ازدحمت الساعات الماضية بكلام كثير، تحدّثَ عن اتصالات تجري داخل بعض الجدران لتَلَمُّس مخرج لأزمة «سنّة 8 آذار». إلّا انّ واقع الحال خلاف ذلك، إذ انّ الجمود هو الاساس، وخط التواصل الجدي لتذليل هذه العقدة كان مقطوعاً في شتى الاتجاهات، ولم تسجل اي مبادرة في هذا الاتجاه، فالرئيس المكلف ماض في زيارته الباريسية نازعاً عنه هذا الثقل، ولاغياً من قاموسه إمكانية التراجع عن رفضه القاطع إشراك ما يسمّيها «الكتلة الُمفتعلة» في حكومته، وتاركاً كرة حل هذه العقدة في ملعب الآخرين، وتحديداً «حزب الله» الذي يقف إعلان الحكومة عند مبادرته تقديم أسماء وزرائه ليصبح الهيكل الحكومي مكتملاً.
واللافت في هذا السياق، الحملة السياسية العنيفة التي بدأتها قيادات في تيار «المستقبل» وحلفائه ضد «حزب الله» واتهامه بتعطيل الحكومة، ليس بسبب عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار»، الذين سمّاهم «تيار المستقبل» بـ«سُنّة «حزب الله»، بل بسبب اعتبارات وأجندة خارجية. فيما كان رّد الحزب بـ«أن لا تراجع عن تمثيل هؤلاء تحت أيّ ظرف، والكرة في ملعب الحريري تحديداً، ومن الأساس قلنا انّ الحكومة يجب ان تأتي انعكاساً للمجلس النيابي، وتبعاً لِما أفرزته الانتخابات النيابية، وهؤلاء النواب المستقلون ثبتَ انّ لهم جمهورهم وحيثيّاتهم التي لا يستطيع أحد ان يلغيها او يتجاوزها او يصادرها».
عون مُمتعض
وأمّا رئيس الجمهورية فلا يُقلّل من حجم هذه العقدة، ويُبدي أمام زواره امتعاضاً من تأخير ولادة الحكومة، ولو انه كان ما يزال يأمل في إمكان حلها خلال 48 ساعة او أسبوع على أبعد تقدير.
ويرى انّ الصورة الحكومية يجب ان تكتمل في أسرع وقت ممكن، على اعتبار انّ كل تأخير له أكلافه السلبية على البلد. واذا كانت اجواء بعبدا لا ترى انّ أفق الحل مسدود، لكنها تعتبر انّ حركة التواصل الجارية لا بد ان تُفضي الى شيء ملموس يُبنى عليه لإعلان ولادة الحكومة في القريب العاجل.
وبحسب مطّلعين على الاجواء الرئاسية، فإنّ تركيبة الحكومة قد حسمت وتمّ تحديد حصص كل طرف، ما يعني انّ اي فكرة ترمي الى افتراض حل للعقدة السنّية على قاعدة أن يتخلى رئيس الجمهورية عن الوزير السنّي من الحصة الرئاسية لصالح تمثيل «سنّة 8 آذار»، هي فكرة مرفوضة وغير واقعية وغير قابلة للبحث، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية عَبّر عن موقفه بصراحة مطلقة من هذه المسألة خلال إطلالته التلفزيونية الاخيرة الاربعاء الماضي.
«حزب الله»
وفي وقت حرصت مصادر القصر الجمهوري على إشاعة أجواء تفيد بأن لا تعكير في العلاقة بين رئيس الجمهورية و«حزب الله»، لم يسجّل أي تواصل علني بين الطرفين منذ إطلالة عون التلفزيونية وما تخللها من رسائل سياسية وَجّهها رئيس الجمهورية في اتجاه «حزب الله»، الذي يؤكد مطّلعون على موقفه أنه قرّر احتواء الكلام الرئاسي غير المريح، وعدم الخَوض فيه لا من باب التفَهّم له، ولا من باب الانتقاد، ولا من باب المطالبة بتوضيحات للأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية للذهاب الى هذه المواقف، مع انه كان على عِلم من البداية بموقف «الحزب» من تمثيل «سنة 8 آذار»، وسبق ان تمّ وضع هذا الموضوع على طاولة البحث منذ اللحظة الاولى لبدء مشاورات التأليف.
في هذه الاثناء، كانت باريس تدعو الى التعجيل في تشكيل الحكومة، وهو ما لمسه رئيس الجمهورية من السفير الفرنسي برونو فوشيه الذي زاره في القصر الجمهوري أمس. والى جانب التنويه بالتحضيرات الجارية لوضع قرارات مؤتمر «سيدر» وتوصياته قيد التنفيذ لتعزيز الاقتصاد اللبناني، أكد السفير الفرنسي استمرار بلاده في مساعدة لبنان على تجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجهه على مختلف المستويات، وهو أمر سيتأكد اكثر خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، المقررة في شهر شباط المقبل.
بري: إنتظار
وأمّا على خط عين التينة، فإنّ أجواءها تعكس استعجالاً لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإنهاء أزمة التأليف في أسرع وقت ممكن، مع الامل في إيجاد الحل الملائم لمسألة تمثيل النواب السنّة المستقلين، ومع تشديده المتكرر على أن يُراعى وضع البلد المتراجع، خصوصاً لناحية وضعه الاقتصادي الذي ينبغي أن يتم إدخاله سريعاً الى غرفة العناية الفائقة وإيجاد الحلول السريعة قبل فوات الاوان، هذا الأمر هو ما يجب أن يضعه الجميع في خانة الأولوية وفوق كل الاعتبارات الاخرى.
واللافت في هذا السياق ما أشارت اليه أوساط عين التينة، أمس، وهو تبرّع البعض بإدخال الرئيس بري كعنصر عامل على خط بلورة الافكار والمخارج لحل العقدة السنّية. وقالت انّ هذا الأمر غير صحيح، علماً انّ الرئيس بري سبق له أن عَبّر عن موقفه من هذه المسألة منذ اليوم الاول لحركة التأليف، وقدّم النصائح اللازمة لحل هذه المسألة. وبالتالي، هو ينتظر ان تتمخّض الايام المقبلة عن إيجابيات تدخل الحكومة الى غرفة الولادة الفعلية، إذ انّ الوقت طال أكثر من اللازم.
مستحيلات!
وفي انتظار عودة الرئيس الحريري من باريس المقررة الأحد المقبل، والتي قد يعود إليها مرة ثانية في العاشر من الشهر الجاري لحضور مؤتمر اقتصادي دعا إليه الرئيس الفرنسي، تبقى الحكومة في دائرة التعطيل. والواضح، كما تؤكد مصادر معنية بالملف الحكومي، انها ستمكث فيها لفترة طويلة.
وبحسب المصادر، فإنّ بلوغ نقطة الحل لهذه العقدة يبدو صعباً جداً في هذه الفترة تِبعاً لمواقف الاطراف، فضلاً عن عدم وجود «وسيط» بين هذه الاطراف قادر على ابتداع المخارج. وتِبعاً لمواقف الاطراف، تبقى هذه العقدة قابعة في مدار التعطيل والتأخير من دون سقف زمني له، الّا انّ هناك 4 سبل للحل، لكن يمكن تسميتها حتى الآن بالمستحيلات:
الأول، أن يبادر رئيس الجمهورية الى التخلّي عن الوزير السنّي من الحصة الرئاسية، لصالح واحد من نوّاب «سنّة 8 آذار»، الّا انّ رئيس الجمهورية ليس في هذا الوارد، والوزير السني المُدرج ضمن الحصة الرئاسية هو للرئيس حصراً، وبالتأكيد لـ«التيار الوطني الحر».
الثاني، أن يرضخ الرئيس المكلف للضغط الذي يمارس عليه، ويقبل بتمثيل «سنّة 8 آذار» بوزير على حساب تيار «المستقبل»، وهو أمر بمثابة الانتحار بالنسبة الى الرئيس الحريري، الذي أكد انّ القبول به هو من سابع المستحيلات، وإذا كان سيحصل فيمكن ان يحصل في ظل رئيس حكومة غير سعد الحريري.
الثالث، أن يُلَيّن «حزب الله» موقفه ويقرر السير بحكومة من دون تمثيل «سنة 8 آذار»، الّا انّ «الحزب» أكد انه لن يتخلى عن حلفائه وسيدعم تمثيلهم في الحكومة مهما كلف الأمر، وهو ملتزم بهذه الأمور، ولن يتراجع عن التزامه هذا.
الرابع، أن يبادر نواب «سنة 8 آذار» الى التراجع عن مطلب تمثيلهم، وهو أمر ليس في قاموسهم، مُتسلّحين بمقولة انّ حقهم في التمثيل ألزمه على الآخرين ثقة ناخبيهم الذين يشكّلون شريحة واسعة من الناخبين، والسنّة على وجه الخصوص، والذين أكدوا بما لا يقبل أدنى شك انّ تيار «المستقبل» ليس الممثّل الحصري للسنّة في لبنان، ولن يقبلوا أن يصادر تيار «المستقبل» تمثيلهم في الحكومة.
الهيئات تحذّر
الى ذلك، برز أمس تطوّر تمثّلَ برفع الهيئات الاقتصادية صوتها بالدعوة الى التعجيل بتشكيل الحكومة، وأصدرت بالأمس بياناً اعلنت فيه انه «التزاما بما أعلنته في بيانها السابق بتاريخ 12 تشرين الأول الفائت «بالذهاب إلى التصعيد، لمواجهة الواقع المرير والخطر»، قرّرت الهيئات الاقتصادية تنفيذ اعتصام ستحدّد مكانه وزمانه في الأيام المقبلة، وذلك في خلال اجتماع عقدته في غرفة بيروت وجبل لبنان، برئاسة رئيسها محمد شقير ومشاركة أعضاء الهيئات، تم خلاله البحث في تعثّر تشكيل الحكومة والتقرير الذي أصدره البنك الدولي عن لبنان والخطوات التصعيدية التي تنوي الهيئات اتخاذها.
إسرائيل تحذّر
من جهة ثانية، لوحِظ أمس دخول إسرائيلي متجدد على الخط اللبناني، من خلال اعادة إثارة مسألة صواريخ «حزب الله». وكشفت «القناة 10» الاسرائيلية انّ اسرائيل حذّرت لبنان من أنّها «قد تتعامل بحِدة» مع مصانع أسلحة تابعة لـ»حزب الله».
وقالت القناة إنّ إسرائيل طلبت من فرنسا نقل «رسالة تحذير» لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري»، بشأن مصانع الميليشيات».
ونقلت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية انه يجري الحديث عن تحذير إسرائيلي صريح، وأنّ نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيتان بن دافيد طلبَ من مبعوث الرئيس الفرنسي الذي زار مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة، الإثنين الماضي، أن يبلّغ الرئيس اللبناني ميشال عون أنّ على الدولة اللبنانية إغلاق المنشآت المُشار إليها.
وذكر مصدر ديبلوماسي لموقع الصحيفة الاسرائيلية أنّ بن دافيد أبلغ المبعوث الفرنسي أن لدى إسرائيل سقفاً زمنياً لإنهاء هذا الملف، وأنّ تل أبيب على استعداد للانتظار بمثابرة لوضع حلول دبلوماسية لهذا الأمر، مؤكداً أنّ إسرائيل ليست مستعدة للتسليم باستمرار إقامة مصانع للصواريخ في لبنان، وأنها ستتحرك حال استمر الأمر.
ويأتي هذا الدخول الاسرائيلي، بعد اسابيع من اعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الأمم المتحدة، انّ «حزب الله يستخدم 3 مواقع قرب مطار بيروت، لتحويل «قذائف غير دقيقة» إلى صواريخ دقيقة التوجيه.
تدريبات
وفي السياق نفسه، كشفت القناة «20» التلفزيونية الإسرائيلية، أنّ الجيش الإسرائيلي أجرى تدريبات عسكرية مكثّفة تُحاكي احتلال «حزب الله» اللبناني مناطق في الجليل مُحاذية لجنوب لبنان.
وقالت القناة إنّ المناورات الإسرائيلية شملت إخلاء بعض المستوطنات التي يمكن لـ«حزب الله» السيطرة عليها، أو التي قد تنهمر الصواريخ فوقها.
وأفادت القناة الاسرائيلية بأنّ «مناورات جَرت بمشاركة الفرقة 91 مشاة، تدريبات خاصة خلال الأسبوع الماضي في المناطق الشمالية بالبلاد، تُحاكي سيناريوهات الحرب أمام «حزب الله»، واختراق قواته للحدود والسيطرة على بعض المستوطنات الشمالية، القريبة من لبنان».
ونقلت القناة عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها: «إنّ التدريب كان يهدف لتعريف الجنود بنقاط الضعف والقوة لدى قوات «حزب الله»، وتجهيزهم للمواجهة بالشمال».
وأشارت القناة إلى أنّ هذه التدريبات تأتي في أعقاب إثارة مخاوف جدّية لدى الجيش الإسرائيلي، من قيام «حزب الله» بعمليات اختراق جماعية كبيرة للحدود والأراضي الإسرائيلية، خلال أي مواجهة قادمة.
وجاء عنوان تقرير القناة الاسرائيلية على موقعها الإلكتروني «هذا ليس تهديداً استراتيجياً، بل تهديد للوعي»، وهو ما يحاول الجيش الإسرائيلي تنفيذه في المنطقة الشمالية الإسرائيلية، القريبة من مواقع «حزب الله» اللبناني.
وقال الرائد الإسرائيلي، ناثانيل أزران، الذي شارك في هذه التدريبات: بالإضافة إلى ذلك، تم إجراء هذه التدريبات من أجل تفعيل جميع القوى للتعامل مع سيناريو حرب قاسية على الحدود الشمالية ضد «حزب الله»، وجزء من الحرب هو تحصين الوعي».
وخَلص للقول: «مثل هذا الحدث يتطلّب إخلاء السكان، ما يُمَكّن القوات من العمل في المنطقة بهدوء، والهدف الرئيسي هو عدم تعريض المدنيين للخطر».
وأوضح أزران: « في النهاية إنها مسألة مبادرة، سواء كنا سنحبط الهجوم مقدماً أو سنرد على هذا الاختراق الخطير».
مصادر «حزب الله» أكدت لـ«الجمهورية جهوزية الحزب الدائمة لمواجهة اي عدوان اسرائيلي، مشيرة الى انّ الموقف الأكيد سيعبّر عنه بالتأكيد الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، في خطابه في ذكرى شهيد «حزب الله».