مع انقضاء العام الثاني من عهد الرئيس ميشال عون وانقضاء الآمال معه في القدرة على تأليف الحكومة بعد حلّ العقدة المسيحية، تُجمع الأكثرية حالياً على أنّ مسألة التأليف باتت في غيبوبة عميقة أو كوما حيث لا يزال لبنان - ورغم تعلعله المرضيّ الجدي - قادراً بحدّ أدنى على التنفّس والحياة بقدرة إلهية.
إذاً العقدة المسيحية انتهت والعقدة السنّية استجدّت لأسباب في نفس يعقوب...
ولو اعتبرت فئة سياسية في البلد أنّ يعقوب هذه المرة هو «حزب الله»، على اعتبار أنّ الأخير توقّع أن يطول أمد التأليف من زاوية التشابك بين الاطراف المسيحيين لجهة توزيع الحصص الوزارية، وبذلك كان قادراً على تغطية هدفه بعدم تأليف الحكومة قريباً دون أن يكون في الواجهة أو طرفاً معرقلاً. أما أن يتفاجأ الحزب بحلّ العقدة المسيحية بين ليلة وضحاها ، فهذا ما لم يكن في حسبانه.
لذلك - وبحسب جهة سياسية مطّلعة - اضطُر أن يبتدع عقدة أخرى سُمّيت «العقدة السنّية» جاء وقعُها ثقيلاً على الرئيس المكلف سعد الحريري وصاعقاً صادماً على حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون.
عون وفي ردّة فعله السريعة إزاء «ابتداع» عقدة توزير سنّة 8 آذار، انتقد موقف «حزب الله» علناً لأنّ آخر ما كان يتصوّره - بحسب كواليسه - هو أن يكون «حزب الله» تحديداً المعرقل المستجدّ في عملية ولادة الحكومة وفي الذكرى الثانية من عهده، بذريعة أنه يعرف تماماً أنها غيرُ جدّية وأساسية بالنسبة للحزب.
لم يكن رئيس الجمهورية وحده المصدوم من أداء «حزب الله» المفاجئ الذي سُرّب عنه أنه لم يُطلع عون على مخططاته، إنما الحزب، بحسب بعض التسريبات، لم يتوقع بتاتاً من عون تبنّي موقف الحريري علناً، وبالتالي تقويته بدل إضعافه للوصول الى قبوله توزير سنّة 8 آذار...
هذا لو افترضنا أنّ الحزب منهمك فعلاً في توزيع عادل لحصص السنّة غير المنضوين تحت لواء وجناح وسياسة الزعيم السنّي الأكبر سعد الحريري.
علماً أنّ الكلام غير المباح يؤشر الى أنّ الحزب يتّبع بوصلة الأجندة الإيرانية ومستجداتها الضاغطة أميركياً وإسرائيلياً، والتي تشير الى ضرورة التريّث في التأليف الحكومي، لربما يساهم ذلك في استخدام هذا الاستحقاق كورقة رابحة للضغط من قبلها، إذ لم تعد خافية على أحد وطأة العقوبات الأميركية على إيران والثقيلة جداً وقد انطلقت في جولتها الجديدة منذ أيام، كذلك التهديدات الاسرائيلية المتواصلة بضربة عسكرية للبنان بسبب وجود مصانع صواريخ على أرضه يقيمها «حزب الله» بدعم من إيران قد تكون مفاعيلها كارثية في ظلّ وضع اقتصادي لبناني معدوم وعلى شفير الهاوية.
لذلك يرى حزب الله - بحسب المصدر نفسه - أهمية استخدام ورقته السياسية اللبنانية التي من المفترض أنها رابحة، فجاءت حساباته الفورية على شكل «عقدة سنّية» تُعثّر ولادة الحكومة في المدى المنظور.
لكنّ السؤال الاهم المطروح حالياً من قبل بعض حلفاء وأخصام الحزب على حدٍّ سواء، هل يتحمّل «حزب الله» في سياسته اللبنانية الداخلية وفي هذا التوقيت بالذات، أن يبدو بمظهر المعرقل لولادة الحكومة لاعتبارات خارجية ويخسر كذلك ولو بالشكل، الغطاء الرسمي لموقفه من توزير سنّة 8 آذار من قبل الرئيس ميشال عون؟
منهم مَن يجزم أنّ الحزب لا يستطيع أبداً أن يذهب بعيداً في موقفه ويتحمّل مباشرة مسؤولية الفراغ واحتمال إعادة الصدام السنّي الشيعي الى الواجهة، وبالتالي خرق الاستقرار الذي يعتبره أولوية، خصوصا أنّ تسونامي الخارج يكفيه حالياً ولا يمكن مواجهته إلّا بأمن وأمان سياسيّين داخليّين...
لذا وانطلاقاً من كل ما ذكر، يُتوقع، وأكثر من أيّ وقت مضى، خلافاً لمَن اعتبروا أنّ تأليف الحكومة بات في غيبوبة عميقة، أن تبدأ العقدة السنّية بالتفتّت قريباً بذرائع نجهلها حتى الآن ولن تكون صعبة على «حزب الله»، ليصار الى ولادة الحكومة في وقت ليس ببعيد وربما أقرب من أيّ وقت مضى، على خلفية أنّ «الطبخة استوت عالآخر ورح تِخرب قبل ما تنشال من الطنجرة».
(كارن عابد)