مشكلة القوى السياسية الآتية من رحم 14 آذار، أنها رهينة عقلية دونية. مشكلة هؤلاء، ادعاء الاستقلالية وحق التعبير وتقرير المصير وحق التمثيل السياسي الحقيقي. أما في واقع التجربة، فإن دونية تسكنهم أمام من يعتقدون انه يوفر لهم الحماية. وللأسف، صار لزاماً على الناس معرفة كيف يعيش هؤلاء. من أين يحصلون على دخلهم الشهري، وكيف يتمكنون من العيش برفاهية كل الوقت وفي كل الامكنة؟ ومن يحصل على الجواب الحقيقي، يفهم بأي عقلية ونفسية يتصرفون. ولذلك، فإن فكرة التعامل معهم بندية طبيعية، أي بعلاقة متوازنة بين مواطن ومواطن، هي فكرة غير واقعية. ولذلك، تأخر السيد حسن نصرالله في الاعلان ـــ لان اقتناعه واضح ـــ أن مشكلة هؤلاء لا تعالَج بالتواضع وما سمّاه الآدمية.

يعني، ومن دون الحاجة الى سرد تاريخي:
هل يقول لنا الدكتور سمير جعجع ونواب «القوات اللبنانية» ووزراؤها، ومرشحوه للمناصب الوزارية الجديدة، ما هي إنجازات دولة نائب رئيس الحكومة في وزارة الصحة، الحقيبة الأكثر أهمية التي تولاها وزير من «القوات» بعد عقود من الحرمان من جنة السلطة؟
ثم باعتبار أن «القوات» تمثل قدر الأحرار في لبنان والعالم، هل لهم أن يشرحوا لنا موقفهم من جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي؟ أم انهم ينتظرون نتائج التحقيق، أو لم يسمعوا رواية رسمية، أو أنهم يشككون في ما يقوله الاعلام المناهض للسعودية؟
هل يشرح لنا «الزعيم المفدى» وليد جنبلاط، كيف تجري إدارة المشاريع العامة والخاصة في مناطق سيطرته، بين الشوف وعالية ووطى المصيطبة؟ وكم ربح من قطاع النفط الشرعي وغير الشرعي طوال ثلاثة عقود؟
ثم، هل يتابع بن جنبلاط ما الذين يفعله بن سلمان في اليمن وبقية العالم العربي؟
هل يمكن للرئيس سعد الحريري، ومعه قيادات «المستقبل» بكل أشكالها وولاءاتها، أن يقدموا لنا شرحاً عن حقيقة ما حصل معه في السعودية قبل عام، ولماذا قرر الحاكم بأمر المنشار حرمانه من دوره السياسي، وكيف أعيد الاعتبار إليه؟ وهلّا أخبرنا الحريري كيف سيتصرف وفريقه مع حاجاته المالية ونفقاته بعدما أقفلت أبواب التمويل التجارية والسياسية من السعودية والامارات العربية المتحدة؟
هل يحتاج أحد الى شرح واقع حركة «أمل» بعد 35 عاماً من الحضور داخل الدولة، وكيف تراجعت القوة السياسية والشعبية لمصلحة الزعامة الشخصية للرئيس نبيه بري، الذي يواجه صعوبات كبيرة في معالجة معارك أهل البيت السياسي الضيق منه والأوسع، ولماذا لا يزال الشيعة في حالة إنهاك عام، رغم كل ظواهر التحدي القائمة في الشارع؟
هل راجع العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل تاريخ لبنان القصير، وكيف أن الحكم المطلق بيد المسيحيين، منذ الانتداب حتى نهاية الحرب الاهلية، كانت نتيجته هجرة المسيحيين من لبنان، وزيادة معدلات الفقر عندهم، والفوضى في المناطق التي يعيشون فيها، حيث توجد نسبة عالية من مخالفات قوانين البناء والاعتداء على الاملاك العمومية، وكيف أن تجربة المسلمين من بعدهم لم تأت لقبائل الشيعة والسنّة والدروز والعلويين إلا بمزيد من الفقر... ثم نراهم اليوم يرفعون شعار: استعادة الحقوق؟


كيف يحصل كل ذلك، بينما يستكثر كل هؤلاء على مجموعة من سياسيي لبنان (تطال الانتقادات اداءهم وسلوكهم كبقية السياسيين في البلاد) ان يتمثلوا بوزير واحد في حكومة ليس معلوما اذا كانت ستحل مشاكل لبنان او تزيدها تعقيدا؟
هل من تفسير لموقف الرافضين لتوزير هذه المجموعة، غير عقلية الإقصاء والبلطجة وشعار «وحدي لا شريك لي» الذي رفعه محمد بن سلمان في الرابع من تشرين العام الماضي، عندما قرر إقصاء جميع اهل بيته؟
ولأن القواعد العلمية لا تحتاج الى تفسيرات سياسية، فالامر هنا يقف عند معادلة بسيطة، وهي أن هذه المجموعة من السياسيين الذين ينتمون الى الطائفة السنية المحتكرة قيادتها لآل الحريري منذ 25 سنة، لها الحق في أن تتمثل أسوة ببقية القوى والمجموعات السياسية اللبنانية، وهي تمثل شريحة من اللبنانيين يفوق حجمها من يتمثل في اللقاء التشاوري نفسه. وهي تمثل السنّة الذين خسروا في الانتخابات (وهؤلاء مواطنون) وتمثل السنّة الذين صوّتوا لمرشحين من غير طوائف، لكنهم في نفس الخط السياسي لهذه المجموعة، وهي تمثل القواعد الاجتماعية لفريق من سنّة لبنان الذي لا يقبل بزعامة آل الحريري، حتى ولو ذهبت أصوات هذه القواعد لنواب يقولون اليوم إنهم مستقلون.
تُظهر أرقام الانتخابات أنه يحق للحريري بأربعة وزراء من السنّة على أبعد تقدير. أما الحصة الباقية، وهي وزيران، فيجب أن تذهب الى خصومه الذين فازوا بعشرة مقاعد نيابية. وبالتالي، ليس له الحق في المطالبة بالمقاعد السنّية الستة. وليس له الحق حتى في مقايضة الرئيس ميشال عون بمقعد سنّي من حصة غيره. وما كان يجب على الرئيس عون أن يقبل هذه المقايضة. بل كان الاحرى برئيس الجمهورية أن يدافع عن حقوق بقية المجموعات اللبنانية كما دافع عن حقوق جماعته. لأنه رئيس الجمهورية، ولانه الرئيس الذي كان خصوم الحريري الى جانب معركته في الوصول الى رئاسة الجمهورية، ما كان عليه أن يقبل بهذه المقايضة. ولذلك، فهو مسؤول بنفس قدر مسؤولية الحريري عن إيجاد حل لهذه المشكلة. ولو أراد البعض من حوله أن يروه رئيساً ممثلاً للمسيحيين، فنحن سنظل نراه رئيساً يأمل اللبنانيون أن يكون رئيسهم جميعاً. ولذلك بيده الحل.
ذات مرة، سعى السعوديون الى إقناع أحد أصحاب وسائل الاعلام بالعمل لمصلحتهم مقابل توفير دعم مالي له. قبِل الرجل، لكنه قال إنه لا يقدر على تبنّي الخط السياسي للسعودية، ومهاجمة سوريا والمقاومة. فقيل له: حسناً، لا نريد منك أن تدافع عنا، نريد منك مهاجمة منتقدينا. فوجد الرجل ضالته بأن اختار بعض خصوم السعودية وصار يجلدهم صباحاً ومساءً.


الآن، ثمة مرتزقة بين سياسيي لبنان وإعلامييه، من الذين يعيشون على «خير أهل الخير في الجزيرة»، لكنهم عبّروا عن صعوبة استمرار الدفاع عن السعودية. فقال لهم وكيل المملكة في لبنان: «لا نريد منكم الدفاع عنا، نريد منكم مهاجمة خصومنا»... وقد وجدوا ضالتهم اليوم في تولّي الرد على كلام السيد حسن...
حسناً أيها الشجعان. بما أنكم أهل الاستقلال والسيادة والموقف الحر، والكرامة التي ما بعدها كرامة، وأن البطون التي حملتكم هي غير البطون التي حملت الآخرين، وبما أنكم تعتقدون أنكم من مواطني الدرجة الاولى «أيها البيض»، وانه لا يمكن مقارنتكم بمواطني الدرجة الثانية «هوليك اللي ما بعرف منين جايين»... فما عليكم إلا الاستعانة بوليّ نعمتكم، وسيدكم، أبو المنشار ما غيره، وبالتعاون مع شبكة عوكر للدعارة بكل أنواعها، وأن تقرروا مستقبل البلاد... يللا الأمر بأيديكم!
انت يا سيد حسن، شو بيعرفك بإدارة البلاد والمؤسسات، وانت أصلاً شو خصك بالقرار الحر والسيادة والاستقلال، وانت منين لوين بتعرف حق التمثيل وحقوق الناس... انت شو خصك لتحكي أصلاً؟
والله إنك لطويل البال!