السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتمسّك «حزب الله» بتوزير «سنّة ٨ آذار» بالقدر الذي تمسّك فيه بوزارة الصحة؟ والكلام هنا عن الحكومة ذاتها، وليس عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي ساندَ فيها بشكل مُعلن مطلب الوزير جبران باسيل بأن يكون وزيراً للطاقة، ولا عن مساندته العلنية جداً للعماد ميشال عون في الانتخابات الرئاسية.
ولماذا الرئيس المكلّف، مثلاً، كان على بَيّنة واضحة تماماً من مطلب «حزب الله» بالحصول على حقيبة الصحة وحاول جاهداً إقناعه بالعدول عن هذا المطلب لاعتبارات معروفة؟ فيما لم يكن على بَيّنة من مطلبه بتمثيل «سنّة ٨ آذار»؟ والأمر نفسه ينطبق على رئيس الجمهورية الذي كان على وشك تحقيق هدفه بولادة الحكومة قبل الذكرى الثانية لانتخابه.
ولا يمكن تفسير ردّة فِعل الرئيس عون المنتقدة لموقف «حزب الله» والداعمة لموقف الرئيس المكلف، إلّا نتيجة وَقع المفاجأة وربما الصدمة لديه، لأنّ آخر ما كان يتصوره رئيس الجمهورية أن يعمد «حزب الله» إلى تفويت عليه فرصة ولادة الحكومة في الذكرى الثانية لانتخابه وفي مطلب غير مطروح جدياً، ولكن آخر ما كان يتصوّره «الحزب» أن يتبنّى عون موقف الرئيس المكلف سعد الحريري، فيما كان «الحزب» يتوقّع أن يتقاطع مع عون من أجل إضعاف موقع الحريري ودفعه إلى القبول بتوزير «سنّة ٨ آذار»، غير انّ ما حصل كان خلاف ذلك تماماً، حيث أدّى تَبنّي عون لموقف الحريري إلى تقوية تَموضع الرئيس المكلّف وموقفه، الأمر الذي جعله يتدرّج في موقفه من عدم ممانعته في توزيرهم من حصّة رئيس الجمهورية إلى رفض توزيرهم بالمطلق.
ولا يبدو أنّ حل هذه الإشكالية ممكناً إلّا في حال تمّ تمثيل هذا المكوّن من حصة «حزب الله»، على رغم انّ هذا الخيار يشكل استفزازاً للرئيس المكلف، أو عن طريق «المَونِة» بأن يتمنّى «حزب الله» من المكوّن السني في ٨ آذار عدم المشاركة، وتذكيره بأنّ الحزب سعى إلى قانون الانتخاب الأخير من أجل ان تتمثّل هذه الشريحة في البرلمان وانه لن يتخلى عنها، لأنّ الرهان على تراجع الرئيسين عون والحريري ليس مطروحاً.
ومن الواضح انّ التباين الذي خرج إلى العلن بينهما مَردّه إلى وجود سوء تفاهم وغياب للمصارحة، حيث وضعَ رئيس الجمهورية كل ثقله لتشكيل الحكومة قبل ٣١ تشرين الأول، ولم يكن يتوقع إطلاقاً أن يَحول موقف «الحزب» بالذات دون التأليف، ما يؤشّر إلى انّ الرئيس كان لديه انطباع، وربما مواقف واضحة من «الحزب» بأنه يلعب دور المسهِّل للتشكيل لا العكس، فيما كان «الحزب» يتوقّع بدوره أن يطول أمد التأليف من مربّع مسيحي، فاتكَأ على هذا العامل لتغطية هدفه، لكنّ خطأه أنه لم يصارح رئيس الجمهورية بحاجته إلى الوقت لاعتبارات خارجية، فاصطدمت رغبة كل منهما برغبة الآخر.
وإذا كان «الحزب» يتجنّب الظهور بمظهر المعرقل للتأليف، فإنه يتجنّب في الوقت نفسه الصدام مع رئيس الجمهورية. ولذلك، سارعَ إلى تلقّف الموقف بغية تطويق التباين العلني، ولكن مع التعبير في الكواليس عن امتعاضه الشديد لفقدانه أيّ غطاء رسمي وإظهاره في موقع المُفتعِل لعقدة حكومية لاعتبارات خارجية.
وقد قَلّلَت أوساط «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» من أهمية الاشتباك الذي وقع بين الطرفين على خلفية توزير «سنّة ٨ آذار»، فعمدت إلى التخفيف من وطأته بوَضعه في إطار التباين الطبيعي والتكتي، ولكن هذا لا يخفي انزعاجهما الضمني ممّا آلت إليه الأمور، الأمر الذي يُخشى معه بروز تَوجّه لنقل التوتر باتجاه آخر، حَرفاً للأنظار عن الاشتباك بينهما.
وفي مطلق الأحوال، هناك من يقول انّ «حزب الله» لا يستطيع أن يذهب بعيداً في دعم توزير «سنّة ٨ آذار» وتحمُّل مسؤولية الفراغ مباشرة، لـ3 اعتبارات أساسية: لأن لا مؤشرات تدلّ على أنه في وارد تغيير قواعد الاشتباك الحالية، لأنّ أولوية الاستقرار ما زالت تتقدم لديه على ايّ اعتبار آخر، ولأنّ مصلحته تكمن في مواجهة العاصفة الخارجية بتوافق لبناني داخلي وليس بانقسام سياسي.
وهناك من يقول أيضاً انّ «حزب الله» سيتكفّل بالمخرج للعقدة التي افتعَلها بنفسه، وإنّ إطلالة السيّد حسن نصرالله السبت المقبل ستكون محطة أساسية في هذا الاتجاه، حيث سيعلن التنازل من حصته أو التمنّي من «سنّة ٨ آذار» أن «يمسحوها بهـ الدقن».
أمّا الأسباب الكامنة وراء سَعي «الحزب» إلى المخرج اللازم، فتعود إلى الآتي: رفضه إحياء التوتر المذهبي، رفضه إحياء الانقسام الوطني، رفضه الصدام مع رئيس الجمهورية واستطراداً رئيس الحكومة، رفضه إعطاء واشنطن ورقة إضافية تستخدمها في مواجهتها ضده.
فمصلحة «حزب الله» هي بعدم تشكيل حكومة لاعتبارات خارجية غير واضحة المعالم بعد، وهي أبعد من التمسّك بمطلب توزير «سنّة ٨ آذار» الذي خرج إلى الضوء بشكل مُفتعل بعد حلّ العقدة المسيحية. لكنّ انكشاف هدفه الحقيقي وضعف الحجّة التي استند إليها سيدفعه إلى تَبدية هدفه الداخلي في المرحلة الحالية على هدفه الخارجي بعدم التشكيل، الذي كان على استعداد للسير به حتى النهاية، ولكن من مربّع غيره وليس من مربّعه الذاتي. وبالتالي، ولكل هذه الاعتبارات، سيبدأ «الحزب» بتوسعة كوعه من أجل تقديم المخرج لإنهاء هذه العقدة والذهاب إلى تشكيل حكومة.