لعل اللافت في نتائج القمة الرباعية الفرنسية - التركية - الالمانية - الروسية، التي انعقدت قبل نحو ١٠ أيام في إسطنبول، هو دعوتها لتهيئة الظروف لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
لذا تتساءل أوساط ديبلوماسية حول ما تقوم به الدول فعلياً لعودتهم وسط غياب التفاهم الأميركي - الروسي حول التسوية النهائية للأزمة السورية، ووسط إستمرار النظام في خلق معضلات أمام التفاوض حول الدستور، ووسط وضع شروط على النازحين الذين يخافون من فرض تغييرات ديمغرافية يخضعونهم لها، فضلاً عن الشروط العسكرية التي تفرض على الشبان العائدين.
وتتخوف المصادر، من أن يكون الحل السياسي لمصلحة النظام، لكن الغرب يسعى مع الروس لحصول المعارضة على مكاسب في الحل، أي مكسب مقبول للمعارضة سيجعل الغرب يقبل بالمشاركة في العملية السياسية في سوريا، ويجعله يساهم في تمويل إعادة الإعمار، وإعادة النازحين إلى ديارهم، وإلا لن يقبل الغرب بحل يرضي النظام فقط. وهذه هي الورقة الأخيرة التي يتمسك بها الغرب والإدارة الأميركية تحديداً بالنسبة إلى القبول بالحل في سوريا، إذ أن الحل العسكري لم يعد وارداً، ويحل محله الضغط لحل سياسي معقول ومقبول، وليس أن يكون رمزياً، مع أن كلاً من فرنسا والمانيا قبلتا بأن يحدد الشعب السوري مصير الرئيس بشار الأسد، وهذا تجسد في مقررات القمة الرباعية في إسطنبول ويُعد ذلك نوعاً من التراجع الغربي. لكنه يحصل على أساس الرهان على الحل النهائي وأسس واضحة لهذا الحل، الذي يجب أن تقبل به المعارضة والغرب معاً، ولا يبدو أن الروس سيضغطون على النظام، والنظام بدوره، حتى الآن، لن يقبل بتفاوض حقيقي حول الدستور، وبالتالي لن يكون هناك حل حقيقي للأزمة السورية في المرحلة الراهنة.
وفي هذا الوقت، لا لبنان ولا القمة الرباعية والدول المنضوية تحت لوائها تعارض عودة النازحين في المطلق، إلا أنه في الوقت نفسه، فإن العودة الفعلية للكتلة البشرية الكبرى الموجودة لن تحصل بهذه السهولة. ما يعود من لبنان مثلا أعداد باتت نحو ٦٠ ألفاً لكن في لبنان مليوني نازح عملياً. هذه الكتلة عودتها مربوطة بالحل السياسي الذي يقبل به الغرب والمعارضة معاً، والخوف أيضاً من إلهاء النظام لكل الأطراف المهتمة بصياغة الدستور بالزواريب لكي تكون التعديلات شكلية. وفي هذا الجو لن تتشجع المعارضة على الحضور إلى سوريا لتشارك في العملية السياسية. كما أن الخوف من عزل شخصيات معنية عن صياغة الدستور، ما يعني أن هذا فرض وليس توافقاً. كل بند في التفاوض ستحصل عليه مشكلة وأزمة. لكن الغرب لن يرضى إلا بحد أدنى مقبول في العملية السياسية مع الإشاراة إلى عدم وجود تشدد أميركي حاسم وفق توقيت معين، وإن الدعم الروسي للنظام مطلق.
الروس قدموا إلى الإتحاد الأوروبي إقتراحاً رسمياً للمساهمة في إعادة الإعمار، ولعودة النازحين ولإعمار منازلهم، ومقابل ذلك الروس مسؤولون عن اعادتهم. لكن الجواب الأوروبي هو بعدم القبول، لأن ذلك يعني المساهمة باعادة الإعمار دون مقابل، أي دون حل سياسي ودون تنازل من النظام.
وبالتالي، لن تقبل المانيا وفرنسا المشاركتان في القمة الرباعية بالمساهمة في التمويل، لأن ذلك هو الورقة الأخيرة في يد الغرب لإستخدامها في الضغط لحصول عملية سياسية تغييرية في سوريا. وتبين من خلال آخر الإتصالات الدولية حول إعادة النازحين، أن الروس وإيران والصين لن يستطيعوا اعمار سوريا أو تمويل البنى التحتية والمقومات المعيشية للعودة.
هناك دول اوروبية جديدة تريد تمويل الدول المضيفة للنازحين لا سيما لبنان، لمساعدتهم على تحمل اعباء هذا اللجوء، وهي لا تريد أن يتوجهوا إلى اراضيها على الرغم من أن الإتحاد الأوروبي قسّم الاستضافة لديه إلى حصص على الدول الأوروبية. كذلك أن المبادرة الروسية لإعادة النازحين مجمدة وليس من عودة فعلية قبل الحل السياسي الذي يقنع الغرب.