كل شيء على علاقة بدونالد ترمب له طعم خاص ، سواء في الفوز أو الخسارة ، فالرجل الذي إستطاع الوصول إلى البيت الأبيض والإنتصار على شخصية سياسية مخضرمة من طراز هيلاري كلينتون ، مُخالفاً في ذلك كل الإحصاءات والإستطلاعات ، يُواجه اليوم مأزق حقيقي كان حدثاً بارزاً في الإنتخابات النصفية الأميركية للكونجرس .
إنتهت الإنتخابات النصفية أخيراً ، وكانت النتائج دليل على الإنقسام الحاد الذي تشهده السياسة الأميركية ومن خلفها المجتمع الأميركي ، لدرجة أن النظام الديمقراطي العددي والأكثري في أميركا لم يحسم بوضوح بالمعنى السياسي من إنتصر ومن خسر في هذه الإنتخابات .
هذا المشهد الإنقسامي ، جعل موقع “Vox” يصف الوضع القائم بأميركا بأنه " حرب أهلية باردة " ، وهي بالحقيقة حرب على أولويات أميركا وطريقة تعاطيها مع ملفات الداخل والخارج .
إقرأ أيضا : هل يفعلها دونالد ترمب ويتخلى عن محمد بن سلمان ؟
وفي النتائج المباشرة للإنتخابات ، إستطاع الحزب الديمقراطي الحصول على ٢٢٥ مقعداً مقابل ١٩٧ مقعد للحزب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي .
أما في مجلس الشيوخ ، فحصل الجمهوريون على ٥١ مقعداً مقابل ٤٦ مقعد للديمقراطيين .
كذلك فاز الجمهوريون ب ٢٦ مركز حاكم ولاية مقابل ٢٣ لخصومهم الديمقراطيين .
هذه النتائج تعطي الأفضلية للديمقراطيين في مجلس النواب مقابل الأفضلية للجمهوريين في مجلس الشيوخ ، وهما مجلسان يشكلان معاً الكونجرس الأميركي .
وبطبيعة الحال ، لا يمكن وصف ما حصل إلا بأنه نصف إنتصار لترمب ، كذلك للديمقراطيين ، لكن هذه المساحة من الإنتصار لترمب هل ستكفيه لمواجهة مخططات الديمقراطيين الناقمين على نهجه السياسي منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية وعمله ليل نهار على نسف إنجازات الرئيس السابق باراك أوباما ، من قانون " أوباما كير " مروراً بإتفاقية باريس للتغير المناخي ووصولاً إلى الإتفاق النووي مع إيران ؟
هذه الملفات يُضاف إليها ملف الهجرة والتعامل مع المهاجرين ، وكان آخر ما صرّح به ترمب في هذا الخصوص هو منع إعطاء الجنسية الأميركية لأبناء المهاجرين الذين يُولدون على أراضي الولايات المتحدة الأميركية ، وسبقها محاولات لفصل أبناء المهاجرين عن أهاليهم وقد أثارت هذه الإجراءات الرأي العام العالمي عليه .
أما أهم وأخطر هذه الملفات والتي جعلت ترمب يُحارب باللحم الحيّ من أجل فوز الجمهوريين ، فهو ملف التحقيقات بالتدخل الروسي في الإنتخابات الرئاسية الأميركية ، والتي بدأت الإتهامات تطال ترمب شخصياً والفريق المحيط به .
وفي حال تم توجيه إتهامات مباشرة لترمب ، فإن الديمقراطيين مصرّون على بدء إجراءات عزله ، ولعلّ الهدف الأبرز لمعركتهم الإنتخابية هو تأمين العدّة اللازمة لذلك ، عبر الفوز في الإنتخابات .
وهنا بالتحديد ، ينتقل النقاش إلى معنى فوز الديمقراطيين بالعدد الأكبر من مقاعد مجلس النواب ، والصلاحيات المنوطة بهذا المجلس .
فمجلس النواب الأميركي ، وهو أحد مجلسي الكونجرس يتألف من ٤٣٥ نائباً ، ويملك صلاحيات خاصة به لا يُشاركه فيها مجلس الشيوخ وهي التالية :
- توجيه الإتهامات لعزل الرئيس وقضاة المحكمة العليا .
- إصدار مشاريع قوانين زيادة الواردات .
- يختار رئيس الجمهورية في حال لم يفز أي من المرشحين بأكثرية الأصوات .
أما مجلس الشيوخ أو المجلس الأعلى ، وهو أيضاً أحد مجلسي الكونجرس ، فيتألف من ١٠٠ شيخ أو سيناتور ، ويتشارك مع مجلس النواب في العديد من السلطات التشريعية ، لكن الصلاحيات الخاصة به تتضمن التالي :
- تثبيت التعيينات الرئاسية للمحكمة العليا ، والمحاكم الفدرالية ....
- الموافقة أو رفض المعاهدات الدولية التي فاوض بشأنها الرئيس.
- في حال توجيه اتهام لعزل الرئيس ، أو عضو من أعضاء المحكمة العليا أمام القضاء ، يُجري الكونجرس المحاكمة فيلتئم بمثابة هيئة محلفين لهذا الغرض.
إقرأ أيضا : صراع الجبابرة ... حرب تجارية كونية بين أميركا والصين والإقتصاد العالمي في خطر
وبلغة مبسطة ، فإن إجراءات عزل الرئيس بعد الإنتخابات باتت ميسّرة أكثر ، إذ أن التصويت على توجيه الإتهامات من أجل عزله بحاجة إلى النصف زائد واحد في مجلس النواب ، وهو ما بات متوفراً بعد سيطرة الديمقراطيين على المجلس لأول مرة منذ ثماني سنوات ، أما محاكمته وعزله فعلياً فهو يتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الذي يلتئم كمحاكمة للرئيس ، وفي حال لم يُصوّت الثلثين لصالح العزل فإن الرئيس سينجو ، وكون مجلس الشيوخ بيد الجمهوريين فإن ترمب يبدو مرتاحاً ، لكن الأمور ليست متوقفة على جردة حسابات كحسابات الدكاكين ، ففي حال تم توجيه إتهامات مباشرة وقاسية كالخيانة والتعامل مع روسيا ، فمن المتوقع أن يُصوت أعضاء من الجمهوريين لمصلحة العزل أيضاً ، ما يعني أن التحقيقات التي يجريها المدعي الخاص روبرت مولر ستكون هي الفيصل الأساسي في الموضوع .
وما يؤكد أن ترمب خاب أمله من نتائج الإنتخابات ويخشى على مستقبله السياسي ، هو ما قام به بعد ظهور النتائج ، إذ سارع إلى إقالة وزير العدل جيف سيشنز الذي سبق أن وجّه له ترمب إنتقادات بسبب نأيه بنفسه عن تحقيقات مولر ، وطلب في مؤتمره الصحافي الأخير الذي بدا عليه التوتر جلياً ،من وزارة العدل وقف هذه تحقيقات ، وعيّن بالوكالة ماثيو ويتاكر وهو من صقور الجمهوريين والرافضين لتوسع نطاق هذه التحقيقات .
وبالتالي ، ستكون معركة ترمب المقبلة هي وقف هذه التحقيقات ووضع حدٍّ لها ، وفي حال فشل في ذلك ، فإن إجراءات عزله حكماً ستبدأ في مجلس النواب ، ولا أحد يضمن كيف ستنتهي الأمور في مجلس الشيوخ .