يدل فرض العقوبات الأميركية على إيران والتي بدأت حزمتها الثانية بالتنفيذ الإثنين الماضي، على أن المسألة الوحيدة الواضحة في سياسة الرئيس دونالد ترامب هي الموقف الإستراتيجي من إيران، في حين أن سياساته الأخرى حيال ملفات المنطقة لا تزال غير واضحة تماماً.
ترامب أخرج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، لأنه لم يقتنع بأن ما ورد في هذا الإتفاق سيوقف إيران عن إنتاج القنبلة الذرية نهائياً، كما تبين له أن الاتفاق لم يؤد إلى إيجابية إيرانية في السلوك مع ملفات المنطقة، لا بل أن إيران استفادت من الإتفاق والإنفتاح الغربي عليها ومن الأموال التي أفرج لها عنها في المصارف الغربية، لتعزيز نفوذها ونفوذ حلفائها في المنطقة. كما أنها لم تقم بوقف إنتاج وتشغيل الصواريخ البالستية، مع أن هناك قراراً عن مجلس الأمن بوقف هذه الأنشطة.
وتفيد مصادر ديبلوماسية غربية بأن ترامب يعتبر أن سلفه باراك اوباما أخطأ في توقيع النووي، وأن إيران كادت تسيطر على الشرق الأوسط خلال عهد اوباما.
وتلفت المصادر، إلى أن واشنطن تراقب تأثير العقوبات التي تعتبر الأقسى، كما تراقب ردة الفعل الإيرانية. وهناك ثلاثة إحتمالات، إما أن توافق إيران على التفاوض مع الولايات المتحدة حول إتفاق نووي جديد، وحول الصواريخ البالستية، وحول نفوذها وسلوكها في المنطقة، أي أن ترضخ للشروط الأميركية، لأنه في النهاية أن هدف العقوبات هو الجلوس إلى طاولة التفاوض بالشروط الأميركية.
وهذا المنحى إذا اتخذ يعني أن الضغط الإقتصادي الهائل كان مفيداً بالنسبة إلى واشنطن، لأن إيران تعتبر أن النظام أهم شيء ويجب الحفاظ عليه، لذا تلجأ إيران إلى طاولة التفاوض. وهذه الطاولة لن تقتصر فقط في بنودها على المواضيع المتصلة بإيران، بل أيضاً "حزب الله"، والحوثيون والحشد الشعبي. ستضع إيران الأمور في الميزان، فإما تنجح في العناد، وإما ينهار النظام. وواشنطن لن تقولها مباشرة بأنها تريد تغيير النظام. وإما أن تعمد إيران إلى التصعيد في ملفات المنطقة عبر حلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وهذا المنحى إذا إتخذ يعني أن إيران تستطيع الصمود أمام العقوبات، مع إستبعاد تغيير سلوكها لأن سلوكها هو جزء من النظام ومن تكوينها، ولا يمكنها أن تبرر بالمنطق الثوري والممانعة ما يمكن أن تقوم به لتليين موقفها والذهاب في إتجاه ما تطلبه واشنطن. والامر أيضاً مرتبط بالمدى الذي يذهب إليه الأميركيون في عقوباتهم وتحقيق اهدافهم ومرحلة التصعيد لديها قد لا تمتد لأكثر من ستة أشهر وهي فترة الإستثناءات للدول الثماني بالنسبة إلى إستيراد النفط.
والإحتمال الثالث، هو إنهيار الإقتصاد الإيراني، وما قد يستتبعه من انعكاسات سياسية. الإنهيار بدأ لكن من غير الواضح معرفة الوقت الذي سيستغرقه ليكون كاملاً. التصريحات الإيرانية تحاول العمل لعدم إستغلال العقوبات من الشعب لكي لا ينقلب على النظام ولضمان توحيد موقفه مع المسؤولين، حتى الآن لا يوجد مناخ إيراني ليّن، بل على العكس هناك تصلب ومحاولات للخربطة في ملفات المنطقة، وستسعى إيران لإيجاد طريقة للإلتفاف على العقوبات. لكن السؤال متى لحظة الإنهيار؟ وتسأل المصادر أيضاً، إلى أي مدى تستفيد إيران من أي إنزلاق للوضع في الجنوب؟ إيران لا يمكنها أن تعوض بالأموال وهي محاطة بالعقوبات. وتسأل كذلك متى موعد الحوار الأميركي - الإيراني؟ إنه سؤال مطروح منذ ثلاثين عاماً ولا جواب عليه. وعلى الايرانيين أن يحددوا ما هي اولوياتهم، هل النفوذ في المنطقة أم الخوف على ما يتهدد النظام؟ إذا كانت الأولوية الخوف على النظام، فاللجوء إلى الحوار يصبح حتمياً.
هناك ١٢ بنداً من الشروط الأميركية على إيران أن تتفاوض حولها مع واشنطن. وهي متعلقة بالنووي والبالستي وبنفوذها في المنطقة ونفوذ حلفائها من الميليشيات التي انفقت عليها نحو ١٦ مليار دولار منذ العام ٢٠١٢ حتى الآن، منها ٧٠٠ مليون دولار إلى "حزب الله" سنوياً. ونتائج الإنتخابات النصفية الأميركية لن تؤثر على إلتزام واشنطن تطبيقها بالكامل، لأن موضوع إيران ليس خلافيا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل إن الحزبين لهما النظرة ذاتها إليه.