يتمسّك الرئيس اللبنانيّ ميشال عون بموقفين متعارضين: من جهة، يدافع عن «حزب الله» بسبب ولا سبب. يصادق، مرّة بعد مرّة، على سرديّة الحزب حيال المقاومة والتحرير في مقابل الإرهاب. من جهة أخرى، يتبنّى موقف رئيس الحكومة سعد الحريري من عدم توزير «سُـنّة 8 آذار» الذين يلحّ «حزب الله» على توزيرهم. يتمسّك بالحريري رئيساً لحكومته المقبلة وبتأمين بعض الشروط التي تتيح له الظهور بمظهر «رئيس حكومة قويّ».
هذا ما برز واضحاً في المقابلة التلفزيونيّة التي أجريت معه بمناسبة مرور عامين على بداية عهده. مذّاك لم يبدُ أنّ شيئاً تغيّر.
التوفيق بين الطرفين، «الحزب» والحريري، ليس متوازناً بطبيعة الحال. فما يُعطى لـ «الحزب» أكبر وأهمّ وأكثر استراتيجيّة ممّا يُعطى للحريري. مع هذا، يبقى التوفيق، الصعب بالتعريف، كاشفاً لصعوبات العونيّة نفسها، بل لصعوبات المسيحيّة السياسيّة حين تكون في موقع الرئاسة الأولى.
ذاك أنّ الأخيرة مضطرّة إلى الطرفين على نحو أو آخر. بقاء هذا «العهد» مرهون، من حيث المبدأ، بذلك. لهذا تسعى إلى أن تكون الحَكَم بينهما. المشكلة أنّ الدور التحكيميّ هذا يفترض في «العهد» قوّة ليست فيه، إذ إنّ أضعف الطرفين هذين أقوى منه. هذا ما يحيط فكرة «الحكم القويّ» بعلامات استفهام كبيرة جدّاً. لا بل يتحوّل الكلام عن «القوّة» و «العهد القويّ»، لا سيّما على لسان الوزير جبران باسيل، إلى مكابرة زجليّة يراد لها أن تغطّي الضعف الفعليّ ويتستّر عليه. الأمر لا يقتصر على اتّفاق الطائف وصلاحيّاته، فيما الحقيقة أنّ الطائف وصلاحيّاته لا أكثر من مرآة تعكس، إلى هذا الحدّ أو ذاك، الواقع بتوازنات قواه ومستجدّاته. فهناك، من ناحية، تحوّلات ديموغرافيّة واقتصاديّة ليست لمصلحة الوزن المسيحيّ. وهناك، من ناحية أخرى، اشتباك سنّيّ – شيعيّ غير مسبوق يتعدّى لبنان إلى المنطقة، وإن كان لبنان ساحة من ساحاته البارزة. وأخيراً، هناك «حزب الله»، أي «دولةٌ» وجيش هما بلا قياس أقوى من الدولة والجيش اللذين يتربّع ميشال عون في سدّتهما.
هكذا سريعاً ما ينهار ذاك التصوّر عن القوّة المستمدّ من ماضٍ مات مع حرب 1975 قبل أن يُدفَن مع الطائف في 1989. لا بل سريعاً ما يتحوّل خطاب القوّة إلى نعي توفيقيّ لا يملك أدوات فرض التوفيق، بفعل عدم تجاوب الطرفين، وبفعل «سوء تقديرهما» المشكلات التي قد تترتّب على خلافهما. وهي مشكلات، وإن كانت تعود على البلد لا على «العهد» وحده، إلاّ أنّ الصبر هو الأداة الوحيدة في التعامل معها. لكنّ الصبر غالباً ما يكون من مزايا المختار في القرى، ونادراً ما يكون من مزايا القويّ.
الجديد الذي قد يُبطل دور المختار، وقد يترافق مع توتير الداخل اللبنانيّ، هو العقوبات الأميركيّة الجديدة بحقّ إيران. فهذه قد تدفع «حزب الله» إلى مزيد من تطويع العونيّة، ومزيد من قضم المراتبالسلطويّة، ومزيد من تغيير الموقع اللبنانيّ على الخريطة الاقتصاديّة والماليّة. وهو أمر يصعب احتماله والتكيّف معه، لأنّه يطالب ميشال عون بالتحوّل إلى إميل لحّود. لكنّ هذا ممّا يتعدّى الحكومة وتشكيلها، وإن كانت أزمة التشكيل إحدى محطّاته.