في ملعب مَن كرة توزير نواب سنة 8 اذار: في ملعب الرئيس ميشال عون حليف «حزب الله» الذي تحرص مصادره على تأكيد عمق التحالف معه، ومع تياره الوطني الحر، أم في ملعب الرئيس سعد الحريري، الذي لن يقاطع جلسة التشريع الاثنين والثلاثاء المقبلين، والذي يُؤكّد حزب الله ان الكرة في ملعبه، وأنه في ضوء ما يرشح عن الرئيس المكلف، يحدّد الحزب خياراته، أم في احتمال ثالث ان العقدة سببها حزب الله، والحل يكون عنده، بالتراجع عن طلبه، وإطلاق سراح الحكومة، التي باتت ضرورة حيوية لمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية ضاغطة، وفقاً للاوساط القريبة من الرئيس الحريري؟
هذه الأسئلة تختصر المشهد الانتظاري المقيت، الذي خرقته المواجهة المتوقعة بين بعض الدولة ممثلة بوزير الاقتصاد رائد خوري وأصحاب المولدات، الذين بعثوا برسالة إنذار للسلطة، عبر قطع كهرباء مولداتهم عن المواطنين لساعتين، ايذاناً بأن ثمن الاشتباك هو تعميم العتمة، ما دامت الدولة، ومؤسسة كهرباء لبنان عاجزة عن إيجاد الكهرباء للبنانيين، الذين يعربون عن استعدادهم لدفع فاتورة واحدة للمؤسسة، وليس لسواها لسّد العجز، وتوفير الأموال، مع العلم ان المشكلة في مكان اخر: هو عجز الحكومات المتعاقبة، نظراً لتضارب مصالح المكونات داخل مجلس الوزراء، وزواريب الهدر وغيره من مواجهة المشكلة المزمنة، والمتفاقمة قبل الطائف وبعده..
باب الحل
لليوم الثاني على التوالي امتنعت مصادر قصر بعبدا عن اعطاء معلومات تتصل بمسار تأليف الحكومة، لكن مصادر مواكبة لعملية التأليف، أوضحت ان ما اعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مواقفه الاخيرة قد يشكل بابا للحل وقالت ان رئيس الجمهورية لا يتفاوض انما هناك أشخاص يزورونه ويقدمون مقترحات ويعرضون وجهات نظرهم مكررة ان كل ما يهم الرئيس عون هو تأليف الحكومة والا يكون هناك من طرف خاسر فيها.
ولفتت الى انه يدرك الضغوطات الاقتصادية التي يرزح البلد تحت وطأتها. كما انه يدرك اين تكمن الحلول الاسهل، وهو يعمل على تسهيل ولادة الحكومة.
واكدت المصادر ان موقف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من موضوع تمثيل السنة المستقلين لا يزال على حاله وهو يعبر عن موقفه من دون ان يناور، مشيرة الى ان المشكلة ليست عند الرئيس عون وإنما بين مواقف الحريري وحزب الله. واذ رأت ان حزب الله حريص أيضاً على الوقوف الى جانب حلفائه اعلنت انه حريص أيضاً على قيام الحكومة ويقول انه متمسك بالحريري وان لا بديل عنه.
واوضحت ان طريق المفاوضات قائم لأن اي تأخير في تأليف الحكومة يتأثر به الجميع ولفتت الى ان التباين بين الرئيس عون وحزب الله لا يعني ان هناك خلافا بينهما على الامور الإستراتيجية والوطنية، واشارت الى ان ما يتم التداول به عن ان الرئيس عون ذاهب الى خلاف مع حزب الله ليس دقيقا حتى وان كان لكل منهما وجهة نظر مختلفة في موضوع تمثيل السنة المستقلين في الحكومة.
جمود سياسي
في هذا الوقت، بقيت الاتصالات جامدة عند حافة تمثيل هؤلاء النواب في الحكومة، في انتظار جولة جديدة من الحراك الحكومي، يفترض ان تنطلق اثر عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من باريس، المرتقبة نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل، ولم يسجل أمس، أي اجراء أو مبادرة أو تحرك، سواء في بعبدا أو عين التينة أو الضاحية الجنوبية، باستثناء ما نقل عن رئيس الجمهورية بأنه «متضامن مع الرئيس المكلف ولا يريد ان يحرجه أو يضعه في موقف صعب، فيما أبدى مصدر وزاري أطلع أمس على جانب من أجواء تعقيدات تشكيل الحكومة لـ«اللواء» خوفه من ان يكون سبب التأخير بات خارجياً أكثر مما هو داخلي، مشيراً إلى ان أحداً لا يملك حتى الآن مفتاح حل ازمة التشكيل، وان الانتظار هو سيّد الموقف.
ويعقد النواب السنة المستقلون اجتماعاً في الثانية من بعد ظهر اليوم في منزل النائب عبد الرحيم مراد للبحث في الخطوات المقبلة لهم، والتحرك الذي يمكن ان يلجأوا إليه لتوضيح موقفهم، وتأكيد حقهم في التمثيل في الحكومة.
وقالت مصادر اللقاء التشاوري انه مفتوح على كل الأفكار لبلورة تحرك النواب وخطواتهم المقبلة، معتبرة ان الكرة ليست في ملعب رئيس الجمهورية بل عند الرئيس المكلف، وهو من يجب ان يتبع تجاه هؤلاء النواب المعايير التي اعتمدت تجاه غيرهم ممن لديهم حيثيات وازنة، فيما كرّر النائب جهاد الصمد رفضه تمثيل أحدهم من خارج الكوتا المخصصة للطائفة السنية في الحكومة، لا من حصة الشيعة ولا من حصة رئيس الجمهورية.
في المقابل، لاحظت مصادر مطلعة، ان أياً من هؤلاء النواب، لم يظهر تشدداً في موضوع تمثيلهم في الحكومة، خلال الزيارات التي قاموا بها لمرجع رسمي، وبقيت هذه العقدة «مكبوتة» إلى حين فجرها «حزب الله» في الدقائق الأخيرة التي سبقت موعد إعلان مراسيم ولادة الحكومة.
كتلة «المستقبل»: مطلب تعجيزي
وفي هذا السياق، أوضحت كتلة «المستقبل» النيابية، ان جهود الرئيس المكلف والتي أفضت إلى جهوز التشكيلة الحكومية للصدور، هو ما فاقم الصدمة التي احدثها اختراع مطلب تعجيزي جديد أدى إلى وقف عملية التشكيل.
ورحبت الكتلة في البيان الذي أصدرته بعد اجتماعها الأسبوعي في «بيت الوسط» والذي ترأسته النائب بهية الحريري بتكليف من الرئيس الحريري، بموقف رئيس الجمهورية الرافض لهذا المطلب التعجيزي، معتبرة ان موقفه «يدل على حس رفيع بالمسؤولية الوطنية وحرص على تشكيل الحكومة في اسرع وقت لمواجهة المخاطر الداهمة على اللبنانيين واقتصادهم وأمانهم».
وشددت على «أن ما يُعزّز الشكوك في أن هذا المطلب التعجيزي لا يهدف الا الى تعطيل تشكيل الحكومة، هو معرفة المعنيين المسبقة، ومنذ اليوم الأوّل للمشاورات، بأنه سيقابل برفض قاطع وحاسم من رئيس الحكومة المكلف ومن شريحة واسعة من اللبنانيين والكتل السياسية.
ونفى مصدر قيادي في تيّار «المستقبل» ما نسبته إحدى الصحف الخليجية لاوساط في التيار بأن «توزير سنة ٨ آذار يصبح ممكناً في حال انسحاب هؤلاء النواب من الكتل التي شاركوا معها في الاستشارات.وأكد المصدر ان الرئيس الحريري ليس معنياً بكل ما يطرح في بازارات التوزير، وأن موقفه من هذه المسألة لا يخضع للمساومة تحت أي ظرفٍ من الظروف».
الجلسة التشريعية
وفيما قررت كتلة «المستقبل» المشاركة في جلسة تشريع الضرورة التي دعا إليها الرئيس برّي يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، ورد عليها نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، بأنه لا يوجد شيء اسمه «تشريع الضرورة»، معتبراً ان المرجعية الوحيدة في التشريع هي مجلس النواب، رجحت مصادر سياسية ان يكون الرئيس برّي قرّر استخدام هذه الورقة، على الرغم من اعتقاد الرئيس المكلف بأنه من المبكر اللجوء إليها، للضغط على كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لوضعهما امام معادلة.
إما الإسراع في تأليف الحكومة، وفق مطلب «حزب الله» بتمثيل النواب السنة المستقلين، وإلا فإن مجلس النواب سيستمر في عمله الطبيعي على صعيد التشريع وسن القوانين لملء الفراغ الذي يتركه استمرار الشغور في السلطة التنفيذية.
وبحسب هذه المصادر، فإن الحزم ان تحدث به رئيس المجلس مع الرئيس المكلف بخصوص الجلسة، معطوفاً على اقفاله الباب على أي مبادرة من قبله لتفكيك العقدة السنية، يعني انه قرّر الوقوف إلى جانب «حزب الله» من تمثيل سنة 8 آذار، وقد فهم الرئيس الحريري، بطبيعة الحال، هذه الرسالة، وسيتعين عليه، بالتعاون مع رئيس الجمهورية البت في ما سيفعلانه لإنقاذ التأليف ومنع البلاد من «التطيع» في الشغور الحكومي، والذي يدفع باتجاهه الثنائي الشيعي.
ولم تستبعد المصادر، حيال ذلك، ان يلجأ الرئيس الحريري إلى تفعيل نشاط حكومة تصريف الأعمال، وفق نظرية «حكومة الضرورة»، لخلق توازن في خطوة برّي، أو بالتالي لتشكل ضغطاً مقابلاً على الثنائي الشيعي للتعاون في حل العقدة السنية المفتعلة من جهته، إذا كان فعلاً راغباً بولادة حكومة جديدة، وليس فقط لتعطيل التأليف.
رسالة الراعي
وفي الموضوع الحكومي أيضاً، كان اللافت للانتباه الرسالة التي حملها البطريرك الماروني بشارة الراعي للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى «حزب الله» للمساعدة في حل العقبات الحكومية، متمنياً ان نسعى جاهدين للقيام بكل ما يلزم لتشكيل الحكومة ومعالجة القضايا العالقة، فرد المفتي قبلان بأن «حزب الله» ليس ضد المسارعة في تشكيل الحكومة، وأن المسألة بحاجة إلى حكمة وإلى حوار».
وذكرت مصادر كنسية ان رسالة الراعي إلى «حزب الله» مباشرة ومنبثقة من حرصه على العيش المشترك والوحدة الوطنية، ويدعو فيها الحزب الى عدم جر البلاد إلى الخطر الوشيك وفك عقدة تمثيل نواب سنة 8 آذار، وان البطريرك أكّد لقبلان ان الوضع الاقتصادي على أعلى درجة من الخطورة ويوجب على القيادات الشيعية التعاون سريعاً لتشكيل الحكومة.
وافيد ان الراعي أكّد للمفتي قبلان الذي زاره أمس في بكركي، ان أي قمة روحية يجب ان تشمل كل الملفات وفي طليعتها تشكيل الحكومة، وليس فقط موضوع بعض البرامج التلفزيونية، وما تتضمنه من إسفاف وانحطاط.
رسالة مصرية
إلى ذلك، برزت مؤشرات لتصاعد الاهتمام الخارجي بالوضع في لبنان، في ظل المخاوف المتنامية من انعكاسات الأزمة الحكومية المستفحلة عليه، عبرت عنها جولة الموفد الخاص للرئيس الفرنسي أوريليان لوشافالييه على المسؤولين والمستشارين السياسيين للرؤساء، وكان أخرهم مع مستشار رئيس مجلس النواب نبيه برّي للشؤون الفرنسية محمود برّي، وكذلك الرسالة التي كشف عنها السفير المصري في لبنان نزيه النجاري والموجهة من القيادة المصرية إلى القيادة اللبنانية بضرورة العمل على التعجيل بتشكيل الحكومة من أجل استقرار لبنان، والاسهام بشكل أو بآخر في استقرار المنطقة.
وأوضح السفير النجاري بعد لقائه المفتي عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، ان «الرسالة مجرّد نصيحة لا تبتغي التدخل في الشأن الداخلي، وأنما هو نصح لمصلحة لبنان لأن يكون له تأثير في تشكيل الحكومة».
تزامناً، بشر القائم باعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد بخاري، امام وفد مجلس الأعمال اللبناني - السعودي الذي زاره متضامناً مع المملكة، بحصول قفزة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد تشكيل الحكومة اللبنانية.
وإذ ثمن مبادرة التضامن، كشف ان وفداً لبنانياً رفيع المستوى سيزور المملكة وستتوج هذه الزيارة بتوقيع نحو 21 اتفاقاً بين البلدين.
ساعتان على ضوء الشموع
حياتياً، لا يمكن القول حيال ما جرى مساء أمس، في بعض المناطق اللبنانية لا سيما في بيروت وطرابلس وبعلبك وصور وصيدا، سوى انه «فضيحة» بكل معنى الكلمة، كشفت عجز الدولة عن تحمل مسؤولياتها، وحماية مواطنيها من جشع أصحاب المولدات الكهربائية، فضلاً عن فشلها في حل أزمة الكهرباء التي يُعاني منها البلد منذ أكثر من عشر سنوات.
فهل يمكن تُصوّر في القرن الواحد والعشرين، ان احياء واسعة من العاصمة والمدن اللبنانية كافة، عاشت مساء اسم ساعتين من العتمة الكاملة، بحيث لم يجد المواطنون من حل سوى اللجوء إلى الشموع، نعم الشموع، لأن أصحاب المولدات الكهربائية قرروا إطفاء مولداتهم، وبالتالي حرمان النّاس الذين يدفعون لهم من قوت عيالهم، ثمن التيار الكهربائي، بعدما عجزت الدولة عن تأمينه، بسبب ان نفراً من هؤلاء أحيلوا على القضاء، لأنهم امتنعوا عن تركيب عدادات لهذه المولدات، فكانوا ان ردوا بإطفاء هذه المولدات لمدة ساعتين من الخامسة حتى السابعة مساءً، من دون ان يرف جفن من مسؤول أو حتى هؤلاء، لمشهد تحول اجزاء من العاصمة والمدن اللبنانية الأخرى إلى «مدن اشباح» بفعل الظلام الدامس الذي خيم عليها لمدة ساعتين، باستثناء بعض الاحياء التي صودف شمولها بساعات خارج التقنين الذي تفرضه مؤسسة الكهرباء.
اما وزير الاقتصاد المعني بتركيب «العدادات» رائد خوري فاكتفى بالتأكيد بأن لا تراجع عن قرار تركيب عدادات للمولدات، الا ان أي اجراء لم يتخذ بحق أصحاب المولدات، فقط نصيحة لهؤلاء بعدم الدخول في تصعيد لأنه سيؤدي إلى اشكال كبير نحن كلنا بغنى عنه، بحسب خوري.
من انتصر بالكباش؟! بالتأكيد أصحاب المولدات، فيما كان الخاسر الأكبر هو المواطن ومعه الدولة المهزومة.
تنامي المديونية
مالياً، كشف النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان المركزي إن لبنان فشل في تبني خطوات لخفض العجز الهائل في الميزانية والدين العام في الوقت الذي يجد فيه قادته صعوبة في تشكيل حكومة.
وقال سعد عنداري خلال مؤتمر في أبوظبي إن الانضباط المالي لم يبدأ كما كان مأمولا مضيفا أن الجمود السياسي عطل العملية.
وعرقلت الخلافات جهود رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة وحدة وطنية ليستمر الفراغ في سدة السلطة.
ويبلغ العجز في ميزانية لبنان نحو عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال تقرير للبنك الدولي الأسبوع الماضي إن من المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي «على نحو تتعذر خدمته» نحو 155 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2018.
وقال عنداري إن لبنان بموارده المحدودة لا يمكنه الاعتماد على الزراعة أو الصناعة لتحقيق النمو بل يحتاج إلى اقتصاد قائم على المعرفة باستثمارات في مجالات من بينها تكنولوجيا المعلومات.
وتابع أن الاقتصاد ينمو في نطاق بين واحد وثلاثة بالمئة لكنه يتحمل عبء 1.5 مليون لاجئ سوري دون مساعدة دولية تذكر.
وأضاف أن ذلك تسبب في توترات بسوق العمل حيث يعاني اللبنانيون أنفسهم من تزايد معدلات البطالة، متوقعاً أن يبدأ لبنان التنقيب عن الغاز بنهاية 2019 وهو ما سيستغرق ما بين ثلاث وأربع سنوات وذلك عن طريق كونسورتيوم تقوده شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال.