من دون أصداءٍ جاء تصريح رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان الأخير، الذي شكّك فيه بنتائج الكلية الحربية، وبكفاءة الناجحين، إلا في إطارٍ جبليِ ضيّق تبنّاه افتراضياً بعض مناصري "المير".
تستغرب مصادر سياسية هذا الهجوم غير المبرّر من ارسلان على مؤسسة التضحية والشرف والوفاء، وتضعه في إطار ردّ الفعل المتسرّع بعد رسوب أحد المقرّبين من ارسلان في الامتحانات المخصصة لدورة ضباط الحربية، التي تقدّم إليها 4047 طالب، وتجاوز فيها الامتحانات (النفسي، والطبي، المثول، وصولاً إلى الخطي) 1352 طالب، وفاز فيها 162 ضابط.
ولا تستبعد المصادر نفسها في حديثها لموقع "السياسة" بأن يكون هجوم ارسلان في إطار التصويب على قائد الجيش جوزيف عون، لاعتبارات سياسية مرتبطة بامتعاض الأول من التسوية الحكومية الأخيرة التي أفضت إلى حلّ العقدة الدرزية من دون توزيره.
يعلم القاصي كما الداني أن حال التوظيف في المؤسسة العسكرية من بعد أن تسلّم العماد عون قيادة الجيش، يختلف عمّا قبله، لا سيّما في الكليّة الحربية. كيف لا وقد ألغى العماد ما كان يُعرف بالعلامة المجانية الخاصة بقائد الجيش، والتي كان يمنحها القائد للطالب، كعلامة ترجيحية، تفاضل بين الناجحين، من دون وجه حق، وعادةً ما كانت تقف هذه العلامة عند خاطر كبار السياسيين والأمنيين وما أكثرهم في لبنان.
وبالعودة لتصريح ارسلان، يرفض مصدر عسكري التعليق على كلام ارسلان، بغض النظر عن الخلفيات، ويكتفي بالتأكيد على أن امتحانات الدخول للكلية الحربية كانت كسابقتها، في العام المنصرم، بغاية الدقة والشفافية، وراعت معايير النجاح حتى الرقم الرابع بعد الفاصلة.
فقد قطع العماد عون الطريق على السياسيين الذين اعتادوا إرسال لوائح تفضيلية بأسماء الطلاب المحسوبين عليهم، كما يؤكد المصدر العسكري لـ"السياسة"، وأوصد الباب بوجه عدد من السياسيين الذين اتصلوا به أو زاروه خلال وقبل فترة امتحانات الكلية الحربية، ومن بينهم ارسلان، وأبلغه كما أبلغ غيره ممن اعتادوا مبدأ الزبائنية لإنجاح ذويّهم أن النجاح وحده سيكون معياراً لاختيار الضباط الجدد.
حتى أن المحسوبيات التي كانت تحصل من قبل بعض أعضاء اللجنة العامة الفاحصة لامتحانات الدخول الى الكلية الحربية، لم تحصل. ولم يجرؤ أي من أعضاء اللجنة على طلب مسايرة فلان أو التساهل مع علّأن، لأن العماد عون كان صارماً في هذا السياق، وقطع عهداً على نفسه أمام المعنيين بأنه لن يتساهل ولن يرحم من تسوّل له نفسه الالتفاف على الكفاءة لصالح بعض الأقارب أو المُوصى بهم من جهة سياسية مهما بلغت سطوتها في البلد.
ولا ينكر المصدر دور رئيس اللجنة الفاحصة قائد المدرسة الحربية جورج الحايك، في إنجاح هذه الدورة أيضاً، إذ كان الحايك صارماً في تطبيق معايير الشفافية والنجاح، ولم يتهاون مع أيّ من الضباط مهما كانت خلفياتهم السياسية.
وعن رسوب بعض الشبّان الذين وصلت معدّلاتهم لـ15 و16 على 20، يوضّح المصدر العسكري ملابسات هذا الرسوب، ويؤكد أن له سبب وحيد، وهو أن معيار النجاح كان يراعي ما يسمّى بالعلامة اللاغية، كأن يكون المعدّل العام لأحد الطلاب 18 وعلامته في اللغة العربية، على سبيل المثال لا الحصر، تقّل عن 6 درجات.
ويروي المصدر لموقعنا ما حصل في حصة إحدى الطوائف المسيحية، التي يحق لها الحصول على 12 ضابط، إذ كان من يحتل المرتبة الأولى لديه علامة لاغية، فاضطرت اللجنة إلى اعتماد الطالب الذي يحمل الرقم 13 بديلاً عنه، والذي تبيّن أنه تجمعه بالناجح الذي قبله نفس العلامات، حتى الرقم الثالث بعد الفاصلة، ما اضطرهم لاعتماد الرقم الرابع من بعد الفاصلة للمفاضلة بينه وبين زميله.
إذاً، على عكس ما يتمنى زعماء الأمر الواقع في لبنان جاءت نتائج امتحانات الدخول للكلية الحربية، وما سهامُ من صوّب سراً أوعلانيةً على نزاهة المؤسسة العسكرية وقائدها، إلا تنفيساً لئيماً في مكانٍ وجدوا أنفسهم فيه مجرّدين من نفوذهم، للمرة الأولى، على عكس ما هو الحال في مؤسسات الدولة.