لم يطرأ أي جديد أمس يبشّر بإمكان تجاوز العقدة السنية في المدى المنظور، بما يعجّل في إعلان ولادة الحكومة.

وفي انتظار ان تُحَرّك عودة الرئيس المكلف سعد الحريري، من زيارته الخاصة لباريس، ملف التأليف الحكومي، عكست مصادر تيار «المستقبل» مزيداً من التصلّب حيال عقدة تمثيل من يعتبرهم «سنّة حزب الله»، وقالت لـ«الجمهورية» انّ «هذه المسألة قد طواها الزمن، ولا مجال لمقاربتها تحت أي عنوان يرمي الى فرض هذه المسألة أمراً واقعاً على مسار التأليف».

وأشارت الى «انّ هذه المسألة هي من اختراع «حزب الله»، وفي توقيت تُشتمّ منه رائحة ارتباطه بأجندة خارجية. وبالتالي، الكرة ليست في ملعب الرئيس المكلف، الذي سبق واكد انه ليس مَعنيّاً بها، بل هي في ملعب «حزب الله»، إذا أراد فعلاً ان تؤلّف حكومة في لبنان».

وعبّرت هذه المصادر «المستقبلية» عن تقديرها لموقف رئيس الجمهورية، ووصفته بـ»الموقف المسؤول الذي قارب هذه المسألة بما تستحقها، وشَخّصها كما هي برفضه إشراك هذه الفئة من النواب الذين جرى تجميعهم من هنا وهناك، وتمّ من خلالهم افتعال كتلة نيابية متعددة الاشكال والالوان، تمّ تقديمها كخدعة لا يمكن ان يسير أحد بها».

في هذه الاثناء، قالت مصادر معنية بالعقدة السنية لـ»الجمهورية» أن الساعات الماضية شهدت اتصالات غير مباشرة على خَطّي رئيس الجمهورية و«حزب الله»، وتحدثت عن دور فيها للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وكذلك لوسطاء آخرين، ولكن من دون ان تتوصّل هذه الاتصالات الى إيجابيات، تبدّد الاجواء التي تَعكّرت بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» على خلفية موقفه المتبنّي موقف الرئيس المكلف برفض تمثيل «سنّة 8 آذار»، خلافاً لموقف الحزب الذي يصرّ على تمثيلهم مهما طال الزمن ومهما كلّف الامر.

وقالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية» ان «لا جديد في هذا الشأن. ونحن من الاساس قلنا انّ هذه المسألة يجب ان تبتّ بمَنح الحق لهذه الفئة من النواب بالتمثيل في الحكومة، لأنهم اصحاب حق ويمثلون شريحة شعبية واسعة، سواء داخل الطائفة السنية او خارجها. ونَودّ ان نلفت الانتباه الى انّ «حزب الله» التزم دعم حقهم في التمثيل، والتزامنا هذا التزام أخلاقي قبل ان يكون سياسياً. وبالتالي، فإنّ الحزب ليس في وارد التراجع عنه».

بري

في هذا الوقت، نفى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان يكون له اي دور في محاولة ايجاد المخارج والحلول لعقدة تمثيل «سنّة 8 آذار» في الحكومة، واكد انه قام بما عليه في هذا المجال منذ اللحظة الاولى لمشاورات تأليف الحكومة، نافياً ان تكون هذه المسألة جديدة او مفاجئة او طارئة، وقال: «هذه المسألة عمرها على الاقل اكثر من خمسة اشهر، وكلهم يعرفون ذلك، بمَن فيهم المتفاجئون».

وأشار الى أنه سبق له ان قدّم النصح، وأكد للرئيس المكلف ضرورة تمثيل هؤلاء النواب الستة، حتى ولو جاء ذلك من حصته. وأشار الى انه في انتظار عودة الحريري الى بيروت، وما يمكن ان يقوم به في هذا السياق.

وضَمّ بري صوته الى تحذير الهيئات الاقتصادية من رداءة الوضع الاقتصادي، مُتفهّماً تلويحها بالتصعيد، وقال: «معها حق، فما تقوله أنا أحذّر منه منذ زمن. حذّرنا ونحذّر مجدداً، الوضع الاقتصادي قد لا يصمد أسابيع وليس أشهراً. فلينتبهوا. نحن نسابق الخطر».

وإذ توجّه بالشكر الى المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى على بيانه الاخير «الذي جاء متوازناً»، رفضَ محاولة العزف على الوتر السني ـ الشيعي، وقال: «حذارِ اللعب على هذا الوتر، مع يقيني أنّ أحداً لن ينجح في توتير هذه العلاقة. في كل العالم حصلت فتنة سنية ـ شيعية الّا في لبنان لم يحصل هذا الأمر، ولن يحصل».

عاد وسيعود

وفي الوقت الذي من المقرر أن يعود الحريري الى بيروت في الساعات المقبلة (إن لم يكن قد عاد ليل أمس)، تحدثت معلومات عن حركة اتصالات سيشهدها الأسبوع المقبل من دون الإشارة الى أي تفصيل. ونَفت مصادر معنية في بعبدا علمها بزيارة سيقوم بها وفد من «حزب الله» للقاء رئيس الجمهورية، وقالت انّ لائحة مواعيد الرئيس لا تلحظ موعداً للقاء كهذا.

على انّ الحريري، العائد من باريس، سيعود منتصف الأسبوع الجاري ليشارك في «مؤتمر باريس للسلام» الذي ينعقد في العاشر من الجاري.

«حزب الله»

بدوره، أكّد «حزب الله»، على لسان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، أنّ «علاقتنا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«التيّار الوطني الحرّ» على درجة الرسوخ والعمق، لا تتأثر بتباين موضوعي يتصل بمقعد وزاري، والتباين منشأه زاوية النظر للموضوع، إذ كلانا ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة، وهذه مسألة قابلة للمعالجة والاحتواء».

وقال فياض، خلال احتفال تأبيني أقيم في بلدة حولا الجنوبية، إنّ «موقف «حزب الله» كان ولا يزال المطالبة بضرورة تأليف حكومة لحاجتها الماسّة في إدارة شؤون البلد ومعالجة مشاكله، ولا يزال موقفنا كما هو، وهذا لا يتناقض مع دعمنا لمطلب النواب السنّة المستقلين بأن يتمثّلوا بوزير في مجلس الوزراء، لأنّ التأليف يجب أن يكون متوازناً، والسنّة المستقلون جزء من هذا التوازن».

الراعي

من جهته، حذّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «من الانقسامات والنزاعات المذهبية، التي قد يعمل البعض على تأجيج نارها فتزيد من عرقلة تأليف الحكومة».

وقال في عظة الأحد: «إنّ الأزمة السياسية التي تشلّ حياة الدولة عندنا في لبنان، وتتسبّب بأزمة اقتصادية ومالية ومعيشية خانقة، مردّها ظلمة الضمائر المأسورة بالمصالح الشخصية والفئوية والمذهبية والولاءات الخارجية. والكلّ على حساب قيام دولة المؤسسات والقانون، كما هو ظاهر في عدم إمكان تأليف الحكومة بعد مضي 5 أشهر كاملة على التكليف، و6 أشهر على الإنتخابات النيابية. وإذا بنا أمام سلطتين مشلولتين: السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية. وبالتالي، أصبحت الوزارات والإدارات وخدمة القضاء سائبة ويطغى عليها تدخّل السياسيين، وينخرها الفساد. وباتَ القانون والقضاء يطبَّقان على هذا المواطن من دون ذاك، وعلى فئة من دون أخرى».

وأضاف: «أما مال الخزينة فيتبدّد، والدين العام يتفاقم، والبلاد على شفير الإفلاس، بحسب تحذيرات البنك الدولي، وشبابنا أمام آفاق مسدودة. فحذارِ فوق ذلك من الإنقسامات والنزاعات المذهبية التي قد يعمل البعض على تأجيج نارها، بعدما خمدت عندنا، والحمد لله، فتزيد من عرقلة تأليف الحكومة».

العقوبات الأميركية

وبعيداً من ملف التجاذبات الداخلية، يبدأ اليوم تنفيذ المرحلة الثانية من العقوبات الاميركية على ايران، يواكبها تنفيذ قانون العقوبات على حزب الله (HIFPA) بنسخته الثانية المعدّلة. وبالتالي، هناك مؤشرات الى مرحلة جديدة من المواجهات المالية والاقتصادية على الساحة اللبنانية.

وما يزيد في منسوب القلق من تداعيات العقوبات، انّ الولايات المتحدة الاميركية تَعمّدت هذه المرة، التزامن بين العقوبات على ايران وبدء تطبيق قانون العقوبات على «حزب الله»، بما يوحي أنّ الادارة الاميركية تتعاطى مع الملفين على أساس انهما ملف واحد مترابط. وقد عبّر عن ذلك مضمون البيان الذي صدر عن البيت الابيض وجاء فيه حرفياً، في توصيف «حزب الله»، انه «الشريك القريب للنظام الإيراني والذي ينوب عنه». وبالتالي، فإنّ التعاطي مع الحزب سيكون على اساس هذا التوصيف الذي لا يفرّق بين طهران و«الحزب».

كذلك يبرز قلق استثنائي حيال تداعيات العقوبات الأميركية، بسبب التعاطي مع ايران و«حزب الله» على أساس «كيان واحد»، بما يجعل الوضع أشدّ دقة بالنسبة الى لبنان الذي سيدخل اليوم في مرحلة ترقّب لِما سيكون لهذه العقوبات من انعكاسات عليه وتداعيات.

موفد بريطاني

وفي الوقت الذي نَفت فيه مصادر رسمية وديبلوماسية ما تردّد عن زيارة موفد فرنسي لبيروت، وصل اليها أمس موفد بريطاني هو المستشار في وزارة الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، السير جون لوريمير، الذي سيبدأ لقاءاته بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم، قبل أن يجول على بقية المسؤولين مُستطلعاً جديد التطورات في لبنان والمنطقة.