نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي ريك غلادستون، حول العقوبات التي وصفتها إدارة ترامب بأنها أكبر إجراء عقوبات اتخذته أمريكا ضد إيران، التي سماها الرئيس الإيراني "حربا اقتصادية"، وقال إن بلده ستنتصر.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حزمة العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها أمريكا يوم الاثنين ضد إيران، تعد أهم جزء قرار الرئيس ترامب أيار/ مايو الماضي للانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015، التي وصفها بأنها كارثية.
ويستدرك غلادستون بأن "العقوبات تتضمن استثناءات كبيرة مما سيقوض أثرها، ومن بينها: أن أكبر مستوردي النفط الإيراني، مثل الصين والهند، لن يعاقبوا لمدة ستة أشهر على الأقل (للاستمرار في شراء النفط الإيراني)".
وتقول الصحيفة إن "صناعة تصدير النفط الإيراني والمصارف ستتأثر بشكل كبير، وعملة إيران الضعيفة قد تتراجع بشكل أكبر، تحت ضغط العقوبات، التي قال عنها ترامب إنها تهدف لوقف ما يعده تصرفات إيران غير المقبولة في الشرق الأوسط".
ويفيد التقرير بأن رد الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي شجعه الانتقاد الواسع لسياسة العقوبات التي يتبعها ترامب حتى من أقرب حلفاء أمريكا، كان متحديا يوم الاثنين، وقال إن بلده لن يركع "للغة القوة والضغط والتهديد"، وتوعد بأن يخرق العقوبات.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم صعوبة التنبؤ بنتيجة المواجهة، إلا أن الخبراء في إيران والعقوبات يقولون إن اقتصاد إيران، الذي يعاني أصلا، سيتأثر بشكل أكبر، فيقول المدير المشارك لشركة "أركيفيس لو غروب"، وهي شركة محاماة مقرها واشنطن، وتختص في العقوبات وقوانين التصدير، فرهد علوي، قوله: "هذا سيجعل كل شيء أصعب بكثير، إن لم يكن مستحيلا في بعض الجوانب بالنسبة لإيران.. فالواردات تتضاءل والأسعار في ازدياد".
وتقدم الصحيفة استعراضا لآخر عقوبات الإدارة الأمريكية ضد إيران، ورد فعل إيران، وماذا يتوقع أن يحصل بعد ذلك، وجاء على النحو الآتي:
ماذا فعلت أمريكا يوم الاثنين؟
طبقت إدارة ترامب ما وعدت به من إعادة فرض لأشد العقوبات إرهاقا للاقتصاد الإيراني، التي كانت ألغيت أو رفعت بسبب التوصل إلى اتقاقية نووية، التي تفاوضت عليها أمريكا وغيرها من القوى العالمية قبل ثلاثة أعوام.
وهددت الإدارة بمعاقبة من يستوردون النفظ الإيراني، كجزء من هدفها المعلن لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى صفر، وتضمنت العقوبات وضع مصارف إيران الخمسين وفروعها، وأكثر من مئة شخص، وخطوط الطيران الإيرانية، وأكثر من 65 طائرة إيرانية، على قائمة سوداء.
وبحسب هذه العقوبات، فإنه يمكن لأمريكا أن تستولي على أصول داخل اختصاصها القضائي للأشخاص والشركات المدرجة على القائمة السوداء كلهم، كما تتضمن العقوبات منعا للتعامل معهم.
ماذا يريد ترامب من إيران؟
يؤكد الرئيس أن الاتفاقية النووية لم تفعل شيئا لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، بالإضافة إلى أنه يريد من القيود المفروضة في الاتفاقية أن تكون دائمة، ويريد من إيران أن تتخلى عن برنامج الصواريخ البالستية، والتوقف عن دعم المجموعات المتطرفة في سوريا واليمن وغيرها من المناطق، التي تعدها أمريكا منظمات إرهابية.
ما الذي تقوله إيران؟
يتهم الإيرانيون أمريكا بالازدواجية، وانتهاك القانون الدولي للتراجع عن اتفاق توصلت إليه، ليس مع إيران فقط، بل مع خمس قوى آخرى: بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا، وكلها لا تزال ملتزمة بالاتفاقية، وأكد مجلس الأمن سريانها.
وقال الرئيس روحاني بأن بلاده ستقوم بتحطيم العقوبات التي أعيد فرضها عليها، وبأن إيران دخلت في "حربا اقتصادية" مع أمريكا، وتأكيدا على هذه الرسالة، قام الجيش الإيراني بتجريب صواريخ جديدة، كجزء من نظامه الدفاعي في مناورات واسعة بدأها بعد بدء العقوبات بساعات.
ووصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف العقوبات بـ"العزلة المتزايدة للولايات المتحدة".
لماذا منحت أمريكا استثناءات بخصوص صادرات إيران النفطية؟
تقول إدارة ترامب بأنها تريد أن تحرم إيران من دخل تصدير النفط الذي يعد أهم صادرات البلد، لكن أن تفعل ذلك دون زعزعة للسوق العالمية، ومنع شامل لتصدير النفط الإيراني قد يؤدي إلى تقليص في المعروض من النفط، فترتفع الأسعار فجأة، وهو ما يعده ترامب خطيرا سياسيا.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأنه كجزء من إعادة فرض العقوبات سيتم استثناء 8 مستوردين مهمين للنفط لمدة 180 يوما، هم الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليونان واليابان وتايوان، ويسمح لهم بشراء النفط الإيراني ما أظهروا أن كمية النفط المستوردة تنخفض.
وتوقفت أكثر من 20 بلدا عن استيرادها للنفط الإيراني، ما خفض صادرات إيران النفطية بنحو مليون برميل في اليوم، بحسب بومبيو.
وسيحتاج المسؤولون الأمريكيون إلى أوراق ضعط قوية لجعل الصين والهند، أكبر مستوردين للنفط الإيراني، تتوقفان عن استيراد النفط الإيراني، فالبلدان بحاجة كبيرة إلى الطاقة.
ويقول الخبراء بأنه من غير المتوقع أن تتوقف الصين والهند عن استيراد النفط الإيراني، حتى بعد انتهاء مهلة الاستثناء لمدة 180 يوما.
هل أثرت عقوبات النفط على الأسعار؟
لم يتأثر سوق النفط بالعقوبات؛ لتوقعه أن تمنح إدارة ترامب استثناءات، وبقيت أسعار خام برنت ما بين 73 إلى 74 دولارا للبرميل.
وقالت كبيرة الباحثين في مركز الطاقة العالمي التابع لـ"أتلانتيك كاونسل" في واشنطن إلين وولد، حول أثر المقاطعة على الأسعار، بأن الإنتاج الزائد المتوقع من الدول المنتجة للنفط سيخفف من آثار زيادة الأسعار، وإن حصل هذا فإن الإدارة الأمريكية ستدفع البلدين للتخفيض من استيرادهما للنفط الإيراني بشكل أكبر.
ما هو سبب غضب الحلفاء الأوروبيين؟
بالرغم من شكاوى ترامب المستمرة حول الاتفاقية النووية مع إيران، إلا أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا يعدونها ناجحة، وكررت كل من الوكالة الدولية للطاقة النووية ومرصد انتشار الأسلحة النووية التابع للأمم المتحدة بأن إيران ملتزمة ببنود الاتفاقية.
ولذلك فإن الأوروبيين غاضبون لأن أمريكا تستخدم قوتها الاقتصادية الكبيرة للضغط وتهديد الشركات الأوروبية، التي لها علاقات تجارية مع إيران، والتي اضطر كثير منها للتخلي عن تلك العلاقات.
والأهم من ذلك، فإن الأوروبيين يخشون زعزعة الأوضاع في إيران، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلات أمنية ولاجئين، ويخشون من أن أمريكا تتخد خطوات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في البلد.
وسعى الأوروبيون إلى إنشاء نظام تسديد بديل مع إيران؛ لتجنب العقوبات الأمريكية، ويسمح لهم بالتجارة مع إيران دون المغامرة بعقوبات أمريكية، لكن لم يتم إنشاء ذلك النظام البديل، وسخر الأمريكيون من الفكرة، قائلين إنه بإمكانهم تعطيله بإدراجه على القائمة السوداء.
بالرغم من التبجح الإيراني، هل زعماؤها قلقون؟
عكست بعض خطابات المسؤولين الإيرانيين قلقا، فقال وزير الاقتصاد الإيراني فرهد داجبيسان بأن البلد يمر بأكثر الفترات "حساسية" منذ إنشاء الحكومة بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي، بأن موجة الاحتجاجات الاقتصادية الأخيرة في إيران تشكل تحديا خطيرا، وكان سبب الاحتجاجات جزئيا فشل الاتفاقية النووية في أن تجلب فوائد اقتصادية وعد بها روحاني، مع أن الفساد وسوء الإدارة أيضا يعدان أسبابا إضافية.
باسل درويش