فقد حَمّل الحريري «حزب الله» المسؤولية بتعطيل تشكيل الحكومة، وقال: «هناك حقيقة يجب أن تقال بلا قفّازات، وهي أنّ تأليف الحكومة اصطدم بحاجز كبير يسمّيه البعض حاجز نواب «سنّة الثامن من آذار»، لكنني أراه أكبر من ذلك بكثير، وهو ما عبّر عنه بصراحة الأمين العام لـ«حزب الله»، وهو قرار من قيادة الحزب بتعطيل تأليف الحكومة».

ونفى الحريري أن يكون «استَلشَق» بموضوع توزير النواب الستة، مشدداً على أنه رفض هذا الطرح منذ البداية. كذلك نفى احتكاره التمثيل السني في الحكومة، بدليل أنّ هناك وزيراً سنّياً يسمّيه رئيس الجمهورية وآخر اتفق عليه مع الرئيس نجيب ميقاتي.

وقال: «أنا أب السنّة في لبنان، وأعرف أين مصلحتهم». ورفض اتهامه بالتحريض الطائفي والمذهبي، وقال: «نحن من فتح أبواب الحوار مع الجميع، وبالتحديد مع «حزب الله»، وحوارات عين التينة برعاية الرئيس نبيه بري تشهد على ذلك. ونحن من اعتبر التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنقاذ البلد ووقف التدهور وكسر حلقة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية».

واعتبر «انّ الحكومة حاجة وطنية اقتصادية وأمنية واجتماعية، ولا أسهل من تأليفها إذا عدنا للأصول. هذه مهمة لديّ ولدى فخامة الرئيس، هكذا يقول الدستور وهكذا تقول الاستشارات وهكذا تقول مصلحة البلد. أنا قمتُ بما عليّ والحكومة جاهزة وفخامة الرئيس عون ودولة الرئيس بري يعرفان ذلك، فليتفضّل الجميع ويتحمل مسؤولياته ليسير البلد».

لا حكومة قريبة

في هذا الوقت، بَدا أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ما زال يأمل في حصول اختراقات حكومية في اي لحظة، خصوصاً انّ الابواب مفتوحة على التواصل الهادئ بين الجهات المعنية بالتأليف. الّا انّ مصادر معنية قالت لـ«الجمهورية» انّ «الحكومة عالقة بين منطقين متناقضين، عَبّر عنهما السيّد نصرالله والرئيس المكلف، اللذين التقيا على أمر واحد، وهو أن لا حكومة في المدى المنظور، الا اذا حدثت معجزة حملتهما معاً الى التراجع والتنازل، او حملت أيّاً منهما على التسليم بمنطق الطرف الآخر».

وإذ استبعدت المصادر وجود هذه المعجزة او حتى ما يشبهها، ولو من بعيد، أكدت انّ الاتصالات التي ساهمت في تبريد نبرة التخاطب السياسي شاركَ بري في جانب أساسي منها، الّا انها لم تنجح في تضييق الفوارق الواسعة التي تحكم الازمة، والتي من الصعب التكهّن بالمدى السلبي الذي يمكن ان تبلغه فيما لو استعصى إيجاد حل قريب لها، خصوصاً انّ أجراس الخطر الاقتصادي تقرع بشدة اكثر من اي وقت مضى.

«حزب الله»

ولم يعلّق «حزب الله» على ما أورده الحريري، مؤكداً عبر مصادره انّ موقفه عبّر عنه أمينه العام، وانّ كرة المعالجة هي في يد الرئيس المكلف. وإذ نَفت هذه المصادر علمها بمخارج يجري طرحها لفتح الباب امام التأليف، إكتفت بالقول: «لقد أكد السيّد نصرالله اننا لسنا الجهة المعنية بمحاورتها حول مطالب نواب اللقاء التشاوري، فهم الجهة الصالحة والمعنية وحدها بهذا الموضوع، ونحن من جهتنا ندعم موقفهم، وما يوافقون عليه ويقررونه، نحن معهم فيه».
وفيما رفض الحريري توزير «سنّة 8 آذار»، مؤكداً أنه توافَقَ وميقاتي على توزير شخصية مشتركة بينهما، أكدت مصادر النواب السنّة الستة أنهم «ليسوا معنيين بهذه الشراكة بين الحريري وميقاتي».

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «الامور حتى الآن لا تدعو الى الارتياح، فالوضع السياسي والحكومي في ذروة التأزم، والوضع الاقتصادي شهد اهتزازاً خطيراً في الايام الاخيرة، ونخشى ان يكون البلد قد دخل مرحلة العد التنازلي للسقوط الكبير».

وفيما يحرص باسيل على إحاطة تحرّكه بكتمان شديد، قالت مصادر مشاركة في مطبخ التأليف لـ«الجمهورية»: «إنّ حل العقدة المستجدة يتأتى من 3 مصادر، الاول ان يقبل الرئيس المكلف بتوزير احد نواب «سنّة 8 آذار»، وهو أمر محسوم لناحية رفض الحريري لهذا الامر. والثاني ان يرفع «حزب الله» يده عن هذه المسألة، وهو ايضاً أمر محسوم لناحية تأكيده أنه سيقف مع مطلب توزيرهم الى الابد. ويبقى المصدر الثالث، وهو رئيس الجمهورية، بحيث يأتي الحل على نحو يقبل فيه رئيس الجمهورية بتوزير أحد نواب «سنّة 8 آذار» من ضمن الحصة الرئاسية».

وعمّا اذا كان رئيس الجمهورية قد يوافق على هذا المخرج، قالت المصادر: «لو كان ثمّة قبول بهذا المخرج، لأعلن عنه منذ أن اشتدت الازمة، فضلاً عن أنه لم يبدر عن الرئاسة الاولى ما يوحي بأنها في هذا الوارد».

«التيّار الوطني الحر»

وكان باسيل قد زار أمس رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، على أن يزور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان اليوم.
وفيما اكتفى باسيل بالقول بعد اللقاء: «صحيح ان ّالنبرة كانت عالية، لكنّ المضمون إيجابي في مسيرة تأليف الحكومة».

أوضحت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انّ زيارة باسيل لجنبلاط جاءت في إطار متابعته المَسعى الذي يقوم به لتأليف الحكومة ودفعه الى الامام. وتمّ خلال اللقاء تبادل الأفكار في شأن الحلول الممكنة لحل العقدة الحكومية، في اعتبار انها ذات بُعد وطني، وجرى عرض الحلول الممكنة، وأكد الطرفان تثبيت العلاقة الثنائية بما يعزّز الاستقرار، خصوصاً في الجبل.

«القوات»

وعلّقت مصادر «القوات اللبنانية» على مواقف الحريري، وقالت لـ«الجمهورية»: «كانت إطلالة الرئيس المكلف متماسكة في المضمون بلغة هادئة في الشكل، قوية في رسائلها، منطقية في تسلسلها، حيث أن العرض الذي قدّمه هو عرض قوي ومتين، خصوصاً مع تأكيده انه لا ينطلق من اعتبارات ذاتية او شخصية ضد «سنّة 8 آذار»، بل من اعتبارات موضوعية ومنطقية، أي أنه لم يكن هنالك من كتلة اسمها «سنّة 8 آذار» في لحظة خوض الانتخابات، أو في لحظة استشارات التكليف والتأليف».

وأضافت هذه المصادر: «انّ مصدر قوة سعد الحريري هو أولاً هذا التسلسل المنطقي للأمور بأنّ هناك قراراً سياسياً بتشكيل هذه الكتلة بينما الوقائع السياسية كانت مختلفة تماماً، إن في خوض الانتخابات او في الاستشارات، وهناك معيار اعتمَده على هذا الاساس ولا يمكن ان يعتمد معايير غُبّ الطلب بإشراك كتلة كانت موزّعة على مجموعة كتل. ولذلك، قوته المركزية والاساسية هي اولاً هذا الخلل على هذا المستوى. وقوته الثانية انّ الامور كانت فعلاً على مسافة ساعات من التأليف، لو لم يضع «حزب الله» الفيتو.

وقوته الثالثة انه على تواصل وتكامل مع رئيس الجمهورية، الأمر الذي يمكّنه فعلياً من ان يعطي موقعه مزيداً من القوة على المستوى الدستوري. ولذلك، كل الاعتبارات تصبّ عملياً في مصلحته، فضلاً عن أنه يشكّل حاجة اقتصادية وحاجة دولية وعربية، ولا يوجد اي منافس سنّي له، وأظهرَ انه لا يحتكر، كما يقول «حزب الله»، المكوّن السني، بدليل تفاهمه مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي خاض كلٌ من موقعه الانتخابات، وأيضاً هناك تمثيل عند رئيس الجمهورية.

لذلك، كل المنطق الذي قدّمه يَصبّ في مصلحته، لكن في نهاية المطاف وبطبيعة الحال، الامور في مراوحة سياسية، وكل الأمل في هذه اللحظة ان تكون مراوحة هادئة وليس ساخنة لإفساح المجال امام الوساطات التي يتولّاها الوزير جبران باسيل مُكَلفاً من فخامة الرئيس. طبعاً هذا الدور مطلوب، ومطلوب باستمرار ان يكون هناك وساطات ومساع من أجل الوصول الى حل، وأيّ مسعى هو مبارك من اجل الخروج من النفق الذي وصلت اليه الامور، لأنّ البلاد بحاجة الى حكومة».

وكان جعجع قد أوفد الوزير ملحم الرياشي الى الحريري مساء أمس، وأبلغ اليه «تأييد «القوات» لموقفه المنفتح والحواري والحضاري للتواصل مع كل الأطراف ومحاولة إيجاد حل»، بحسب الرياشي، الذي أضاف «انّ موقف الرئيس الحريري له قيمة استثنائية، لأنه منطقي وعقلاني، وهو في السياسة يحتاج إلى تدعيم لكي تُشكَّل الحكومة في أسرع وقت ممكن».

عقوبات أميركية

من جهة ثانية، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية أنها صنّفت جواد نصرالله، نجل الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله، «إرهابياً عالمياً»، وسط تشديدها الضغوط على «الحزب».

ووصفت الوزارة جواد نصر الله بأنه «القائد الصاعد» للحزب، وقالت إنه جَنّد خلال السنوات الأخيرة أشخاصاً «لِشَن هجمات إرهابية ضد إسرائيل في الضفة الغربية» المحتلة.

وأضافَت الوزارة «كتائب المجاهدين» في الأراضي الفلسطينية، المرتبطة بـ«حزب الله»، إلى قائمة «المنظمات الارهابية العالمية». وقالت إنّ «تصنيفات اليوم تسعى إلى حرمان «حزب الله» و»كتائب المجاهدين» من الموارد بُغية التخطيط للهجمات الإرهابية وتنفيذها».

كذلك فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 4 رجال قالت إنهم مهمّون لـ«حزب الله» في العراق، ويساعدونه في نقل الأموال والحصول على الاسلحة والتواصل مع إيران، وهم: شبل محسن «عبيد الزيدي»، ويوسف هاشم، وعدنان حسين كوثراني ومحمد عبد الهادي فرحات.

وقالت الخارجية الاميركية إنّ الزيدي هو المنسّق الرئيسي بين «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، وهو مقرّب من مموّل «حزب الله» أدهم طباجة، ونَسّق عمليات تهريب النفط من إيران الى سوريا، وأرسلَ مقاتلين عراقيين إلى سوريا بتكليف من الحرس الثوري. وأوضحت أنّ الثلاثة الآخرين متورّطون في جمع المعلومات الاستخباراتية، ونقل الأموال لـ»حزب الله» في العراق.

وقال سيغال ماندلكر، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب واستخبارات التمويل: «حزب الله» هو وكيل إرهابي للنظام الإيراني، ويسعى إلى تقويض سيادة العراق وزعزعة استقرار الشرق الأوسط». وأضاف أنّ «جهود وزارة الخزانة تهدف إلى عرقلة محاولات «حزب الله» لاستغلال العراق، لتبييض الأموال وشراء الأسلحة وتدريب المقاتلين وجمع المعلومات، بوَصفه وكيلاً لإيران».

الى ذلك، رصَدت الولايات المتحدة مكافأة مالية مقدارها 5 ملايين دولار أميركي، لمَن يُدلي بمعلومات عن 3 قياديين في «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس»، مجددة التأكيد أنّ النظام الإيراني «يسرق شعبه» من أجل تمويل ميليشياته في الخارج.

وكشفَ مساعد وزير الخارجية الأميركي للأمن الدبلوماسي، مايكل إيفانوف، خلال مؤتمر صحفي في مقر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، عن أسماء القياديين الثلاثة، وهم: صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، وأحد مؤسسي جناحها.

وقال: «إنّ العاروري يعيش بحرية في لبنان، ويعمل أيضاً مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ويجمع الأموال لتنفيذ عمليات لمصلحة «حماس»، وقيادة عمليات أدّت إلى مقتل إسرائيليين يحملون جنسية أميركية»، مشيراً إلى أنّ «وزارة الخزانة صنّفته إرهابياً عالمياً في 2015».

وقال ايفانوف: «إنّ الثاني هو خليل يوسف محمود، المستشار القريب من الامين العام لـ«حزب الله»، ولديه ارتباطات متشعّبة مع كثير من المنظمات الإرهابية».

وأضاف أنّ محمود «قدّم المشورة في شأن شَن هجمات في الأراضي الفلسطينية وفي مناطق أخرى بالشرق الأوسط، وصَنّفته وزارة الخزانة إرهابياً عالمياً في 2014. أمّا القيادي الثالث فهو هيثم علي، المُرتبط بمقاتلي «حزب الله» في سوريا واليمن، وتم تصنيفه إرهابياً عالمياً في تشرين الأول 2016».

وقال المسؤول الأميركي إنّ التنظيمين («حزب الله» و«حماس») حصلا على الأموال والأسلحة من إيران، التي تعتبر راعية أساسية للإرهاب. وطلب من «أي شخص لديه معلومات عن هؤلاء الأشخاص، الاتصال بالسفارات أو القنصليات أو البعثات الدبلوماسية الأميركية حول العالم».