شدد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على أن "الأزمة السياسيّة التي تشلّ حياة الدولة وتتسبّب بأزمة إقتصاديّة وماليّة ومعيشيّة خانقة، مردُّها ظلمة الضمائر المأسورة بالمصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة والولاءات الخارجيّة"، مشيرا الى أن "الكلّ على حساب قيام دولة المؤسّسات والقانون، كما هو ظاهر في عدم إمكانيّة تأليف الحكومة بعد مضي خمسة أشهر كاملة على التكليف، وستة أشهر على الإنتخابات النيابية. وإذا بنا أمام سلطتين مشلولتين: السّلطة التشريعيّة والسّلطة الإجرائيّة، وبالتالي أصبحت الوزارات والإدارات وخدمة القضاء سائبة ويطغى عليها تدخّل السياسيّين، وينخرها الفساد. وبات القانون والقضاء يُطبّقان على هذا المواطن دون ذاك، وعلى فئة دون أخرى".
وأكد الراعي في عظته أن "مال الخزينة فيتبدّد، والدَّين العام يتفاقم، والبلاد على شفيرالإفلاس، بحسب تحذيرات البنك الدولي، وشبابنا أمام آفاق مسدودة. فحذارِ فوق ذلك من الإنقسامات والنزاعات المذهبية التي قد يعمل البعض على تأجيج نارها، بعد أن خمدت عندنا، والحمد لله، فتزيد من عرقلة تأليف الحكومة"، مشددا على أنه "لا بدّ والحالة هذه من العودة الى الحقيقة التي تحرّر وتجمع، وهي حقيقة تعلنها الكنيسة من دون أية مصلحة أو لون سياسي أو ديني. ولأنها كذلك، فهي مبنيّة على صخرة الإيمان والحقيقة، ولذلك هي حرّة وشُجاعة ومتجرّدة".
وجزم أن "الحقيقة هي الوطن الذي يعلو فوق كلّ شخص وحزب ودين ومذهب. وهو بيت الجميع الذي يؤمّن لهم الحياة الكريمة والخير وحرارة العيش السّعيد، كما البيت الوالدي"، مضيفا: "أساسات هذا البيت الوطني المشترك فهي الدستور والميثاق الوطني اللّذين عليهما تُبنى السّلطات، وبخاصّة السّلطة الإجرائيّة التي هي الحكومة".
وأعتبر الراعي أنه "لا يمكن تأليف الحكومة بحسب ما يتّفق عليه السّياسيون النافذون، بل بحسب ما يقتضيه الدستور والميثاق. والحقيقة هي أنّ الهدف الأساسي من وجود الدولة والسّلطة السّياسيّة فيها هو الخير العام الذي منه خير كلّ مواطن وكل المواطنين"، مؤكدا أن "العمل السّياسي لا ينتهز انتهازًا، بل يستوجب تثقيفًا وتربيةً ملائمة، بحيث تستنير ضمائر الملتزمين بالشّأن السّياسي، وتُوجّه قواهم ليكونوا في خدمة تنمية الشخص البشري تنميةً شاملة، وتأمين الخير العام".