء فغص اوتوستراد الرملة البيضاء بالمياه التي لم تصرّف بالمجارير، واكتفى محافظ بيروت زياد شبيب بفتح تحقيق، تتولاه دائرة المراقبة في مصلحة الهندسة في بلدية بيروت بإجراء تحقيق فني وهندسي في أسباب فيضان مياه المجاري في الرملة البيضاء ورأس بيروت والاشرفية وسائر احياء بيروت، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات المناسبة، بعد تحديد المسؤوليات.
وما حدث هال وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد في حكومة تصريف الأعمال نقولا تويني، من فوضى تسببت بها الأمطار في بيروت، وتقدم بإخبار للنيابة العامة على خلفية اخبار من النائب جميل السيّد لناحية تسبب مشروع «إيدن باي» بأي من هذه الأضرار، وما أشار إليه رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني من اقدام أحدهم على اقفال مجرى مياه للصرف الصحي والسيول.. على ان يضع نقيب المهندسين جاد تابت تقريراً اولياً ضمن الأصول القانونية، لاحالته إلى الجهات القضائية المعنية..
إعلام السلطة، الموزّع عبر محطات تلفزيون تابعة، فوجئ أيضاً، وامعن في وصف الكارثة.. في وقت تحسر المسؤولون وراحوا يقذفون التهم، في المجالس وخارجها على بعضهم البعض..
وبانتظار معرفة على مَنْ تقع المسؤولية: على المطر؟ أم على وزارة الاشغال، أم على مصادفة الشتاء مع تدريبات الاستقلال، أم على متعهدي المشاريع السياحية والعمرانية المتنامية في ظل أزمة اقتصادية ومالية خطيرة.. حذّر من عواقبها مسؤولون في البنك الدولي، لجهة تحريك موارد مؤتمر سيدر إلى بلدان أخرى. إذ قال ساروج كومارجها المدير الإقليمي للبنك الدولي ان «لبنان لم يعد لديه متسع من الوقت للحصول على التمويل، بالنظر إلى الدول الكثيرة الأخرى التي تحتاج إلى استثمارات».
سقوط الاقتراحات
سياسياً، سقطت كل الاقتراحات دفعة واحدة، فلا حوار ولا لقاء بين الرئيس المكلف ولقاء النواب السنة الستة، ولا تقدُّم في أي اقتراح، والمشكلة ليست عند الرئيس المكلف وليست عند النواب النسة، أو أي تكتل ولا حتى لدى حزب الله.
وما خلا العشاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط في أحد مطاعم وسط بيروت، واجتماع «اللقاء التشاوري» لنواب سنة 8 آذار، والذي تحول إلى اسبوعي، فإن أي حراك على خط إخراج الأزمة الحكومية من عن زجاجة تمثيل النواب السنة، لم يسجل أمس، بما فيها حركة وزير الخارجية جبران باسيل، الذي دأب في الأيام الأخيرة، على ان يكون «لولب» الحركة السياسية، المدعومة من قصر بعبدا، بقصد امتصاص التوتر الذي ساد الساحة السياسية، منذ انكشاف موضوع العقدة المفتعلة، قبل نحو أسبوعين.
وفي تقدير مصادر سياسية ان غياب الحركة السياسية لإنقاذ الحكومة من براثن التعطيل، يعني ان جسور المشاورات سدت تماماً في الآونة الأخيرة، على رغم المواقف الدافعة نحو إبقاء أبواب الحلول مفتوحة، عبر احياء قنوات التفاوض حول هذا الاستحقاق الذي يخشى ان يكون قد حوصر بخطة محكمة يراد لها ان تعمم الفراغ، وتبقى ضمناً حكموة تصريف الأعمال لدوافع تخدم من وضع العراقيل، وترتبط حكماً بالتطورات الإقليمية.
ومن ضمن المواقف الدافعة «لاختراع» الآمال، بحسب ما كان يقول الرئيس سليم الحص، كان الموقف الذي أعلنه الرئيس الحريري، حيث اعرب عن ايمانه شقدرة لبنان على الخروج من الجمود السياسي الذي يعيشه»، لافتاً إلى ان «البلد تمكن من الخروج من أزمات اصعب بكثير في السابق»، مكرراً دعوة الجميع إلى «العمل سوية وتحمل مسؤولياتهم»، مؤكداً ان «يداً واحدة لا تصفق».
وقال الحريري خلال حفل عشاء أقامه نائب رئيس غرفة تجارة بيروت، غابي تامر، على شرفه في دارته في سن الفيل، ان مؤتمر «سيدر» كان ناجحاً بالفعل من أجل لبنان، وقد تمكنا من تصيل تمويل كبير لمشاريع البنى التحتية، ميزته انه تمويل طويل الأمد بفوائد مخفضة جداً، وهذا يسمح لنا بأن نجدد كل البنى التحتية لدينا ونؤمن التمويل لكل ما نحتاجه من مشاريع».
وفيما تداول الحريري وجنبلاط خلال العشاء في موضوع تشكيل الحكومة، من دون ان يتسرب شيء عن طبيعة هذه المداولات ولا الافكر التي جرى طرحها، توقف المتابعون عند تغريدة جنبلاط الصباحية، التي سأل فيها: «أين العقدة الوزارية.. البحث مستمر»، في وقت زار فيه عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، مؤكداً ان «ليس من رسائل معينة نقلها إلى جعجع، وإنما تبادل للمعطيات والافكار»، مشدداً على ان «هناك مساعي جدية تسير في هذا الاتجاه وهذا أمر صحي، الا ان المطلوب من كل القوى تسهيل مهمة الرئيس المكلف»، مبدياً اعتقاده ان «الامور ستتقدم باعتبار اننا محكومون بتشكيل حكومة جديدة للخروج سريعاً من هذه الدوامة القاتلة».
لا حكومة قبل عيد الاستقلال
وأوضحت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة لـ«اللواء» ان فرضية ولادة الحكومة قبل حلول الذكرى الـ75 للاستقلال مستبعدة لكن ذلك لا يعني ان ما من حكومة حتى مطلع العام الجديد. واشارت الى ان ما ينقل من كلام عن ان الوزير السني المستقل سيكون من ضمن حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليس مطروحا مكررة التأكيد ان تحرك الوزير جبران باسيل الذي يستكمله يهدف الى خلق اجواء مؤاتية لولادة حكومة تحكم وليس حكومة يتناخر اعضاؤها بين بعضهم البعض. وقالت ان القصة لا تتعلق بمرسوم تصدر بموجبه الحكومة انما ارساء اسس متينة لتفاهم حول حكومة متجانسة وقادرة على الانتاج، واشارت الى انه من المهم ان يقتنع الافرقاء بالتعاون والتجاوب لضمان صمود الحكومة خصوصا اذا كان الوزراء سيشاركون فيها في ظل الاجواء الضاغطة.
وكشفت المصادر عن تواصل دائم يسجل بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، واوضحت ان المشكلة لم تعد محصورة في تعيين وزير سني في هذه الحصة او تلك بقدر ما ان الموضوع هو في اقتناع الاطراف السياسية بضرورة وضع اطار للعمل الحكومي المستقبلي يقوم على التجانس والتعاون بين الوزراء.
واشارت الى ان مروحة الاتصالات والمشاورات مع القيادات والمراجع العليا مستمرة.
ولاحظت ان المواقف التي اعلنها كل من الرئيس المكلف، والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لا تظهر انهما في صدد التراجع عن مواقفهما المعروفة،وان القرار يبقى بيد النواب السنة،لانه بمجرد ان يعلنوا بالقبول باي حل ما،فان حزب الله يقدم اسماء وزرائه للرئيس المكلف.
اللقاء التشاوري
في هذا الوقت، اكد اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين بعد اجتماعه امس، في منزل النائب الوليد سكرية تمسكهم بتوزير أحدهم في الحكومة ومن الحصة السنية، وذكرت مصادر اللقاء لـ«اللواء» ان المجتمعين ركزوا في الاجتماع على تحرك رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل باتجاه القيادات السياسية والروحية، ولاحظوا انه حتى الان لم يتم الاتصال بهم لوضعهم في صورة المبادرة التي يعمل عليها باسيل والمقترحات التي يحملها، ومنها مقترح من الرئيس نبيه بري، واكدوا ان شيئا من هذه المقترحات لم يصلهم ليبنوا على الشيء مقتضاه.
وقالت المصادر ان النواب الستة اجمعوا على ان لا شيء لديهم ليقدموه او ليتنازلوا عنه اسوة ببقية القوى السياسية التي لديها اكثر من وزير واكثر من حقيبة بينما هم يطلبون وزيرا واحدا وحقيبة واحدة وربما كانت حقيبة دولة.
وتساءلت المصادر لماذا اصرار البعض على الثنائيات والثلاثيات داخل الطوائف والقوى السياسية ومنحها الحق في التمثيل ولا يحق للنواب السنة من خارج «تيار المستقبل» التمثيل لأنهم مؤيدون لخط المقاومة؟ وهل ممنوع ان يكون بين الطائفة السنية من يؤيد المقاومة؟
وبالنسبة للقاء الذي جمع الوزير باسيل مع عضو اللقاء النائب الدكتور عدنان طرابلسي قبل يومين، اوضحت المصادر انه كان لموضوع اخر لا علاقة له بموضوع الحكومة مباشرة، بل على الارجح متعلق بتأخير البت بالطعون النيابية، خاصة ان مرشح «الاحباش» في طرابلس الشيخ طه ناجي والذي قدم طعنا بنتيجة انتخابات طرابلس كان مع طرابلسي في لقاء باسيل.
وتحدثت بعض المصادر عن وجود ثلاثة مقترحات لحل موضوع تمثيل السنة المستقلين بينها اقتراح بالعودة عن تبادل مقعدين وزاريين سني ومسيحي بين الرئيسين سعد الحريري وميشال عون، ليصبح ممكنا توزير احد السنة المستقلين من الكوتا السنية لا من حصة اي طرف سياسي اخر.
وقالت مصادرالمتابعين للاتصالات انه طالما لم يجرِ البحث مع المعنيين مباشرة بالازمة وهم النواب المستقلين وطالما ان احدا لم يتصل بهم ولم يقترح عليهم شيئا، فالعقدة ستراوح مكانها بما يعني عدم تشكيل الحكومة قريبا، لكن المصادر اكدت ان الوزير باسيل سيلتقي بهم بين ساعة وساعة.
وشوهد أربعة من النواب الستة، يتناولون المرطبات في أحد مطاعم مجمع «أ.ب.ث» فردان، قبل ان ينضم إليهم لاحقاً النائب سكرية، فيما غاب الطرابلسي عن هذه «الجمعة» التي نشطت في خلالها الاتصالات الهاتفية الجانبية التي كان يجريها أو يتلقاها النائب فيصل كرامي.
سجال بين «حزب الله» و«المستقبل»
اما «حزب الله» فقد أكّد بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأنه «قدم كل التسهيلات لتشكيل الحكومة»، نافياً عن نفسه تهمة التعطيل، وقال ان القرار بيد رئيس الوزراء المكلف، لأن المشكلة منه والحل معه. هو الذي يستطيع ان يحسم بأن ينسجم مع القاعدة التي وضعها بأن يمثل كل فريق بحسب نجاحه في الانتخابات النيابية، فيمثل المستقلين السنة في اللقاء التشاوري بوزير واحد وتنحل المشكلة، ليس لدينا ما نقدمه أكثر من ذلك، وبالتالي إذا أردنا أن يكتمل عقد الحكومة لتكون حكومة وحدة وطنية فإن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري هو الذي يستطيع أن يحسم الأمر، فإذا حسمه بعد يوم تتشكل الحكومة وإذا حسمه بعد أسبوع تتشكل الحكومة، هذا أمر يعنيه وهو يتحمل المسؤولية الكاملة في هذا البلد».
وسارع الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري للرد على الشيخ قاسم الذي حمّل الحريري مسؤولية تأخير تأليف الحكومة، مشيراً في بيان الي ان كلام قاسم يخالف الحقيقة والواقع، فكما بات معلوماً للجميع بعد 6 أشهر من جهود الرئيس الحريري الحكومة جاهزة منذ أسبوعين ولا ينقصها الا اسماء وزراء «حزب الله» الثلاثة، فإن قدم اسماء وزرائه الثلاثة اليوم تتشكل اليوم، وان بعد أسبوع تتشكل بعد أسبوع، وهو يتحمل المسؤولية الكاملة في الانتظار».
وختم بالقول :»المشكلة عند «حزب الله»، والحل عند الرئيس المكلف وفقاً لصلاحياته والقواعد الدستورية».