«هندسة التقارب» على الطريقة اللبنانية هي سمة التحرّك المكوكي لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الذي حط في دار الفتوى أمس، بعد كليمنصو، حيث أوفد النائب السابق وليد جنبلاط مساعده النائب وائل أبو فاعور إلى بيت الوسط للقاء الرئيس سعد الحريري الذي وصف المصالحة بين رئيس «المردة» سليمان فرنجية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «باليوم الابيض».
بالتزامن كان الرئيس نبيه برّي، وفقاً لنواب «لقاء الأربعاء» يلاحظ في كلام كل من السيّد حسن نصر الله والرئيس المكلف سعد الحريري باباً ترك مفتوحاً للحل.
طروحات الحل!
تتقاطع الاقتراحات المتداولة للتسوية، بتمثيل سني مدعوم من «حزب الله» ويمثل النواب السنة الستة، عند مبادرة مقبولة من الرئيس ميشال عون، تنتظر استكمال الاتصالات التي يجريها باسيل، فيلتقي اليوم النائب السابق محمّد الصفدي والنائب عدنان طرابلسي، ورفع حصيلة عن الاتصالات والاقتراحات، تقضي بأن يتمثل سني كان مخصصاً للتبادل بمسيحي من حصة رئيس الجمهورية، بحيث يمكن للرئيس عون، بموافقة الرئيس الحريري، طبعاً إسناده لفريق 8 آذار، اما عن طريق الرئيس بري أو طريق حزب الله.
الا ان مصادر مطلعة على سير المفاوضات قالت لـ«اللواء» «اننا ما زلنا نعيش في صميم الازمة»، وان لا بلورة لأية اقتراحات عملية.
ورفض رئيس الحكومة السابق تمام سلام وضع شروط امام الرئيس المكلف أو فرض أسماء وحقائب عليه..
وأكّد في حديث لمحطة «العربية» التلفزيونية ان مَن يُشكّل الحكومة هو الرئيس المكلف، ثم يذهب إلى رئيس الجمهورية، ويحصل على موافقته الذي دوره مساندة الرئيس المكلف.
مصالحة تاريخية وجدانية
واستأثرت المصالحة التي وصفت بالتاريخية، بين فرنجية وجعجع، والتي جرت وقائعها عصر أمس في بكركي، برعاية البطريرك الراعي، وفي حضور عدد كبير من نواب ومسؤولي الطرفين، فضلاً عن مطارنة، كانوا بمثابة «شهود» على هذه المصالحة التي طوت آخر صفحات الحروب المسيحية، والتي كانت أثارها ومفاعيلها قائمة تحت الرماد بين زغرتا وبشري منذ قرابة 40 عاماً، استحوذت على معظم الاهتمام والمتابعة السياسيين، بما في ذلك التحركات الجارية لمعالجة عقد تشكيل الحكومة، وحتى على مسعى الوزير باسيل والذي كانت محطته الرئيسية أمس، زيارة لدار الفتوى، وستستتبع بزيارة بكركي لاحقاً.
ومع ان مصالحة فرنجية - جعجع احيطت بإهتمام سياسي لافت، عبر عن نفسه بالترحيب الجامع من قبل معظم الأطراف والتيارات والأحزاب السياسية، إلا ان مسؤولي الطرفين المعنيين، أي «المردة» و«القوات» حرصوا على تأكيد «وجدانية المصالحة»، وعدم وجود تفاهم أو حلف سياسي لاحق لها، ولا ترتب أي التزامات سياسية مرحلية قريبة، على ان يترك بحث الجانب السياسي للعلاقة المستقبلية بينهما لمسار الأيام والشهور المقبلة، كما حرصوا على تأكيد عدم ربط هذه المصالحة بأي استحقاق سياسي أو انتخابي، ولا بموضوع تشكيل الحكومة.
وثيقة بكركي
وعكست «وثيقة بكركي» التي تلاها المطران جوزف نفاع، والتي صدرت بعد خلوة جمعت البطريرك الراعي وفرنجية وجعجع، الابعاد التي اعطاها الطرفان، أي «تيار المردة» وحزب «القوات» للمصالحة، حيث اعلنا عن «ارادتهما المشتركة في طي صفحة الماضي الأليم والتوجه إلى أفق جديد في العلاقات على المستوى الإنساني والإجتماعي والسياسي والوطني، مع تأكيد على ضرورة حلّ الخلافات بالحوار الهادف والعمل معاً على تكريس هذه العناوين عبر بنود هذه الوثيقة».
  وتابع: «ما ينشده الطرفان من هذه الوثيقة ينبع من قلق على المصير وهي بعيدة عن البازارات السياسية ولا تسعى إلى إحداث أي تبديل في مشهد التحالفات السياسية القائمة في لبنان والشمال، وهذه الوثيقة لم تأتِ من فراغ، والتلاقي بين المسيحيين والإبتعاد عن منطق الإلغاء يشكلان عامل قوة للبنان والتنوع والعيش المشترك فيه وزمن العداوات بين «القوات» و»المردة» قد ولى وجاء زمن التفاهم».
واضاف: «ينطلق اللقاء من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وثوابته السياسية ولا تحمل التزامات محددة بل هي قرار لتخطي مرحلة أليمة ووضع أسس حوار مستمرّ. وإحترام حرية العمل السياسي والحزبي في القرى والبلدات والمناطق ذات العمق الأكثري لكلا الطرفين والتنسيق في ما يتعلق بالنشاطات والخطوات التي قد تؤدي إلى أي سوء تفاهم بينهما».
ووصف جعجع المصالحة، قبل مغادرته بكركي بأنها «يوم أبيض  ويوم تاريخي»، مضيفاً: «اما السياسة فنخليها لبعدين ونقطة على السطر».
بدوره علّق فرنجية على اللقاء، قائلاً: «فتحنا صفحة جديدة واللقاء وجداني وليس على حساب أحد، كانت جلسة وجدانية وودية برعاية سيدنا البطريرك وتكلمنا بالحاضر والماضي».
 وعن تأثير المصالحة على الانتخابات الرئاسية قال: «بعد اربع سنين الله بيعرف شو بيصير».
 وقال عضو قيادة «المردة» الوزير السابق روني عريجي الذي شارك في اللقاء لـ «اللواء» عن طبيعة ومترتبات هذه المصالحة: «لقد انهيناخلافا دمويا طال امده وكان لا بد ان نطوي صفحته، وليس بالضرورة ان تكون لهذه المصالحة مترتبات سياسية لاحقا، فنحن لدينا خطنا وللقوات خطها الذي نختلف فيه معهم، لكن هذا لا يمنع ان يحصل تنسيق بيننا حول امورخدماتية وانمائية وداخل الحكومة لمعالجة القضايا الملحة للمنطقة واهلها».
وعن الخطوات اللاحقة للمصالحة؟ قال عريجي: «سنترك هذا للايام، لكن حتى الان هذه المصالحة لم تأتِ ضمن خطة سياسية ممرحلة، المهم انها اقفلت صفحة سوداء وفتحت صفحة من التعاطي السياسي الديموقراطي بين طرفين مختلفين».  
مراحل المصالحة
وجاءت المصالحة بعد شهور طويلة من اللقاءات والاتصالات بين الجانبين، بقصد إنهاء تاريخ أسود بين الطرفين وجمهورهما استمر 40 سنة وخمسة أشهر، أي منذ «مجزرة إهدن» التي ارتكبتها «القوات» بتاريخ 13 حزيران من العام 1978، والتي ذهب ضحيتها النائب طوني فرنجية مع عائلته و28 شخصاً آخرين، فيما نجا «الشاب» سليمان فرنجية الذي كان في ذلك الحين في الثالثة عشر من عمره، لأنه كان مع جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية في الكفور.
وساعدت التطورات السياسية التي سبقت وتلت الشغور في رئاسة الجمهورية، ومن ثم انتخاب الرئيس ميشال عون، في تسريع وتيرة التقارب التي بدأت بين الطرفين في العام 2011، ثم تسارعت بعدما تبين للقوات ان حساب تفاهم معراب لم يأت على «بيدر» ما كانت تتوقع، إذ اخذ «التيار الوطني الحر» من الاتفاق ما يريد ولم يعطها أي مقابل.
ومن شأن المصالحة ان تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات ترخي بآثارها الايجابية على الشارع المسيحي لا سيما في الشمال، يفترض ان تتبلور معالمها بلقاءات لاحقة بين مسؤولي الطرفين لا سيما للتنسيق على الارض في اي امر قد يسبب احتكاكا او التباسا او مشكلة محلية موضعية.وهوامر كان قد باشره الطرفان منذ اشهر.
وهذا ما اكّده النائب طوني فرنجية في حديث تلفزيوني حيث قال:انّ «لقاءنا مع جعجع صادق وهذه الخطوة اساسية لنطوي صفحة الماضي والمصالحة لها اهميّة كبيرة لدى الشارع المسيحي». فيما قالت النائب ستريدا جعجع: «مبروك للشمال المسيحي في هذا اليوم التاريخي وأنحني امام كل الشهداء الذين رحلوا في تلك المرحلة السوداء». 
تحرك باسيل
في غضون ذلك واصل رئيس التيار الوطني الحرجبران باسيل تحركه لمعالجة مسألة تمثيل النواب السنة المستقلين التي عرقلت تشكيل الحكومة، فزار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، على ان يلتقي لاحقا في وقت لم يحدد النواب الستة المستقلين والبطريرك الراعي. لكنه اليوم لن يقوم باي تحرك بل سيخصص نهاره لمواعيد عادية في وزارة الخارجية.
وأحيط تحرك باسيل بتكتم شديد، لكن مصادره اكتفت بالقول لـ«اللواء»: انه يحاول في مسعاه تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر والتوصل الى توافق بين الاطراف المعنية على معايير وقواعد محددة لتمثيل الاطراف في الحكومة مع حفظ مبدأ ان يكون رئيس الحكومة قويا ايضا، ومتى توصل الى هذا التوافق يبدأ البحث في الحلول العملية للمشكلة. لكن الامر يتطلب تنازلا وتسهيلات من الاطراف المعنية.
وشدّد باسيل، بعد لقاء المفتي دريان على ضرورة الخروج من اجواء التحدي والذهاب إلى حوار عقلاني لحل المشكلة، خاصة بعدما حكى كل فريق كلمته ورفع سقفه، وبالتالي الدخول في مرحلة نتكلم فيها بين جدران أربعة، لافتاً ان حكومة الوحدة الوطنية يجب ان تشمل الجميع ولا يكون فيها غبن تجاه أحد، مكرراً تأكيده على ضرورة ان يكون رئيس الحكومة قوياً، لأنه إذا لم يكن قوياً فكلنا سنكون ضعفاء، مشدداً على ان كل شيء يمس رئيس الحكومة يمسنا، ومن أجل ذلك يجب ان نحرص على تعزيز موقع رئيس الحكومة.
ولفتت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» إلى ان تحرك باسيل يأتي تحت عنوان: «خلق المناخ المناسب لتوفير ولادة حكومة جديدة لا تسقط عند أوّل امتحان»، مشيرة إلى مساعيه أبعد من محاولة إيجاد حل لعقدة تمثيل السنة المستقلين من خلال تبادل وزراء من هذه الحصة أو تلك، إلى محاولة إيجاد الظروف المساعدة لولادة حكومة تعمر طويلاً ولا تنفجر في أوّل محطة، معتبرة ان القول بأن باسيل يعمل كوسيط لنقل وزير مسلم إلى حصة هذا الفريق أو ذاك هو تقليل من دوره، فضلاً عن أن مهمة تأليف الحكومة تقع على عاتق الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
أبواب الحل؟
وأشارت المصادر إلى ان الرئيس المكلف، الذي التقى مساء أمس النائب وائل أبو فاعور، وضع في خطابه اول من امس اطارا لكنه ترك الباب مفتوحا. أما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ربما وضع إطارا أوسع لكنه لم يقفل الباب ايضا في مكان ما وفي المحصلة قالا ما ارادا قوله. وامام  هذا المشهد كان الخيار يقضي اما  بالتفرج او الاستسلام او البحث عن كيفية إيجاد قاسم مشترك للخروج من الأزمة الراهنة. وتلفت المصادر الى ان الخطابين وعلى الرغم من حدتهما، اظهرا رغبة الرئيس الحريري والسيد نصرالله في قيام الحكومة، وبالتالي لم يقولا في مواقفهما المعلنة عكس ذلك، بل ان الرئيس الحريري لم يتحدث عن اي ممانعة في دخول حزب الله كشريك الى الحكومة، ولم يمانع اسناد وزارة الصحة اليه، وفي المقابل بقي السيد نصر الله على تمسكه ببقاء الحريري رئيسا للحكومة.
وهذا الرأي بالنسبة إلى ترك الأبواب مفتوحة للحل، أكّد عليه أيضاً الرئيس نبيه برّي امام نواب الاربعاء، وزاد عليه بأنه أبلغ الوزير باسيل موقفه تجاه الأفكار التي يمكن ان يُبنى عليها، أملاً في أن تنجح الجهود والمساعي لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن للضرورات الوطنية على المستويات كافة.
ونقل عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي ان الرئيس برّي وضع الوزير باسيل في أجواء الحلول، وان شاء الله تتشكل الحكومة قريباً بعد المساعي الجدية للحل.
اما النائب قاسم هاشم، عضو «اللقاء التشاوري» وكتلة الرئيس برّي، فرد على بعض مواقف الحريري فقال «ان الأب يجب ان يكون عادلاً مع اولاده، وعندما يسمي نفسه الحريري أباً للطائفة السنية عليه ان يكون منصفاً في تمثيلنا»، معلناً رفضه توزير أي نائب من خارج سنة «اللقاء التشاوري».
إلى ذلك، توقعت مصادر فريق 8 آذار، ان يكون للرئيس برّي الدور الأساسي في إيجاد الحل المناسب للعقدة السنية، طالما ان الأبواب ما تزال مفتوحة للوساطات.
وكشفت معلومات هذه المصادر لـ«اللواء» بأن أحد الحلول المقترحة هي ان يسمي الرئيس بري بالتفاهم مع الحريري الوزير السني السادس في حصة الاخير، نظرا لرفض سنة ٨ آذار ومن يدعمهم على ان يكون تمثيلهم الوزاري من حصة رئيس الجمهورية.
وعلى هذا الاساس، فان ما اتفق عليه سابقا لجهة تبادل الحريري والرئيس عون مقعداً سنياً مقابل مقعد ماروني مستبعد ولكنه ممكن لا سيما وان الحريري اتفق مسبقا مع الرئيس نجيب ميقاتي على مقعد مشترك بينهما، واذا نجحت المبادرة فان مقعداً سنياً آخر سيكون مناصفة بين الحريري ومن يمثل سنة ٨ آذار، وبالتالي تصبح حصة الحريري الفعلية اربعة مقاعد.
وفي حين لم يحسم هذا الطرح بعد، فان معلومات غير مؤكدة اشارت إلى  طرح آخر يقضي بتنازل رئيس الجمهورية عن المقعد السني الذي تبادله مع الحريري للثنائي الشيعي لتوزير الشخصية السنية التي يرونها مناسبة، وهذا الاخراج لا يحرج الحريري حتى لو تم توزير احد سنة «اللقاء التشاوري» على اعتبار ان هذا المقعد بات من حصة رئيس الجمهورية وله الحق بالتصرف به وفق ما تقتضي المصلحة الوطنية، كما ان الحريري نفسه وضع الحل في عهدة رئيس الجمهورية اي عمليا اعلن موافقته مسبقا على اي حل يراه الرئيس مناسبا.