تهدئة الخطاب، وتبريد المشهد سمة المواقف، في الوقت الذي يواصل فيه الوزير جبران باسيل تحركه، حيث حط أمس في بكركي، وعقد خلوة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، تناولت المصالحة التي تمت أمس الأوّل برعاية الراعي بين تيّار المردة برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، بالإضافة إلى التحرّك الهادف إلى معالجة إحدى اصعب العقد، المتعلقة بتمثيل سنة 8 آذار في الحكومة العتيدة، من حصة الرئيس المكلف سعد الحريري..
وبرز على جبهة العلاقة بين الوزيرالمفوض باسيل ونائبي الشمال فيصل كرامي وجهاد الصمد من سنة 8 آذار، إذ لاحظت مصادر عونية ان النائبين يصعدان مع التيار الوطني الحر ويدعمان خطوة حليفهما فرنجية، تحول ملفت بين سقف عالٍ مناوئ لجعجع والتعامل معه، بطريقة وجدانية بعد مصالحة بكركي.
وكشفت المصادر ان باسيل سعى من خلال لقائه النائب محمّد الصفدي، إلى سحب زوجته فيوليت المرشحة من حصة الرئيس الحريري، فضلاً عن إقناع الرئيس ميقاتي سحب مرشحه السني الثاني من حصة الرئيس المكلف.
ومهما قيل عن استبعاد العقد الخارجية، وتأثيراتها على مساعي معالجة العقد، التي استجدت قبل ساعات من إصدار مراسيم الحكومة عشية انتهاء السنة الثانية لانتخاب الرئيس عون، وبعضها يتعلق باعتراض على دور روسي في معالجة الأزمة، على خلفية ما حدث من ثنائيات ورباعيات في سوريا، باستبعاد الدور الإيراني.
ووفقاً لمصدر دبلوماسي غربي، فإن الحل الذي يقضي بتسمية مرشّح سني بالإجماع، يكون مقبولاً من الرئيس المكلف، ويصبح المقعد خارج حصة الرئيس عون مقابل تسمية الحريري وزيراً مسيحياً.
واستبعد المصدر ان يستجيب الرئيس المكلف لرغبة حزب الله، أو ارادته، مشيراً إلى ان الحزب، يعتقد ان الحكومة المقبلة، سيكون لها انعكاسات إقليمية، بالتزامن مع إجراءات وعقوبات أميركية ضد إيران..
واعتبر المصدر ان إثارة الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي الأخير إلى ان حزب الله يعطل الحكومة مسألة أكبر من الإصرار على توزير نائب سني من اللقاء التشاوري.
لا جديد حكومياً
في هذا الوقت، بقيت الاتصالات الهادفة إلى تذليل عقدة تأليف الحكومة، خجولة نسبياً، لم تخرقها سوى حركة الوزير باسيل، من دون ان تكون لها نتائج ملموسة حتى الساعة.
وكشفت مصادر نيابية في عين التينة، أن الرئيس نبيه برّي أعطى الوزير باسيل، عندما التقاه في ساحة النجمة قبل أيام، طرحاً صالحاً لأن يكون مخرجاً لعقدة تأليف الحكومة، من دون ان يكشف عن مضمونه.
وقال الرئيس برّي امام زواره انه ينتظر ان يعمل باسيل على هذا المخرج، علماً انه لم يسجل أي جديد، على صعيد عين التينة، بالنسبة لتأليف الحكومة.
ولم يلمس زوّار «بيت الوسط» أي شيء ملموس بما يتصل بمعالجة قضية نواب سنة 8 آذار، لكنهم لاحظوا ان حالة من «القرف» تحوط بالرئيس المكلف، ونقلوا عنه قوله امامهم بأنه «لم يعد لوحده أم الصبي، في إشارة إلى ضرورة تضافر كل الجهود معه لإزالة الألغام من امام تشكيل الحكومة»، مضيفاً بأنه عمل ما لديه من أجل تأليف الحكومة وانجز التشكيلة على الشكل الذي كان يفترض ان تعلن مراسيمها قبل أسبوعين، بعد ان قدم كل التنازلات المطلوبة منه، لكنه تساءل: «هل أنا لوحدي من يجب ان يضحي من أجل لبنان، فيما غيري لا يقوم بأي خطوات جدية؟».
وبطبيعة الحال، خرج زوّار «بيت الوسط» بانطباع مفاده ان أبواب الحلول مقفلة، وان الخرق الوحيد الذي يسجل على صعيد الاتصالات بين أطراف النزاع الحالي، أي الرئيس المكلف من جهة و«حزب الله» ونواب سنة 8 آذار من جهة ثانية، هو المسعى الذي يقوم به الوزير باسيل، على الرغم من ان معالمه لم تتوضح بشكل كامل بعد، بسبب عدم الكشف عن تفاصيله أو التكتم عليه، مع التأكيد على ان هناك طروحات عدّة قيد التداول للوصول إلى قواسم مشتركة تسهل عملية التأليف.
وفي هذا السياق، رأت مصادر سياسية مطلعة على الملف الحكومة لـ«اللواء» انه لا يجوز الاستمرار في المراوحة الحالية بانتظار المزيد من المجهول، وان تحرك باسيل يصب في العمل على تدوير الزوايا، لأن الوضع كما أصبح معلوماً يزداد صعوبة ودقة، في ظل الانزعاج الكبير وعدم الارتياح الذي يبديه ويعبر عنه الرئيس ميشال عون والرئيس الحريري، خصوصاً بعد ان أصبحت الأمور مغلقة، بعد المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي اراد من خلالها مشاركة الرئيس المكلف في تأليف الحكومة خلافاً للدستور الذي اعطاه الصلاحيات الكاملة للتشكيل بالتشاور مع رئيس الجمهورية، خصوصاً وأنه يستحوذ على دعم طائفته روحياً وسياسياً وشعبياً.
ودعت هذه المصادر الجميع إلى التنازل والترفع والتفكير في المصلحة الوطنية أولاً وأخيراً لأنها هي الأساس، معربة عن اسفها لموقف النواب السنة الستة، الذين يحاربون، كما أصبح واضحاً بسلاح غيرهم، وتحديداً بسلاح «حزب الله»، رغم اعتراف الجميع بأنهم يمثلون شريحة من اللبنانيين انتخبتهم.
وإذ شددت على ان الأولوية يجب ان تكون لتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وانه لا يجوز إضاعة الوقت أكثر من ذلك، أعلنت رفضها الاستمرار في اعتماد سياسة «عض الاصابع»، لمعرفة أي فريق سيتألم قبل الآخر، لأنه في الانتظار سيكون الوطن أصبح كلّه أكثر تألماً، ومعه المواطنين دون استثناء، والذين تزداد معاناتهم يوماً بعد يوم، في ضوء الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي يزداد صعوبة».
تحرك باسيل
في غضون ذلك، واصل الوزير باسيل مسعاه لحل عقدة تمثيل سنة 8 آذار، على الرغم من انه لم يحرز حتى الساعة تقدماً ملموساً، وهو زار عصراً البطريرك الماروني بشارة الراعي برفقة أمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان، غداة زيارته دار الفتوى أمس الأوّل.
وأوضح باسيل، بعد اللقاء بأن الموعد مع البطريرك الراعي كان متفقاً عليه سابقاً، إنما شاءت الظروف ان يتم اللقاء بعد المصالحة التي حصلت في بكركي، وهنأته على هذه المصالحة، مجدداً التهنئة لطرفي المصالحة تيّار «المردة» و«القوات اللبنانية»، وكل المسيحيين واللبنانيين، مشدداً على ان بكركي هي المكان الصالح للمصالحات الوطنية بين اللبنانيين، ودورها التاريخي في مد الجسور وحل الخلافات.
وتمنى باسيل على الجميع ان «نتساعد لنجد الحلول المنطلقة من عدالة التمثيل ومن مبادئ عامة تحفظ هذه الحكومة وتؤدي إلى الإسراع في تشكيلها ولفعالية عملها، وان لا يكون في هذه الحكومة الا التفاهم»، مشدداً على اننا «لا نستطيع الدخول إليها بمنطق الغالب والمغلوب».
وعن إمكانية إعلان تشكيل الحكومة قريباً، اكتفى باسيل بالقول: «صلوا معنا».
وفيما كشفت معلومات ان باسيل يناقش من خلال مشاوراته بندين هما: كيفية الوصول إلى حل لعقدة تمثيل سنة 8 آذار، وخلق جو من التضامن السياسي بجعل الحكومة المقبلة منتجة، وانه قد يلتقي النواب السنة الستة المستقلين لمناقشتهم بالحلول من أجل إيجاد حل لعقدة تمثيلهم في الحكومة، قالت مصادر قيادية في «التيار الوطني الحر» لـ«اللواء» ان باسيل لا يملك مقترحات محددة لمعالجة العقدة الحكومية، وانه يستمع إلى الرأي والرأي الآخر، تمهيداً لجوجلة الأفكار، مؤكدة المعلومات عن انه سيلتقي لاحقاً النواب السنة الستة، خاصة بعد لقائه النائب عدنان طرابلسي في مركز التيار في ميرنا الشالوحي.
وأوضحت ان جو باسيل تفاؤلي، خاصة وان لا مصلحة لأي طرف في ان تتأخر عملية تأليف الحكومة.
كرامي
أما عضو «اللقاء التشاوري» للنواب السنة، النائب فيصل كرامي، فلم يمانع من لقاء الوزير باسيل، لكنه خالف الرئيس الحريري في قوله بأنه «أب السنة» في لبنان، واصفاً أيضاً قوله بأنهم «أحصنة طروادة» بأنه خطأ، ودعا إلى ان ينظر إلى احصنة طروادة داخل فريقه الخاص الذي لم يسانده يوم وقعت الأزمة معه قبل عام.
واوضح كرامي، في مقابلة مع برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم على شاشة M.T.V ان كل ما نطلبه هو توزير أحد النواب السنة الستة، مؤكداً «أننا مع رئيس الحكومة القوي ومع رئيس الجمهورية القوي ولم نقم بما قام به الآخرون أي مشاركة الحريري في تشكيل الحكومة كرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط​ ورئيس حزب «القوات اللبنانية» ​سمير جعجع​ الذين اشترطوا الحقائب وأسماء الوزراء وتعدوا على صلاحيات الحريري».
واكد «انني لم استقو بأحد ولكن الأمين العام لـ«حزب الله» ​السيد حسن نصرالله​ وقف معنا في مطلبنا وهذا فخر لنا وليس هو فقط من وقف جانبنا بل رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ ورئيس تيار «المردة ​سليمان فرنجية​».
واعتبرأن «تأليف الحكومة على أساس مذهبي أوّل ضرب لاتفاق الطائف​ وما يُطبّق اليوم هو ​اتفاق الدوحة​ وليس اتفاق الطائف»، مشيراً إلى أن «3 من اصل النواب الستة ، خاضوا ​الانتخابات النيابية​ سوياً وعلاقتنا مع النائب ​عبد الرحيم مراد​ تعود لسنوات الى الماضي».
وسأل: «لماذا تيار «المستقبل» يريد احتكار التمثيل السني في الحكومة؟»، معتبراً أن «كل ما يجري البحث فيه اليوم هو موضوع الشكل وليس المضمون»، مؤكداً «اننا لا نريد كسر الحريري بل نريده ان يخرج رابحاً ولا تدخلات خارجية في الحكومة»، لافتاً إلى «اننا نريد ان ناكل عنب ولا نريد قتل الناطور، فليأت الحل من عند الحريري».
وكشف كرامي عن جانب من المداولات التي جرت بين النواب الستة والرئيس عون، ونقل عن رئيس الجمهورية قوله للنواب: «ان موقف الحريري من موضوع تمثيلهم في الحكومة غير حكيم»، لكنه استدرك قائلاً: «المجالس بالأمانات»، لافتاً إلى انه قال للرئيس عون ان الطعن امام المجلس الدستوري قد يعطينا الحاج طه ناجي في الانتخابات وقد يسقط النائب ديما جمالي إذا أتت نتيجة الطعن لصالحنا، مضيفاً بأن الرئيس عون ردّ بأنه «لن يسمح بأي تدخلات في اعمال المجلس الدستوري».
مصالحة فرنجية - جعجع
وعلى صعيد المصالحة التي رعتها بكركي أمس الأوّل بين فرنجية وجعجع، فقد تواصلت أصداء الترحيب والتهنئة بشجاعة اللذين قاما بها، ونقل زوّار قصر بعبدا عن الرئيس عون ارتياحه للمصالحة، معتبراً ان «أي توافق بين الأطراف اللبنانيين لا سيما الذين تواجهوا خلال الأحداث الدامية التي عصفت بلبنان، يُعزّز الوحدة الوطنية ويحقق المنعة للساحة اللبنانية، ويغلب لغة الحوار السياسي على ما عداها ويقوي سلطة الدولة الجامعة».
وأجرى الرئيس برّي اتصالات بكل من الراعي وفرنجية وجعجع مهنئاً بالمصالحة، فيما تلقى الراعي سلسلة اتصالات تهنئة من الرئيسين: نجيب ميقاتي، تمام سلام، نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي والسفير المصري نزيه النجاري.
ورحبت الرابطة المارونية بالمصالحة،  واعتبرت «ان هذه الخطوة الكبيرة وضعت نهاية لمرحلة مؤسفة، نأمل أن تمحى من الذاكرة الجماعية المارونية وأن تكون منطلقا لصوغ رؤية جديدة وواعدة تكون اللبنة الاساس لمرجعية مسيحية شاملة تحت سقف مشترك من الثوابت الوطنية التي تعزز الدور المسيحي في لبنان».