بعد المؤتمر الصحفي للرئيس المكلف سعد الحريري، ووضعه النقاط على حروف عرقلة التأليف، وتعطيل الحكومة، واتهام حزب الله بأنه وضع «حاجزاً كبيراً» امام الجهود الرامية لتشكيل الحكومة، مشيراً إلى ان لا حل ما لم يتراجع الحزب. وقال بوضوح: «أنا آسف جداً ان يحط حزب الله حاله بموقع المسؤولية لعرقلة الحكومة».. اكتمل مشهد الاشتباك الكلامي والسياسي بين الحزب والرئيس المكلف وفريقه وحلفائه في تحوُّل في المشهد، شكل مفاجأة للأوساط المعنية، محلياً واقليمياً ودولياً..
بالتزامن مع هذا المشهد المسدود الأفق، ينتقل الوزير المفوض جبران باسيل إلى دار الفتوى، بعد ان التقى مساء أمس النائب السابق وليد جنبلاط في إطار مهمة كلفه بها الرئيس ميشال عون..
وكشف مصدر مطلع لـ«اللواء» ان تحرك باسيل يصب باتجاه تبريد المواقف، وقال ان النائب جنبلاط بقي على مواقفه التصعيدية، موضحاً ان الحزب متوجسّ من أجواء لا يراها مريحة تجاهه من فرقاء سياسيين بينهم حلفاؤه..
وذكر المصدر ان الحزب اقترح خمسة أسماء لاختيار أحدهم، لكن لا شيء محسوم أو مقبول بعد..
مؤتمر الحريري
وبدا الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي الذي خصصه للرد على السيّد نصر الله، مرتاحاً وواثقاً من صوابية وجهة نظره، حازماً في ما قاله، هادئاً من دون تشنج، إذ انه حرص منذ اللحظة الأولى، على ان يقول كلاماً «لا يجنن» بحسب تعبير المثل الدارج، لافتاً النظر إلى انه تقصد تأخير رده من السبت الماضي إلى امس الثلاثاء، لأن «على المرء ان يتروى ويهدأ ويفكر بالبلد والناس، والفرص التي يمكن ان تفتح، لكن في الوقت نفسه يجب ان يقول موقفه، وقد قلت موقفي».
خلاصة هذا الموقف، هو «تحميل «حزب الله» مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، بقرار من قيادته، حسب ما عبر عن ذلك صراحة أمينه العام»، لافتاً إلى ان «هناك حقيقة يجب ان تقال من دون قفازات، وهي ان تأليف الحكومة اصطدم بحاجز كبير يسميه البعض حاجز نواب سنة 8 آذار، لكني اراه أكبر من ذلك بكثير».
إلا ان الحريري لم يشأ ان يعطي قرار الحزب بتعطيل تشكيل الحكومة ابعاداً تتصل بالمسألة الإقليمية، أو العقوبات الأميركية على إيران، مشيراً إلى انه تعامل مع تشكيل الحكومة منذ البداية على انه ليس هناك من تدخل خارجي، وانه ما زال عند رأيه بأن الموضوع ليس خارجياً، بل هو متعلق بكيفية إدارة البلد وتشكيل الحكومة.
ونفى الحريري ان يكون قد أخذ موضوع توزير النواب الستة من خارج تيّار «المستقبل» باستلشاق، مشدداً على انه رفض هذا الطرح رفضاً نهائياً منذ بداية الطريق، مشيراً إلى انه قال «للحزب وللجميع بأن هذا الأمر لا يمكن ان يمر.. وفتشوا عن غيري».
ولفت إلى انه «اذا كان الحزب متمسكاً بهذا القدر بتمثيل هؤلاء لكان باستطاعته ان يسمي أحدهم من حصته لكنه لم يفعل».
كذلك نفى الحريري كل ما يتردد عن احتكاره للتمثيل السني في الحكومة بدليل أن هناك وزيرا سنّيا يسميه رئيس الجمهورية ووزيرا سنيا آخر اتفق عليه مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي أتى إلى الاستشارات على رأس كتلة نيابية. وقال: «أنا أب السنّة في لبنان وأعرف أين مصلحتهم»، مشددا على أن السنّة طائفة أساسية في البلد ولا يمكن أن تكون في أي ظرف من الظروف طائفة ملحقة بأحد أو بحزب أو بمحور.
وكشف أنه بعد إعلان «القوات اللبنانية» قبولها بالعرض الذي قدمه، كان الكل ينتظر إعلان الحكومة مساء الاثنين أو الثلاثاء، ولكن يبدو أن البعض كان يراهن على أن القوات ستعطل التأليف وعندما وافقت قالوا: «لم يعد هناك من حل إلا أن نأخذ مهمة التعطيل بيدنا».
ورفض الحريري رفضاً قاطعاً اتهام الأمين العام لحزب الله بالتحريض الطائفي والمذهبي، قائلاً انه «لا يقبل من أحد ان يتهمه بمثل هذا الاتهام»، لأن هذه «ليست مدرسة رفيق الحريري ولا سعد الحريري ولا تيّار المستقبل».
وردا على الذين يتحدثون عن منع الفتنة في البلد، تساءل الرئيس الحريري: «من الذي واجه باللحم الحي في بيروت وطرابلس وصيدا وعرسال والبقاع وغيرها؟». وقال: «نحن الذين دعمنا الجيش وحمينا ظهره في كل مكان في لبنان، ونحن من واجه كل الدعوات لنقل الحريق السوري للبلد، ولم نقل للحظة واحدة أن تتقدم لعبة الدم والخراب والتفرقة على العيش المشترك وعلى الاستقرار بين اللبنانيين. ونحن من فتح أبواب الحوار مع الجميع، وبالتحديد مع حزب الله، وحوارات عين التينة برعاية الرئيس نبيه بري تشهد على ذلك. ونحن من اعتبر التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنقاذ البلد ووقف التدهور وكسر حلقة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية».
وقال الحريري أخيراً: «إن الحكومة حاجة وطنية اقتصادية وأمنية واجتماعية وتأليفها ليس هناك أسهل منه إذا عدنا للأصول. هذه مهمة لدي ولدى رئيس الجمهورية، هكذا يقول الدستور وهكذا تقول الاستشارات وهكذا تقول مصلحة البلد. أنا قمت بما عليّ والحكومة جاهزة والرئيس عون والرئيس بري يعرفان ذلك، فليتفضل الجميع ويتحمل مسؤولياته ليسير البلد».
وفي رده على أسئلة الصحافيين، أوضح الحريري ان المشكلة ليست في ان يلتقي النواب السنة أو لا يلتقيهم، لأن الذي كان يفاوض عنهم هو «حزب الله»، لافتاً إلى انه كان في الإمكان ان يتفهم الأمر لو لم يكن مفتعلاً، ولو انهم كانوا ترشحوا سوية في الانتخابات وفازوا وشكلوا كتلة واحدة لكنت مجبراً على تمثيلهم.
ولم يشأ رداً على سؤال آخر يتعلق باتفاق الطائف، ان يذهب نحو سوء النية بأن كلام نصر الله أنهى الطائف، مذكراً بأنه سبق ان سمعنا كلاماً من الحزب حول دعمه للطائف، فلنبقَ على حسن النية، وننظر إلى النصف الملآن من الكأس، كما انه رفض الكشف عن طبيعةالمسعى الذي يقوم به الوزير جبران باسيل، مكرراً ان «ما بيني وبين باسيل سيبقى بيني وبينه»، موضحاً انه «لا يملك حلاً للعقدة، وانه لم يأت اليوم لأقول ما هو الحل، ولو كان هناك حل لكنت قمت بزيارة رئيس الجمهورية»، كذلك اكتفى بالقول، رداً على سؤال عما إذا كان سيعتذر عن تشكيل الحكومة: «كل شيء بوقته حلو».
مسعى باسيل
واشارت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» الى انه بعد مواقف رئيس الحكومة المكلف سيصار الى الانصراف الى رصد ردود الفعل على ان مهمة الوزير جبران باسيل تستكمل وهي بدورها تشكل محور متابعة لمعرفة الى اين يمكن ان تؤدي مع اللقاءات التي يعقدها.
وافادت المصادر ان ملامح الايام المقبلة ليست واضحة وكل ما يمكن تسجيله هو ان لا شيء جديدا على صعيد العقدة الحكومية، مشيرة الى ان زيارة الرئبس المكلف الى قصر بعبدا لن تكون الا بعد ان تصبح التشكيلة الحكومية جاهزة.
وقالت المصادر نفسها ان الجهد للوصول الى الحل يتواصل لكن لا موعد لبلورة اي صيغة -مخرج.
وكان باسيل زار أمس، يرافقه وزير الطاقة سيزار أبي خليل، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في دارته في كليمنصو، في حضور رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، ثم غادر من دون الإدلاء بأي تصريح، لكنه اكتفى بالقول امام الاعلاميين: «صحيح ان النبرة كانت عالية، لكن المضمون إيجابي في مسيرة تأليف الحكومة».
وافادت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«اللواء» أنّ الاجتماع بين الوزير باسيل وجنبلاط في كليمنصو انقسم الى شقين:
أولا- تثبيت العلاقة الثنائية بما يعزز الاستقرار خصوصاً في الجبل
ثانيا- تبادل الأفكار بشأن الحلول الممكنة لحل العقدة الحكومية باعتبارها ذات بعد وطني. 
وقد تمّ في خلال اللقاء استعراض الحلول الممكنة والتشاور والتعاون بشأنها. 
ومن المقرّر ان يزور باسيل اليوم دار الفتوى لوضع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في مسعاه الذي يهدف اساساً إلى تهدئة الأمور، تمهيداً لطرح الحلول، عندما يكون هذا الأمر متاحاً.
وأوضح أمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان ان باسيل وضع التكتل في أجواء المبادرة التي يقوم بها والتي أساسها المواقف التي صدرت عن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بالنسبة للقواعد الدستورية ووحدة المعايير المطلوب احترامها، بالإضافة إلى نتائج الانتخابات النيابية، وفق قانون نسبي يؤدي إلى عدم احتكار أي طرف لطائفته.
النواب السنة
اما بالنسبة لردود الفعل، فقد لوحظ ان أي تعليق لم يصدر لا من بعبدا ولا من عين التينة، ولا حتى من «حزب الله»، فيما نوّه كل من الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بالمواقف التي اعلنها الحريري، في حين وصف عضو «اللقاء التشاوري» للنواب السنة المستقلين النائب جهاد الصمد كلام الحريري في مؤتمره الصحفي بأنه «حمّال أوجه»، بحيث انه لم يقفل الباب نهائياً امام الحوار والمفاوضات، ومن المبكر الحكم على التوجهات النهائية للأمور، فلا زال امامنا وقت للحل.
وقال الصمد لـ«اللواء»: نحن موقفنا من التمثيل في الحكومة هو موقف سياسي وليس موقف تحد لأحد، ونريد اثبات وجهة نظرنا بان الرئيس الحريري لم يعد يمثل وحده الطائفة السنية، وان هناك وجهات نظر داخل الطائفة تختلف عن وجهات نظره، وليس هدفنا مجرد الحصول على مقعد وزاري لذلك نحن لم ندخل في نقاش او مطالبة حول اي حقيبة نريد، بل نترك مسألة تمثيلنا للرئيسين عون والحريري وهما يختاران اي واحد من النواب الستة والحقيبة التي يرتئيانها.
واكد الصمد ما ذكرته «اللواء» في عددها امس، بأن الوزير باسيل سعى في تحركه الى ايجاد مناخ تهدئة سياسية واعلامية من اجل تسهيل البحث عن مخرج لتشكيل الحكومة، ولم يقدم مقترحات محددة، وتبلغ منه ما اعلنه الرئيس المكلف في مؤتمره الصحافي بأن النواب الستة لا يمثلون كتلة نيابية واحدة وبالتالي لا يمكن توزير احدهم. 
واشار الى ان لقاء الوزير باسيل بالنواب الستة امر وارد في اي لحظة، وقال: نحن نفتح قلوبنا للحوار مع اي كان سواء مع الرئيسين عون والحريري او مع باسيل.
وفي ماخصّ الوزير السني المستقل، علمت « اللواء» ان الرئيس ميقاتي سلم الرئيس الحريري لائحة من اربعة اسماء بينها الدكتور خلدون الشريف والمصرفي عادل افيوني، ليختار الرئيس المكلف واحدا منها.