رعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في الصرح البطريركي في بكركي اليوم الثاني والأخير من اعمال المنتدى الإقتصادي الإجتماعي الاول لبكركي، في حضور ومشاركة اساقفة الرعايا في بلدان الإنتشار وفعاليات اقتصادية واجتماعية من لبنان وبلاد الإغتراب.
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حضر بصفة ضيف شرف: "منذ العام 2015، نواجه حملات ترتكز في جزء كبير منها على واقع يعيشه لبنان سياسيا واقتصاديا. كما ان هذه الحملات ترتبط ايضا، بشكل او باخر، بالقرار المتخذ للتصويت على قانون في الولايات المتحدة لمكافحة تمويل حزب الله عالميا. واعتقد انه انطلاقا من هذا القانون، حصل تغيير في التعاطي مع لبنان ان كان ماليا او نقديا، واختلفت القواعد التي كان لبنان يعمل على اساسها ما قبل هذا القانون. وبات هناك اهتمام اكبر بالاعلام، إما الدولي او في المنطقة، والذي عندما تكون هناك مفاصل اساسية نجد انه تنشر تحليلات وتقارير، وحتى تنظم حملات، عن الوضع الاقتصادي والاستقرار النقدي في لبنان".
وتابع: "نحن في لبنان لدينا داخليا معطيات تساعد على هذا الامر. فالواضح ان عجز الموازنة الذي يعلن عنه مرتفع اكثر من امكانات لبنان، يضاف اليه عجز اخر مهم ايضا وهو ذاك الناتج عن الاستيراد اي العجز في الحساب الجاري. هذان العجزان المزدوجان يفرضان ضغطا دائما على معدلات الفوائد وعلى امكانات التمويل الداخلة. فعجز المالية العامة الذي ارتفع بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب يجب ان تموله الدولة، لكن تمويله بات اكثر تكلفة وخصوصا ان الفوائد عالميا ارتفعت، وواكبتها معدلات الفوائد في لبنان ولكن بمستوى اعلى، بمعنى ان الحاجات الموجودة لتمويل الدولة باتت اكبر بكثير. فالاموال تتوجه الى الخارج لاننا نستورد بما قيمته مليار دولار ولا نصدر الا بملياري دولار فقط. وبالتالي فان معظم الاموال الموجودة او تلك التي تتحقق من الاقتصاد اللبناني تخرج من لبنان لتمويل متطلبات الاستيراد".
واضاف سلامة: "هذه الوقائع تتطلب ان تكون هناك حركة اصلاحية تسهم في تصغير حجم القطاع العام الذي بات عبئا كبيرا على الاقتصاد، وتخلق ثقة من خلال هذه الاصلاحات لجذب الاستثمارات. وفق الارقام، فاننا خلال السنوات الاربع اصبح العجز المتراكم للدولة يناهز ال20 مليار دولار. اي انها اموال اضطرت الدولة الى ان تنفق اكثر من ايراداتها بهذا المبلغ. وفي المقابل، لم يزد الناتج المحلي الا بقيمة 4 مليارات دولار فقط. بمعنى اخر اننا ضخينا مبلغ 20 مليار دولار في الاقتصاد ولم يعط نتيجة في الناتج المحلي لكي يتعدى الـ4 مليارات دولار. اي اننا لم نستطع ان نسجل العجز الذي يمكن ان يخلق استثمارات وفرص عمل بل هو في معظمه عجز يصب في الهدر".
وقال سلامة: "امام هذه الصورة، فان مصرف لبنان، ومن ضمن ما يسمح به القانون، اتخذ خيارات واضحة للمحافظة على الاستقرار النقدي بحيث يبقى لدينا مخزون من المال نحركه بشكل حر وطلق من خلال احترام القوانين الدولية وذلك ريثما نصل الى مكان تصبح هناك امكانية للاستثمار. ولتحقيق هذه الاهداف، كان مصرف لبنان واقعيا جدا. نحن نعترف ان الاقتصاد اللبناني مدولر، وهذا يعني ان الاولوية في سياستنا النقدية ستكون استقطاب الدولارات نحو لبنان، فاذا لم تكن هناك كميات وافرة من الدولارات في لبنان لن يكون هناك اقتصاد في لبنان. فـ75 في المئة من العمليات التي تتم في لبنان هي بالدولار. ولاستقطاب الدولارات هناك اسس يجب ان نعمل عليها وهي، اولا المحافظة على الثقة. والحجر الزاوية للمحافظة على هذه الثقة هو استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية واحترام توجه السوق في تحديد معدلات الفوائد. فالفوائد، كما ذكرت، ارتفعت عالميا وفي لبنان لكن بنسبة اكبر من تلك التي ارتفعت فيها عالميا نظرا للمخاطر التي يعيشها وللازمات السياسية التي يمر بها. هذه المخاطر لها علاقة بالوضع في المنطقة فيما الازمات السياسية تترجم في التأخير بتشكيل الحكومة".
وتابع: "ان الاقتصاد بشكل عام يتأثر بالفوائد، ولكن هذا التأثر يبقى محدودا. بمعنى أن هناك عناصر اخرى مهمة كتوافر السيولة ونوعيتها، والمناخ السياسي، والاستقرار في القوانين، وضبط العجز العام لتعزيز الثقة لدى المستثمرين. كلها عناصر توازي اهميتها اهمية الفوائد. لذا، اذا أردنا أن نحقق نموا اقتصاديا لا يجب أن ننظر الى مستوى الفوائد فقط. كذلك، فان المنطقة تعاني اليوم. فالنمو في منطقة افريقيا الشرق الاوسط العام 2018 هو في حدود 2 في المئة. وفي لبنان، فان النمو قريب من نسبة الـ2 في المئة وذلك رغم أن فوائدنا مرتفعة اكثر، وذلك لاننا حافظنا على عنصر الثقة. ولكن اقتصادنا قادر على النمو بشكل اكبر، لو توافر الاستقرار السياسي".
وعرض سلامة لأمثلة عن محدودية الفوائد على النمو، لافتا الى انه "في مصر تراوح معدلات الفائدة بين 18 و20 في المئة اليوم، لكن الاقتصاد المصري يحقق نموا اعلى مما يحققه لبنان او في الدول العربية الاخرى، فهو يصل الى حدود الـ5.5 في المئة. واذا اخذنا ايضا دولا اهم من لبنان كانلكترا مثلا، فان الفوائد فيها هي صفر ولكن المشكلات السياسية وما نتج عن بريكست تجعل الاقتصاد يتراجع ولا ينمو. هذا لاقول ان الفائدة ليست دائما هي الاساس للاقتصاد، وانه لا يجب ان نربط النمو في الاقتصاد بمستوى الفوائد، او ان نقول انه يجب خفض مستوى الفوائد لكي ينمو الاقتصاد".
وتابع: "بما ان الاقتصاد اللبناني مدولر، فهو لا يستفيد ابدا من خفض قيمة الليرة، لذلك نحن متمسكون بهذا الاستقرار. فالاستقرار في سعر صرف الليرة يعطي ثقة لوضعنا المالي والاقتصادي، كما يؤمن مدخولا لمن يملك اموالا بالليرة. واذا نحن خفضنا سعر صرف الليرة، كما يقول البعض، فان الاقتصاد اللبناني لن يستفيد ابدا، لانه مدولر وأي خفض سيسبب زيادةً في التضخم وفي معدلات الفوائد والأجور، ويفضي إلى نتيجة واحدة هي فقدان الثقة والركود الاقتصادي. كما ستكون عواقبها مؤلمة جدا. فلننظر الى ما حصل في تركيا اخيرا من انخفاض سعر صرف عملتها وهو ما تسبب بزيادة التضخم ومعدلات الفوائد إلى 25 في المئة، وبتراجع النمو الاقتصادي. كما خفضت الوكالات الدولية تصنيف تركيا، إذ اعتبرت ان انخفاض العملة يزيد من صعوبة استقطاب الرساميل الأجنبية إلى تركيا".
ورأى سلامة: "اننا مرتاحون الى الاستقرار في سعر صرف الليرة وبالنموذج اللبناني القاضي بالحفاظ على ثبات سعر صرف الليرة، والذي يستخدم الدولارات المؤمنة بفضل الثقة ولا يعتمد النموذج اللبناني على عائدات الموارد الوطنية باعتبار أن لبنان ليس لديه موارد من المواد الأولية، وليس لديه دولارات محصلة من الصادرات.
لقد اقرض القطاع المصرفي القطاع الخاص بما يساوي 60 مليار دولار وهذا يشكل حجما اكبر من حجم الاقتصاد اللبناني البالغ 45 مليار دولار. يقال ان اموال المصارف تذهب الى تمويل الدولة، فهذا الرقم يظهر ان جزءا منها يذهب الى تمويل الدولة ولكن معظم هذه الاموال موضوعة في سوق التسليف في لبنان. فنحن، ومن خلال الهندسات المالية التي قمنا بها، استطعنا ان نستقطب الاموال وهي افادت الاقتصاد، وسنتابع بهذه السياسات التي تعطينا النتائج المطلوبة".
واردف: "ان الفوائد في لبنان ستظل مرتفعة لا سيما أن زيادة الأجور في القطاع العام وارتفاع أسعار النفط دفعت بالتضخم إلى أكثر من 7%. والمخاطر التي نواجهها، سياسية كانت أم مالية، تتطلب ان نحترم ارادة السوق. واليوم السوق تتطلب فوائد. ولكن هنا ايضا ان اوضح بعض النقاط: ان معدلات الفوائد في لبنان اليوم أعلى ممّا كانت عليه منذ سنة. في تشرين الثاني 2017، عمد مصرف لبنان إلى رفع الفوائد بسبب الأزمة السياسية التي ولّدتها استقالة دولة الرئيس سعد الحريري أثناء تواجده في المملكة السعودية. كان رفع الفوائد ضروريا آنذاك في ظلّ ضغوط السوق. تحمّلنا حينها تكلفة زيادة الفوائد للمودعين وتأكدنا أن المودع وليس المصرف، هو المستفيد من هذه الزيادات. بعدها، خلال سنة 2018، ارتفعت معدلات الفوائد في الولايات المتحدة وفي الأسواق الناشئة. ولجأ مصرف لبنان الى عمليات مالية من شأنها أن تصون قدرة المصارف اللبنانية التنافسية على استقطاب الرساميل. هذه العمليات المالية بقيت محدودة ولم تشمل أكثر من 1% من مجموع الودائع في لبنان. لذا فان معدل الفوائد على الودائع المصرفية هو 4.7% على الودائع بالدولار و7.65% على الودائع بالليرة. أما الفوائد على القروض فبلغت 8.12% +1/2 % على الدولار على سنة و9,13 % + 1% على الليرة على سنة، وهي فوائد ادنى من الفائدة المرجعية لجمعية المصارف بسبب تأثير الفوائد المدعومة من مصرف لبنان. وبالتالي ان على الموازنة والاقتصاد ان تتأقلم مع واقع عدم خفض الفوائد".
وتابع سلامة: "ان القطاع المصرفي في لبنان متين، ونحن عملنا مع المصارف على ان يكون لدينا قطاع مستوف لكل الشروط المطلوبة دوليا وايضا ان يتمتع بملاءة وان يحترم القواعد الدولية. لان هذا القطاع اليوم بات يمثل نحو اربع مرات حجم الاقتصاد وصار ايضا هو قطاع يخدم اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين. ونحن ملتزمون السياسة نفسها في منع حصول اي افلاس في القطاع المصرفي، ومن يواجه اي مشكلة لدينا قوانين تسمح لنا بالمساعدة على دمجه مع مصرف اخر قادر. كما ان تطبيق المعايير الدولية وخصوصا الـIFRS9 تم والمصارف اللبنانية مستوفية كل الشروط المطلوبة. كما تتمتع بنسبة ملاءة مرتفعة بحيث تعدت الـ 15 في المئة بالنسبة الى مقررات بازل 3. وهذه الملاءة من اعلى المستويات الموجودة عالميا. كما ان لبنان طور نظام امتثال يساعدنا على تطبيق العقوبات التي نحن ملتزمون بتطبيقها. لقد بات لبنان مستوفيا كل شروط الامتثال ولدينا كل القوانين لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وهذا باعتراف دولي. وعلاقتنا جيدة مع كل الجهات الخارجية وهذا الامر اساسي لان لبنان بلد يعيش على التحويلات والتجارة وسهولة التحويلات اساسية للاقتصاد اللبناني".
وختم سلامة: "اليوم عالميا، هناك تسع مصارف تنفذ كل التحويلات الدولية، فاذا لم تكن المصارف اللبنانية قادرة على ان تتواصل مع احد هذه المصارف فعملها سيتوقف في بيروت. ولذا المصرف المركزي كان دائما حريصا على احترام القوانين الدولية والتوصل الدائم مع السلطات في الخارج وحض جمعية المصارف الى التواصل مع هذه المصارف الكبيرة في الخارج، وهذه الخطة نجحت. فليس لدينا في لبنان اي مصرف واجه صعوبات في تحويلاته الى الخارج وهذا امر ليس سهلا في دول اخرى افريقية او شرق اوسطية. فنأمل ان تتشكل حكومة تدخل على مشروع اصلاحات لخفض حجم القطاع العام وخفض العجز بعامة، وان يكون هناك بداية تطبيق لمقررات مؤتمر سيدر التي نعلم جميعا ان نتائجه لن تكون سريعة، ولكن بداية تطبيقه تمنح ثقة للسوق. ونحن نؤكد دوما ان مصرف لبنان يملك الامكانات وهو يريد استمرار الاستقرار حتى نصل الى ان تصبح الدولة في مكان قادرة على القيام بما يفيد الاقتصاد وسوق التوظيف".