لم تتوفّر لدى جوزفين الإمكانات المادية التي تسمح لها بترميم ثدييها، في ظلّ عدم اعتراف ايّ من الجهات الضامنة بأنّ هذا الترميم هو جزء من العلاج. بعد مرور عقد على هذه القصة، تحقق حلم جوزفين ورمّمت ثدييها، وتحسّن وضعها النفسي وعادت ثقتها في نفسها.
جوزفين أخبرت «الجمهورية» قصتها قائلةً: «دخلت الى غرفة العمليات وأنا على ثقة اني لا اعاني من السرطان، لأخرج بعد ساعات وأُصدم بأنني اصبحت دون ثدي. الجميع كانوا حولي، أمي وأختي والعائلة، وكانوا يحاولون التخفيف عني دون نتيجة فأُصبت بحال من الاكتئاب الشديد، وكان وضعي سيّئاً جدّاً في الفترة الاولى، ولكن مع مرور الوقت اقتنعتُ «بيلي ربّي عطاني ياه».
عدتُ «أنثى طبيعية»
10 سنوات مرّت على هذه الحادثة، ورغم محاولة هذه المرأة التعايش مع وضعها، الّا أنها لم تفقد أمل ترميم ثديها، الى حين تحقّق حلمها!
تخبر جوزفين: «علمت أنّ وزارة الصحة بالتعاون مع مستشفى رزق يقومان باستقبال ومساعدة بعض الناجيات من سرطان الثدي في نهاية شهر تشرين الاول، فقلت «بجرّب حظّي»، وهكذا صار. تقدّمت بالطلب فاتّصلوا بي لاحقاً وأخبروني أنه تمّ قبولي».
أيام قليلة مرّت على خضوعها لعملية الترميم، وكانت كفيلة بإعادة الأمل لها في الحياة وتحسين وضعها النفسي، ورؤية نفسها «كل يوم احلى من يوم» على حدّ تعبيرها، وقالت: «لا أصدّق أنّني عدتُ امرأةً «طبيعية»، يمكنني أن ارتدي الثياب التي اريدها وأن اقف امام المرآة كأيّ أنثى، حتّى إنّه اليوم لديّ موعد مع الطبيب، ومتحمّسة جدّاً لهذه الزيارة وأريد أن اعرف ماذا سيقول لي، خصوصاً متى يمكنني معاودة العمل في البيت كأيّ ربة منزل».
عملية ترميم الثدي بعد الاستئصال ضرورية جدّاً، وليست صعبة بل يمكن إنجازُها تزامناً مع الاستئصال، ولمعرفة تفاصيل هذه الخطوة حاورت «الجمهورية» جرّاحَ الترميم والتجميل الذي عالج جوزفين الدكتور شادي المرّ الذي شدّد على ضرورة «الترميم خلال العملية نفسها المخصّصة للاستئصال. ولكن هناك أطباء ينصحون المريضة بالانتهاء من علاجاتها الكيميائية والشعاعية لتقوم بعدها بالترميم، إلّا أنّ هذه الخطوة خاطئة، لاسيما أنّه لا يؤثر على صحة المرأة ولا يسبّب لها أيّ مضاعفات أو عوارض جانبية، بل على العكس يحسّن من وضعها النفسي».
نفخ البالون
وسائل عدّة يمكن اللجوء اليها في عملية ترميم الثدي، إلّا أنّ أكثرها شيوعاً وانتشاراً هي وضعُ ما يُعرف بالـ«البالون». ويشير اليها د. المرّ قائلاً: «عند الاستئصال والتخلّص من الجلد والعظم والعضل، نضع شيئاً شبيهاً بالبروتيز، ويُعرَف بالبالون، وتخرج المريضة من المستشفى دون ثدّي. بعد اسبوعين تعود الينا لنبدأ بنفخ هذا البالون من خلال وضع الماء داخله. تهدف هذه الطريقة الى ضغط الجلد لتكوين آخر جديد. في المقابل، إذا كانت الناجية قد أنهت علاجاتها بالكامل يستمرّ نفخُ البالون لمدّة 6 اشهر، نقوم بعدها بإزالته ويكون قد أصبح لدينا جلد وغلاف جديد ما يمكننا من وضع البروتيز.
وتجدر الاشارة، الى أنّه لا يجب وضعُ البروتيز مباشرةً بعد الاستصال لأنّ الغلاف والجلد لا يكونان جاهزين لهذه الخطوة. أمّا في ما يخص ترميم الحَلَمة فهذه االخطوة الاخيرة التي نقوم بها، ويتمّ استخراج الجلد من فخذ المريضة نفسها ونزرعها في الثدي لتكوين شكل حلمة دون إحساس فيها طبعاً».
تقصيرٌ بحق الناجية اللبنانية
حملات التوعية والتصوير الشعاعي المجاني لسرطان الثدي لا يكفيان المرأة المصابة والتي سيتمّ استئصالُ ثدييها، لا سيما في ما يخصّ صحتها النفسية، وبحسب د. المرّ «من غير المقبول في الـ2018 أن تكمل امرأةٌ حياتها دون ثدي بعد معاناتها من السرطان، فنحن نقوم بالترميم حتّى للمرأة في عمر الـ75 لما في ذلك أهمّية على استقرارها النفسي، فكيف إذا كانت شابة في عمر الـ35؟
في بلدنا لا تعترف شركات التأمين او وزارة الصحة او الجهات الضامنة بكلفة الترميم، ويعتبرونها تجميلية ويرفضون تغطيتها، وهذا الامر يُعتبر تقصيراً بحقّ المرأة اللبنانية لانّ المصابة لم تختر تكبير أو رفع ثديها بهدف التجميل، بل هي مضطرة إثر المرض، والفرق كبير جدّاً بين هاتين المعادلتين. في هذا الاطار، نحن نحاول القيام ببعض حملات التوعية لأنّ من الواجب تغطية هذا النوع من العمليات، ففي جميع دول العالم يؤمّنون للمصابات العلاج بدءاً من الصور الشعاعية مروراً بالاستصال والترميم وبعدها العلاج الفيزيائي والمتابعة النفسية».
«لا تفعلي مثلي»
عقد من الزمن مرّ وجوزفين دون ثدي، لحظات كثيرة من الألم رافقتها، حالات اكتئاب مختلفة واجهتها، إلّا أنّ جوزفين هذا الأسبوع لا تشبه جوزفين الأسبوع الماضي، في صوتها غصة فرح وقوة، ناشدت فيه عَبرَنا اللبنانيات الناجيات من سرطان الثدي: «أعلم أنني لستُ الوحيدة التي عانت من هذه المشكلة، ولكن يهمني أن أقول لكل امرأة او شابة، إبقي قوية وتمسّكي بالحياة لا سيما امام عائلتك وأولادك، وكوني قدوة لهم. لا تيأسي أبداً لو لم تتوفّر لديك الإمكانات المادّية، حاولي بجميع الطرق تأمينها، اطرقي باب جميع الجمعيات والجهات المعنية في هذا الموضوع فهذا حقكِ في الترميم. لا تفعلي مثلي وتنتظري 10 سنوات، لاّنّ لهذا الموضوع آثاراً سلبية جداً على نفسيّتك، وأعلم ما اقوله، فعلاً صدقّي أنا اليوم لا أشبه نفسي في الأمس، وأشعر أنني «بنت 20» بكامل أنوثتها».
مع انتهاء شهر تشرين الأول المخصّص للتوعية ضد سرطان الثدي، كان لا بدّ من تسليط الضوء على أهمّية تطوير السياسات الطبّية المعتمَدة للاعتراف بالترميم على أنه جزءٌ لا يتجزّأ من العلاج، لما في ذلك من ايجابيات مختلفة على صحة الناجية النفسية. واخيراً، مع بداية تشرين الثاني المخصّص لصحة الرجال لا سيما البروستات، لا تهملوا أيها الرجال أهمّية الكشف المبكر!