يترقب لبنان المؤتمر الصحافي الذي يعقده الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم لإعلان موقفه من مطالبة «حزب الله» بتمثيل «النواب السنة المستقلين» المعروفين بـ«سنة 8 آذار» في الحكومة، وسط تضارب بين «التفاؤل» بقرب إنجاز حكومة وفق تسوية لتمثيل «السنة المستقلين» من حصة رئيس الجمهورية، أو الدخول في جولة جديدة من التصعيد على خلفية تقديرات برفض الحريري مطلب «حزب الله» وتحميله مسؤولية عرقلة تشكيلها، وهو ما يُستدل عليه بتصريحات مقربين منه، أكدوا أن طرح الحزب «غير وارد أصلاً ومرفوض من قبل الحريري»، وأنه «لا تسويات أو شخصيات وسطية بيننا وبين الحزب».
وفي حين يطالب نواب «المستقبل» بانتظار موقف الحريري الذي سيعلنه اليوم، والتحفظ عن أي معطيات حول تصعيد محتمل في المواقف، قال مصدر نيابي في «المستقبل» إن مناقشات الجلسة التشريعية التي عقدت أمس في البرلمان «أظهرت هدوءاً، ولا توحي بالتصعيد»، جازماً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بأن «هناك حكومة ستتشكل قريباً جداً»، من غير الإدلاء بأي تفاصيل حول المبادرة التي يقوم بها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل.
وقالت مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحكومة لـ«الشرق الأوسط»، إن مسعى باسيل يدور حول حل «العقدة السنية» المستجدة، على طريقة حل العقدة الدرزية، عبر اختيار وزير سني توافق عليه جميع الأطراف المعنية: الحريري و«حزب الله» و«النواب السنة المستقلون»، وهو ما اتضحت نتائجه أمس بعد اللقاءات التي عقدها باسيل مع الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وبينما يتمسك الحزب بموقفه لجهة تمثيل «السنة المستقلين»، قالت المصادر المواكبة إن الحريري «يرفض طرح نصر الله، وهو تنازل بما فيه الكفاية، ويحمله مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة».
وقالت مصادر سياسية تواكب التطورات الحكومية، لـ«وكالة الأنباء المركزية»، إن «المخرج الجاري العمل عليه ينطلق من النافذة التي أبقاها الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله مفتوحة في خطابه عندما وضع كرة الحل في عهدة نواب (اللقاء التشاوري) والرئيس الحريري، ومن باب عدم رغبة الحريري في احتكار تمثيل الطائفة». وأشارت إلى أن الوزير السني من حصة «8 آذار» سيكون على الأرجح من حصة رئيس الجمهورية الذي استثناه الوزير باسيل في تصريحه من دائرة القوى المعنية بحل العقدة كما «التيار الوطني الحر».
وظهر مسعى باسيل من خلال تصريحاته التي أعقبت لقاءه بري في مجلس النواب بعيد رفع الجلسة التشريعية، وقبل أن يتوجّه إلى بيت الوسط للقاء الرئيس المكلف، حيث قال: «إننا نعمل لحل مشكلة ليست عندنا كفريق سياسي»، مشيرا إلى أنه «مهما كانت طبيعة العقدة فهي عقدة وطنية، لأنها تمنع تأليف حكومة وحدة وطنية، ويمكن حل العقدة بالعودة لمبادئ ومعايير التمثيل في الحكومة».
وأوضح باسيل: «المبدأ أنه في حكومة الوحدة الوطنية لا احتكار لمذهب أو طائفة من فريق واحد، والإشكالية تأتي من أن الأقلية عند الطائفة السنية ليست مجسدة بنائب معين أو جهة محددة». ورأى أن «المشكلة تكمن في أن الأقلية السنية غير متمثلة بطرف واحد»، قائلا: «كل 4 نواب يحق لهم وزير، وهناك اعتلال من حيث الشكل في مطلب توزير الأقلية السنية، لكن وفي المحصلة، تشكيل الحكومة حتمي».
وأكد باسيل أن «المطلوب وقف التحريض لنتمكن من حل العقد. والموضوع لا يتعلق بالمس بصلاحيات أحد؛ بل بأحقية التمثيل. المطلوب العودة إلى المعايير، وفي حكومة الوحدة لا احتكار في التمثيل لأي مكون». وأضاف: «وفق المبدأ والمعيار يمكن تخيل الحل، ونأمل القبول بالفكرة التي نأمل نجاحها، وأي حل يقوم على اعتذار الرئيس المكلف لن يصح، والمطلوب رئيس حكومة قوي. أما إن كان ضعيفاً، فالعهد والحكومة سيكونان ضعيفين».
لكن الحل يصطدم بموقف «حزب الله» الذي عبر عنه أمينه العام يوم السبت الماضي لجهة دعم موقف حلفائه، وهو ما يرفضه الحريري، بحسب ما قال القيادي في «المستقبل» الدكتور مصطفى علوش، مشددا في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» على أن طرح نصر الله «مرفوض مسبقاً من قبل الحريري، وليس وارداً، كما أن اعتذار الحريري أيضاً غير وارد»، ملخصاً الوضع بأن «المسألة هي مسألة عض أصابع» الآن.
وإذ ذكّر بأن نصر الله أشار إلى الانتظار، أعرب عن اعتقاده بأن الفترة التي منحها نصر الله لتمثيل حلفائه أو انتظار تمثيلهم «هي فترة اختبار لتطبيق العقوبات على إيران، والانتظار ليرى تداعياتها ومدى تأثيرها على لبنان». وقال: «طبيعي أن نصر الله مهتم بزيادة وزير إضافي على حصته، ويهمه أن يكون سنياً ليكون بمواجهة الحريري، كما يهتم بأن يكون هذا الوزير من منطقة معينة (طرابلس والشمال نسبة إلى الحديث عن توزير أحد النائبين فيصل كرامي أو جهاد الصمد)، وذلك ليقصم ظهر التكتل حول الحريري في تلك المنطقة»، عادّاً أن «نصر الله يريد تمثيل هؤلاء ليكونوا كمائن متقدمة داخل جبهة الخصم السني».
وإذ جزم بأن الحريري «لن يتراجع عن رفضه»، أكد أن الرئيس المكلف لا يريد أن يكون الحل على حسابه أيضاً، مضيفاً: «إذا كان هناك وزير سني تسووي كما يُحكى، فإنني أؤكد أن لا تسويات بيننا وبين الحزب»، أي إنه ما من شخصية يمكن أن تمثل تقاطعاً وسطياً بين الطرفين. وأضاف: «المرحلة هي مرحلة انتظار وعض أصابع»، لافتاً إلى أن الطرفين «ستواجههما إشكالية تطبيق أي نوع من التسوية».
ورغم هذه الأجواء، فإن إشارات ظهرت أمس تشي بأن هناك حراكاً يساهم في تشكيل الحكومة، عبّر عنها النائب وائل أبو فاعور الذي قال إن «لدى (الحزب التقدمي الاشتراكي) معطيات تشير إلى أن لدى (التيار الوطني الحر) مقترحات قد تفضي إلى التشكيل، إذا حسنت النيات». وأضاف: «ما حصل اليوم في الجلسة من ابتعاد عن المناكفات وعن السقوف العالية، أمر إيجابي ويجب التركيز عليه والانطلاق منه». ورفض التعليق على كلام حسن نصر الله قائلا: «الحريري عاد، وسيعاد العمل للخروج من الأزمة الموجودة».
وكان النائب إلياس بوصعب قد قال قبل الجلسة البرلمانية إن هناك بوادر إيجابية بشأن تشكيل الحكومة. ولفت قائلا: «راقبوا حركة باسيل التي سيكون لها جدوى وسنصل إلى حلول».
بدوره، أكد الرئيس نجيب ميقاتي أن «الحق في تشكيل الحكومة يعود دستوريا للرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية». وفي تصريح أمام مجلس النواب، عدّ أن «رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري هو من يختار فريق العمل الحكومي». وتمنى على الآخرين «عدم التداول بتسميات؛ كعقد سنية وشيعية... وغيرها»، عادّاً أن «الحكومة ستتشكل عاجلاً أم آجلاً».