بخطاب واضح ومباشر لا يحتمل التأويلات ، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله موقف الحزب النهائي من العقدة السنية ( سنة ٨ آذار ) ، إذ شدّد على وقوف الحزب مع هؤلاء حتى يوم القيامة .
وقد حاول نصر الله الإلتفاف على " الخطأ التكتيكي " الذي إرتكبه الحزب في مفاوضات تشكيل الحكومة عندما لم يُعلن على الملأ مطالبته بتوزير سنة ٨ آذار مسبقاً ، فحاول إستعادة المبادرة وفرض الشروط بل رفعها وأعاد تعويم هذه المجموعة داخل طائفتها وفي لبنان ، بعد أن وضعها في مقام المفاوض الأول والند للرئيس سعد الحريري ، فباتت المعادلة ببساطة متوقفة على قرار من هؤلاء ، لتشكيل أو عدم تشكيل الحكومة .
بالطبع ، إن هؤلاء ما كان لأحد أن يشعر بوجودهم لولا ثقل حزب الله السياسي ، لكن قرار الحزب الأخير في إشراكهم مباشرة بالمفاوضات سيُعقّد الأمور أكثر .
والسيناريوهات المطروحة حالياً عديدة ، منها ما يُوحي بالتفاؤل ، إذ يرى البعض أن خطوة حزب الله هذه ستمهد لنهاية مشرّفة لهذه العقدة عبر بيع هؤلاء الحريري موقفاً بالقبول بعدم التوزير بعد أن يجلس رئيس الحكومة معهم ، ويتفاوض معهم ، فيخرجون بموقف يقولون فيه أنهم تراجعوا عن مطلبهم بالتوزير لتسهيل عملية تشكيل الحكومة ولإنقاذ الوضع الإقتصادي وغيرها من الأمور المعتادة في لبنان لتسوية أي ملف سياسي .
وإن كان البعض يرى هذا الأمر مستبعداً ، فيذهب إلى سيناريوهات صعبة ، سبق أن تحدّث الحريري عنها .
فعندما بدأ الحديث في البلد عن توزير سنة ٨ آذار ، قال الحريري بأنّه" في حال الإصرار على ذلك فليبحثوا عن غيري ليُشكّل الحكومة "، وذهب الحريري بهذه المعادلة إلى أقصى ما يمكن .
بل إن الحريري ولأسباب عديدة ، تعامل مع هذا المطلب بلامبالاة وتجاهله تماماً ولم يكن يعتقد أن الحزب جادّ في ذلك .
لكن تبيّن بعد حلّ عقدة القوات اللبنانية أن حزب الله جادّ في هذا المطلب وهو مستعد للمحاربة من أجله .
إقرأ أيضا : السيد نصرالله: سنقف إلى جانب مطلب النواب السنة المستقلين حتى قيام الساعة
هنا أصبح الحريري أمام المعادلة التي سبق أن وضعها هو نفسه ، وهي التخلّي عن مهمة تشكيل الحكومة ، لكن ما يمنعه حتى الآن عدة أمور .
الأمر الأول أن الحريري تلقّى جرعة دعم غير متوقعة من رئيس الجمهورية ميشال عون ، إذ عبّر عون بوضوح عن رفضه لتوزير هؤلاء .
والأمر الثاني إدراك الحريري أن الحفاظ على مشروعه السياسي والحد الأدنى من ما تبقى من مكتسبات له في البلد متوقف اليوم على التسوية الرئاسية وبقائه في السلطة ، بل إن نتائج الإنتخابات أكدت له قناعة راسخة بأنه في الطائفة السنية اليوم لم يعد الأوحد وإن كانت زعامته لا زالت الأولى .
لذلك يضع البعض معادلة الحريري السابقة في خانة الإجراء التحذيري فقط لا غير ، وأنه حقاً كان مقتنعاً بأن حزب الله غير جاد في هذا الطلب وصُدِم بعدها .
إلى هنا الأمور لا زالت تحت السيطرة ، لكن لقاء الوزير جبران باسيل بالسيد حسن نصر الله وخطاب الأخير التصعيدي قد يجعل الحريري يقلب الطاولة على رأس الجميع .
فقد صدرت تلميحات من باسيل في لقاء هيئة الصيادلة في التيار عن ضرورة عدم إحتكار أي طرف لتمثيل طائفته ، وأشارت مصادر لقناة الجديد عن وجود حل بيد باسيل لتقريب وجهات النظر بين الجانبين السني والشيعي .
لكن هذا الحل إن وُجد ، مرفوض حكماً من الحريري في حال تضمن مشاركة سنة ٨ آذار لأنه ببساطة شبه إنتحار له سُنيّاً ، ما قد يزيد التعقيدات ويرفع حدّة الهواجس لديه.
أما خطاب نصر الله الحاسم ، فقد وضع الحريري أمام خيارات صعبة ومرّة ، إما التفاوض مع سنة ٨ آذار لتوزيرهم فتنتصر إرادة حزب الله أو يتفاوض معهم ويقنعهم بالتراجع عن مطلبهم فيكون قد إعترف بحيثيتهم لكنه حقّق مراده مقابل شروط لا أحد يعلم ماهيتها ، أو الذهاب بخيار توزير شخصية سنية تُرضي الطرفين وغير محسوبة على أحد منهما ، أو يُعيد الحريري عقارب الساعة إلى الوراء ، فيقدّم إستقالته ، مُستفيداً من معطيات إقليمية ودولية حصل عليها من دول القرار وتوفّرت له في لقاءاته الحالية في فرنسا .
خيارات صعبة تُواجه الحريري ، وأحلاها مرّ ، وإن كان حزب الله لا زال حريصاً في الظاهر أقله على الإبقاء على الحريري ، فإن إستقالته وإعادة تكليفه من جديد ليس خياراً مناسباً للحريري أيضاً ، لأن التواضع الذي تكلّم عنه نصر الله بحسبه ، سيتخلّى عنه وستبدأ مفاوضات جديدة وبمعايير جديدة ، ومن أجل ذلك ربما أشار نصر الله في خطابه لهذا الموضوع لقطع الطريق على الحريري كي لا يذهب بهكذا خيارات .
الكل بإنتظار ما سيُعلنه الحريري لدى عودته من باريس للرد على خطاب نصر الله ، وحينها ستتضح الأمور أكثر .