في لبنان، يحدّد قانون الموجبات والعقود في المادة 215 منه سن الرشد المدني بثماني عشرة سنة، السنّ نفسه هو سن الرشد الجزائي وسن الرشد النقابي، والسنّ الذي فرضه قانون السير في المادة 199 كشرط للاستحصال على رخصة سوق، والسنّ الذي اعتمده القانون رقم 422/2002 المتعلق بالأحداث المخالفين للقانون أو المٌعرضين للخطر لتحديد من هو الحدث... أمّا عندما يتعلّق الأمر باستحقاق حياتي مصيري يعلو على كل ما سبق ذكره، كالزواج، الذي يتطلّب أهلية ووعياً ونضوجاً جسدياً وعقلياً ونفسياً ويرتّب مسؤوليات مصيرية على الأفراد، نجد الدولة اللبنانية في موقع المحايد والمتقاعس عن تحديد سن دنيا له لصالح الطوائف وقوانين الأحوال الشخصية الخمسة عشر التي تبيح جميعها تزويج الطفلات اللواتي لم يبلغن بعد الثامنة عشرة من عمرهنّ.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكثر من 700 مليون إمرأة حول العالم تزوّجن في مرحلة الطفولة، و14 في المئة من الفتيات في العالم العربي تمّ تزويجهنّ قبل بلوغهنّ سنّ الـ18. كذلك، تشير حملة طفلات لا زوجات العالمية إلى أن أكثر من 60 في المئة من النساء غير المتعلمات حول العالم تم تزويجهن قبل سن الـ18، وأن الولادة هي أحد أهم أسباب وفاة الفتيات بين عمر 15 و19 سنة، وأنّه يتم تزويج فتاة تحت عمر الـ18 كل ثانيتين حول العالم.
وفي ظلّ غياب الأرقام والدراسات الرسمية حول هذه الظاهرة في لبنان وانتشار الزيجات غير المسجّلة بشكل رسمي، تشير أحدث الدراسات إلى أنّه بين 4 في المئة و15 في المئة، مع تفاوت بحسب المناطق والمحافظات، من الفتيات اللبنانيات يتزوجن في سن 18 عاماً. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب التدفّق الهائل للاجئين/ات السوريين/ات منذ عام 2013، وسط تدهور الوضع الاجتماعي الاقتصادي لهذه الأسر وعدم كفاية الخدمات الصحية، وضعف التعليم وآليات الحماية القانونية، حيث ارتفع العدد إلى 27 في المئة بين اللاجئين/ات السوريين/ات و13 في المئة بين اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات من سوريا بحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف. وفي الحديث عن الوقائع، تشير مئات الدراسات إلى أن تزويج الطفلات يحرمهنّ من حقوقهنّ الأساسية، على رأسها الحق في النماء والتعليم والحماية من جميع أشكال الإساءة والممارسات الضارّة، ويجعلهنّ أكثر عرضة للعنف، الفقر، التهميش، والإتجار، وفي أسوأ الحالات إلى الموت. نعم الموت، لأنّه وفقًا للمعطيات العلمية، قبل سن الثامنة عشرة يعدّ نموّ جسد الفتاة غير مكتمل وحوضها غير مستعدّ للحمل ما يمكن أن يعرّضها لمضاعفات صحيّة عدّة أبرزها التسمّم الحملي، الطلق المبكر، التمزّق المهبلي، وضغط الدم الحملي المميت.
إزاء المعطيات أعلاه، وبصفته منظمة حقوقية نسوية تناضل منذ أكثر من أربعين عامًا على مناهضة كافّة أشكال العنف والتمييز ضدّ النساء، يعمل التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني على الضغط والمناصرة من أجل إقرار حماية قانونية للطفلات من التزويج المبكّر. وفي هذا الإطار، أطلق التجمع عدداً من الحملات الإعلامية كان آخرها حملة Young3arous أو "عروس صغيرة". مسلّحة بعامل الصدمة، انطلقت الحملة بصفحتين على مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وإنستغرام"، وادّعت ترويج خدمة توفّر طفلات للزواج، إذ إنّ في لبنان تزويج الطفلات مباح ومسموح ويمارس يوميًا حيث تقع ضحيّته فتيات تسرق منهنّ براءتهن وطفولتهن على مرأى وبتواطؤ من القانون والمجتمع. في غضون خمسة أيّام نجحت الحملة بأن تكون حديث ومحور اهتمام البلد. وقامت بتحريك المجتمع اللبناني لاتّخاذ مواقف وخطوات ضدّ الفكرة الظاهرية وراء الحملة. وفي مرحلة الكشف عن الحملة، أطلق التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني موقعاً إلكترونياً هو www.young3arous.com والذي سلّط من خلاله الضوء على قصص حقيقيّة لفتيات ضحايا التزويج المبكر اللواتي يستفدن من الخدمات الاجتماعية والنفسية والقانونية التي يقدّمها التجمع للنساء والفتيات عبر مراكزه الخمسة التي تغطّي كافة المناطق اللبنانية. ويدعو الموقع الزوّار للتوقيع على عريضة تطالب المجلس النيابي بإقرار مشروع القانون المقدّم من قبل التجمّع، الموجود حاليًا في لجنة الإدارة والعدل النيابية، والذي يهدف إلى تحديد سنّ الزواج في لبنان بثماني عشرة سنة مكتملة للذكر والأنثى.
هذه الحملات باتت حاجة ملحّة في ظلّ تقاعس صنّاع القرار عن تأمين الحماية للطفلات من العنف والاستغلال والإتجار، خاصةً وأنّه تمّ التطرّق إلى مسألة تزويج الطفلات والأطفال في العديد من الاتفاقيات الدولية التي التزم بها وصادق عليها لبنان، منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل، بالإضافة إلى أهداف التنمية المستدامة التي تلزم الدول بإزالة الممارسات الضارة على أساس النوع الاجتماعي بما في ذلك تزويج الطفلات والتزويج القسري.
(حياة مرشاد)