قبل البدء، يجب أن نعرّف كلمة «الشجاعة»، فالشجاعة هي الأداة التي يستعملها أيُّ كائن، حيواناً كان أم إنساناً، لكسر الخوف الذي في داخله وتخطّي كل ما تعلّمه (عادةً من جرّاء أقوال وأفعال الآخرين) للوصول إلى ما يريده، نتيجة غرائزه وأفكاره وثقافته. فلولا الشجاعة لما جَرُؤَ الإنسان للذهاب إلى الصيد، ومحاولة إضرام النار للمرة الأولى. وبعد، لولا الشجاعة لما جَرُؤَ الإنسان على خلق مجتمعات ولا على تجربة الزراعة وانتظار الحصاد. ولولا الشجاعة لما جَرُؤَ الإنسان على تنظيم وتطوير هذه المجتمعات عبر خلق فكرة الأديان. ايضاً، لولا الشجاعة لما حدثت الثورة الصناعية، لاحقةً بها الثورة التكنولوجية. فوصلنا إلى درجة من الشجاعة لخلق ذكاء صناعي (Artificial Intelligence) ليصبح أذكى وأسرع من الإنسان على مختلف الصعد وصولاً إلى أخذ مكانه في أمور عدة.
ولكن، هل برأيكم أنّ العالم سليم كما هو عليه اليوم؟ هل ترون أنّ حالة الإنسان وطبيعة نموّه وعيشه سليمة؟ هل تظنّون أنّ النظام العالمي السائد اليوم، والذي أنزل علينا كما لقّمنا تعاليم الأديان، سليم؟ والسؤال الأهم هل هو الأسلم والأكفأ؟ هل تطوّر الإنسان عبر مئات آلاف السنين يتجسّم ويُحَد بنظام رأسمالي بحت، حيث مثلما كنّا في العصور الحجرية، عندما كان القوي يأكل الضعيف والغني يشتري الفقير؟ ألا تظنّون أنّ ما رأيناه وتعلّمناه منذ بداية الكون يمكن أن يوصلنا إلى نظام عالمي أفضل وأعدل ومتقدّم أكثر بكثير ممّا نعيشه اليوم؟
إذا أردنا أن نلخّص النظام العالمي الذي نعيش فيه اليوم، فيلخّص بكل بساطة بالتالي؛ يبدأ الإنسان حياته في مدرسة، فيكون له اسم ورقم لتفريقه عن باقي التلاميذ. ثم يدخل الجامعة، أيضاً وسط مئات وأحياناً آلاف التلاميذ ويكون له ايضاً إسم ورقم لكي يُفرّق عن باقي التلاميذ. بعدها ينطلق الإنسان إلى الحياة العملية ويبدأ باكتشاف صعوبات وتحدّيات الحياة التي لا تُحَل لا عبر الفيزياء ولا الكيمياء ولا الرياضيات. فيُصدَم أنّ كل ما عاشه وتعلّمه خلال سنوات الصبا هو مغاير كلياً عن واقع العالم الخارجي.
وعليه، يبدأ الانسان بالبحث عن وظيفة في إحدى شركات أحد الأغنياء لكسب مبلغ خجول، ولو كان يعرف أنه ضئيل بالنسبة لما يورده هو إلى هذه الشركة الغنية. فبالنسبة إليه هذا المبلغ يخوّله مواجهة صعوبات الحياة. وهنا يجب أن نتوقف عند طريقة التفكير هذه.
فعبر ما سردناه، نرى أنّ الإنسان قَبِلَ الرضوخ اختار هذا الطريق الأسهل والأضمن، و»الصحيح» بنظر المجتمع، رغم قوله إنه لو أُتيحت له الفرصة ولو كان يملك الوقت والمال الكافي ولو جاءته الظروف المناسبة، لبدء عمله الخاص ومهنته المفضلة والتي يحبها، دون الحاجة إلى أحد.
في الواقع، إنّ كل هذه التبريرات هي مجرد وهم داخل عقولنا. فما ينقص الإنسان في هذه الأوقات، هو الشجاعة والجرأة؛ فأين الإنسانية في كل ذلك؟ وأين الفرق بينه وبين الروبوت الذي لا يمكنه كسر المعادلة التي لُقِّحَت فيه وإن أراد خياراً مغايراً وأكثر صواباً من خيار «معادلة السلوك الصحيح»؟
وفي العودة إلى نظرية الأديان، هي التي وُضعت ورُكِبَت ونُظِمَت لتطوير الإنسان وإصلاح المجتمعات والوصول إلى سلام عالمي، تستعمل اليوم من قبل حكّام العالم وهم أصحاب أغنى الشركات، لخلق حروب وفتن لا تنتهي بين الشعوب المختلفة والمتخلِّفة. فالمضحك المبكي أنهم أصابوا ويصيبون وسيصيبون دائماً هذا الهدف علماً أنّ الحرب هي الغاية المعاكسة تماماً وكلياً لهدف الدين الأساسي والأولي ألا وهو السلام.
فإن كان رأيُكم من رأيي وكان عقلي وأفكاري يحاكيان عقولكم وأفكاركم، همّوا إلى التغيير، عبر كسر الخوف الذي في داخلكم وتخطّوا كل ما تعلمتوه عبر الزمن، لكي نصل جميعاً إلى نظام عالمي جديد، يخلو من شوائب، يعود عمره لآلاف السنين إلى الوراء وأوّلها الأديان، ويخلو من إنفاق تريليونات الدولارات سنوياً على أشياء لا تجدي إلّا الى تخلُف الإنسان. نذكر هنا مثلاً وسائل الترفيه، كالملاكمة والمصارعة الحرة وكرة القدم وكرة السلة، حيث يدفع اللاعبون فيها ملايين الدولارات بدلاً من إعطائها للمسعفين ولرجال الإطفاء الذين هم يحافظون على حياة الإنسان فعلياً ويعلموننا معنى الإنسانية والتضحية والأخلاق عبر التطوّع.
وبعد والأجدر بالذكر، ألا وهو صناعة الأسلحة والحروب التي يُنفق عليها أرقام خيالية تصل إلى عشرات تريليونات الدولارات سنوياً في العالم، فقط بهدف قتل الإنسان وتنمية الحقد والكراهية بين البشر، بدلاً من أن تنفق على إبادة الفقر وتطوير الطب والتعليم والوصول الى قاع البحر والوصول الى الفضاء وكواكب أخرى، عَلَّنا نتعلّم أننا لسنا لوحدنا في هذا الكون وأننا لسنا أكثر الكائنات تطوّراً بل مقارنةً بعمر الحياة في هذا الكون نحن برعمٌ قيد النموّ البطيء جداً جداً.
(المحامي فؤاد الشيخة)