تباينت التعليقات على المواقف التي أطلقها الرئيس سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة في رده أوّل من أمس على خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله العالي النبرة والسقف، فمنهم من اعتبر ان الرئيس الحريري ترك الباب مفتوحاً للوصول إلى تسوية مقبولة في شأن أزمة توزير أحد النواب السنّة الستة المعارضين له في حكومة الوحدة الوطنية المزعوم تأليفها من دون ان يُحدّد الأسباب التي استند إليها للوصول إلى مثل هذه النتيجة الإيجابية التي تنهي ستة أشهر من الأخذ والرد، وشد الحبال بين الأفرقاء حول توزيع الحصص أحياناً وحول المعايير التي يجب اعتمادها أحياناً ثانية، وحول تقاسم الحقائب السيادية والخدماتية أحياناً ثالثة.
ومنهم من رأى ان ما أعلنه الرئيس المكلف يقطع الطريق على أية تسوية يفكر بها أي فريق من الأفرقاء والسياسيين، ويضع بالتالي أزمة الحكومة مرشحة للاستمرار مُـدّة طويلة، ذلك لان الحريري وان جاء رده هادئاً ومتزناً لكنه كان حاسماً وجازماً لجهة رفض توزير أحد النواب السنّة الستة طبعاً لما طالب به حزب الله، مهما طال أمد الأزمة الحكومية التي يتحمل الحزب مسؤولية تداعياتها السلبية على الاوضاع العامة في البلاد، لا سيما الاقتصادية منها التي تترنح وفق آخر تقرير لصندوق النقد الدولي، ووفق ما تراه كل الدول الحريصة على هذا البلد من فرنسا وروسيا، وحتى الولايات المتحدة الأميركية.
والوقائع كلها تدل على ان الرئيس المكلف كان حاسماً في رده على حزب الله، بحيث قطع الطريق على أية إمكانية للوصول إلى تسوية ترضي الحزب الذي لا يزال يربط مسألة الإفراج عن الحكومة بتوزير أحد النواب السنّة المعارضين لتيار «المستقبل» ولرئيسه.
وفي هذا الأمر، لم يترك الرئيس الحريري نافذة واحدة، أو بريق ضوء واحد للقبول بالبحث في أية تسوية مع حزب الله منسجم مع ما يطالب به، وإنما العكس هو الصحيح، وهذا معناه ان لا اعتذار عن التأليف كما اشيع قبل المؤتمر الصحفي الذي عقده، ولا تراجع عن رفضه الاستجابة لمطالب حزب الله توزير أحد النواب السنّة، أو من يقبلون به خارج الاصطفاف الذي اصطنعه حزب الله بعد ان حلت كل العقد الأخرى التي أدّت إلى التأخير بضعة أشهر في ولادة حكومة الوحدة الوطنية التي يراهن رئيس الجمهورية عليها لتكون حكومته الاولى التي من خلالها يستطيع ان يحكم ويحقق طموحات عهده في عملية الإصلاح التي بنى عليها عقيدة التيار الوطني الحر قبل ان يستقيل من رئاسته، وان من شأن ذلك ان يسقط التعليق الثاني الذي يقول بأن الرئيس المكلف ترك الباب مفتوحاً امام تسوية محتملة يتولاها رئيس التيار الوطني الحر في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل والتي تقوم وفق ما سرّب عنها من معلومات حتى الساعة على قاعدة إرضاء حزب الله ولو بوزير من خارج النواب السنّة الستة يكون مقبولاً منهم، على ان يختاره رئيس الجمهورية من بين عدّة أسماء يعرضونها عليه.
وثمة فريق يراهن على ان يأتي الحل في حال رفض هذا الاقتراح من حصة رئيس الجمهورية، الأمر الذي يستبعده «التيار الوطني الحر» بشكل قاطع وحاسم لأنه في حال تنازل رئيس الجمهورية عن الوزير السنّي الذي هو من حصته، يكون قد تخلى عن الثلث الضامن في الحكومة العتيدة، وفقد بالتالي الأمل في ان تكون الحكومة العتيدة التي ستولد حكومة عهده الأولى.
وبناء على هذه كله يتضح ان الأمور تسير في اتجاه مزيد من التأخير، بدلاً من ان تسير في اتجاه الحلحلة وصولاً إلى ولادة الحكومة العتيدة، وهناك رهان من داخل الأوساط السياسية على ان يأتي قريباً ردّ حاسم من حزب الله على المواقف التي اطلقها الرئيس الحريري يُعيد عقارب التأليف الحكومي إلى نقطة الصفر، الا إذا أعاد الحزب النظر في حساباته مراعاة للتفاهم الاستراتيجي بينه وبين رئيس الجمهورية، وعندها يصح القول بأن الحكومة ستبصر النور في وقت قريب وربما قبل حلول عيد الاستقلال. ومن يعش يرَ.