تتجاوز عقدة تمثيل النواب السنة المرفوضة، حتى اللحظة، من صاحبي القرار الدستوري في تشكيل الحكومة، الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري مسألة المواعيد، والنقاشات ذات الطبيعة التسووية، إلى ما هو أبعد ويتعلق بأجندات منها المحلي والأوروبي، مؤتمر سيدر، والإقليمي - الدولي عقوبات أميركية جديدة على إيران ستدخل، مع بداية الأسبوع المقبل، حيز التنفيذ، ووفقاً للخزانة الأميركية فإنها ستضيف 700 كيان وشخص جديد إلى قائمة العقوبات، واهمها في قطاع النفط، فيما طهران، تكابر، وتعلن انها لن تمس قدرتها على التعامل مع الوضع الاقتصادي الذي سيستجد..
الرئيس عون على موقفه، مع ان مكتبه الإعلامي، في القصر الجمهوري أعلن انه «تابع تطورات مسار تشكيل الحكومة الجديدة، في ضوء مواقفه في الذكرى الثانية لانتخابه رئيساً للجمهورية، من زاوية عدم تأثر العلاقة الاستراتيجية مع الحزب، بالتباين التكتيكي حول الحكومة.
وحضر الملف الحكومي في جولة الأفق بين الرئيس عون والسفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، فضلاً عن ترتيبات زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون إلى لبنان في شباط المقبل، والتحضيرات الجارية لوضع توصيات ومقررات مؤتمر «سيدر» موضع التنفيذ.
على ان الرئيس الحريري، الذي غاب عن سمع الاتصالات أمس، يبدو انه ترك للرئيس عون رؤية ما يمكن فعله، مع حليف التيار الوطني الحر حزب الله، ويمضي في العاصمة الفرنسية اليوم يوماً آخر، قبل عودته قبل مطلع الأسبوع إلى بيروت، حيث من المتوقع ان تستأنف الاتصالات المقطوعة، والتي ينسحب عليها أيضاً غياب أي موعد لوفد من حزب الله لزيارة بعبدا، لأن الحزب لم يطلب، بانتظار الأسبوع الطالع، ونتائج الاتصالات لإخراج حلّ للعقدة الحالية المستجدة..
على ان لحزب الله توجه آخر، إذ ان حزب الله، وفقاً لمصدر قيادي مقرّب منه لا «يُعير اهتماماً لاتهامه بتعطيل الحكومة»، وهو حريص «على الوفاء بالتزاماته مع حلفائه، فهو حسب المصدر، عطل مؤسسات الدولة سنتين ونصف لإيصال العماد عون لرئاسة الجمهورية، كذلك مع توزير جبران باسيل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لمدة ثمانية اشهر»..
انطلاقا من هنا، فان معادلة الحزب مع حلفائه وفقا للقيادي لا تقوم على الانتقائية اي «ناس بسمنة وناس بزيت»، الجميع سواسية بالنسبة له وحتى «لو خربت الدني» فان موقف الحزب ثابت بتوزير السنة قبله في الحكومة، الا اذا ارادوا مثلا تشكيل حكومة بلا الحزب وحكما بلا حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، هل هناك من يجرؤ ميثاقيا على الاقل على القيام بهذه المجازفة؟
وعليه، جزم القيادي بأن الحزب مصر على السير بملف توزير سنة المعارضة الى النهاية، لا يهم ان طال امد تشكيل الحكومة الى نهاية العهد، فمطلب الحزب واضح وصريح: سنة المعارضة تكتل قائم بذاته، وله حق التمثل في حكومة الرئيس سعد الحريري اسوة بباقي القوى السياسية ومن حصته الوزارية ايضا، اذا فهم الافرقاء ذلك كان به واذا اصروا على رفض توزيرهم فليتحملوا هم اذا مسؤولية تعطيل الحكومة والعهد.
واكتفى القيادي بالاشارة الى ان احد الحلول المطروحة لحل مشكلة سنة المعارضة هو توزير النائب اسامة سعد من دون الاعلان عن المزيد من التفاصيل.
الا ان النائب سعد لم يُسمِّ الرئيس الحريري خلال الاستشارات، وهو لم يمنح حكومته الثقة، وبالتالي من غير الوارد قبوله دخول الوزارة.
واعتبرت مصادر معنية ان الموقف الذي يمكن ان يعلنه الأمين العام السيّد حسن نصر الله، السبت المقبل، في إطلالة له، بمناسبة «يوم الشهيد» من شأنه ان يحمل إشارات عملية على هذا الصعيد..
مساعٍ لرأب الصدع
في هذا الوقت، لم تشهد الساحة الداخلية أي حركة يعتد بها لاطلاق جولة جديدة من المشاورات والاتصالات المتصلة في البحث عن مخارج لعقدة تمثيل سنة 8 آذار، بفعل غياب الرئيس سعد الحريري الموجود في باريس، مع انه تمّ رصد حراك خجول خلف الكواليس، يقوم به بعض السعاة لرأب الصدع في العلاقة الاستراتيجية بين بعبدا و«حزب الله» بسبب دعم الأخير لمطلب النواب السنة المستقلين، ورفض الرئيس ميشال عون لهذا الطلب، وان كان لم يطرأ ما يفيد عن حصول لقاء أو زيارة من الحزب إلى القصر الجمهوري حتى الآن، بانتظار تطورايجابي ما.
لكن اللافت على هذا الصعيد، هو الحرص الذي ابداه كل
 من الطرفين على تهدئة الأمور، إذ عمم «حزب الله» على كوادره ومناصريه الالتزام بالتهدئة، وبالتالي الصمت حيال ما اعتور العلاقة من تأزم أو فتور، ولو على الصعيد التكتيكي، في حين أكدت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا، ان القصة بأكملها تتعلق بمقاربة مختلفة لمسألة توزير مجموعة من النواب لا تجمعهم كتلة نيابية معينة، على حدّ ما أوضح الرئيس عون، في حواره الإعلامي الأخير، على الرغم من ان دخول الحزب على خط توزير هؤلاء، واشتراطه تعطيل تأليف الحكومة إلى ان يتم تحقيق مطلب حلفائه النواب، من شأنه في نظر مرجع دستوري ان يخلق اعرافاً دستورية جديدة مخالفة لمنطوق الدستور، الذي يقول بأن تأليف الحكومة يكون بالاتفاق بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، من دون تدخل طرف ثالث، إلا إذا كان لديه حسابات إقليمية تتصل بإستحقاقات خارجية.
ولكن، وعلى الرغم من هذه القناعة، والتي دفعت بالرئيس المكلف إلى الاعتكاف عن إعادة تشغيل محركات تأليف الحكومة، فإن الاجواء المتصلة ببعبدا بقيت على محاولاتها لملمة الخلاف مع «حزب الله»، مشيرة إلى ان الرئيس عون كان واضحاً في حواره التلفزيوني، بأن لا خلاف حول الأمور الاستراتيجية والاساسية، وان التباين في السياسة مشروع ويحصل دائماً حتى ضمن البيت الواحد، طالما ان الأمر لا يتصل بالعلاقة الاستراتيجية، مؤكدة ان أي اتصال مباشر بين الرئيس عون والأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله لم يرصد، مع ان أي تواصل قد يتم الإعلان عنه.
وقالت هذه المصادر ان الرئيس عون الذي تابع ردود الفعل على مواقفه الاخيرة واستمع وقرأ مواقف مسؤولي حزب الله التي اظهرت التمسك بتوزير السنّة المستقلين يحرص على تهيئة الاجواء التي من شأنها المساعدة في حل العقدة التي استجدت انطلاقا من موقع المسؤولية الوطنية والدستورية التي يتحلى بها، إلا أن المصادر لم تفصح عما يعمل عليه وما اذا كان هناك من مقترح او صيغة لحل عقدة تمثيل هؤلاء وتقول المصادر ان اي موعد بين رئيس الجمهورية وهؤلاء النواب لم يحدد بعد، ومعلوم ان نائبين اثنين منهم مسافران، وتتحدث عن انه على الرغم من بقاء كل فريق على موقفه الا ان ما من رفض للبحث فقد تكون هناك افكار لاستنباط حلول من خلال راي من هنا واخر من هناك.
وأكدت المصادر ان هناك اتصالات تتم بعيدا عن الاضواء لمعالجة الوضع الناشئ معلنة ان الهدف هو ايجاد الحلول للوضع بحيث يتم تفادي اي تأخير في تشكيل الحكومة اكثر من الوقت الراهن. وتلفت الى ان الهدف ايضا هو الوصول الى اتفاق يجعل التركيبة الحكومية تراعي المعايير التي جرى التفاهم عليها حينما حصلت الحلحلة الأخيرة. وتتوقع ان يتبلور المشهد الحكومي في الايام المقبلة بالتزامن مع عوده الحريري من فرنسا.
شبح العتمة
وسط هذه الأجواء، وفيما لوحت الهيئات الاقتصادية بتنفيذ اعتصام ستحدد مكانه وزمانه لاحقاً، جرياً على بيانها السابق بالذهاب إلى التصعيد، إذا لم يتم تشكيل الحكومة، بقي التهديد بالعتمة الكاملة في بيروت والمناطق جاثماً من دون ظهور مؤشرات أو دلائل تُشير إلى حلحلة في موضوع السلفة المالية التي طلبتها مؤسّسة كهرباء لبنان لتسديد ثمن الفيول الذي اشترته من شركة «سوناتراك» الجزائرية، من دون وجود اعتمادات لها، أو من دون وجود قانون يجيز لوزارة المال صرف هذه الاعتمادات بموجب مرسوم السلفة.
وتفيد المعلومات، ان معملي الذوق والجية، ومعهما معمل الحريشة القديم ستتوقف عن إنتاج التيار الكهربائي غداً، بما يعني ان شبح التعتيم سيخيم على كافة المناطق اللبنانية، اعتباراً من نهاية الأسبوع، الا إذا استجابت الشركة الجزائرية، وأمنت حاجة مؤسسة الكهرباء إلى الفيول اليوم أو غداً، علماً ان يومي الخميس والجمعة كانا يوم عطلة في الجزائر، ولم تجر مع الشركة أي اتصال لمعرفة جوابها النهائي.
وكشفت مصادر في وزارة الطاقة، ان الرئيس نبيه برّي كان وعد بعقد جلسة تشريعية لمجلس النواب قبل نهاية الشهر الماضي، الا ان التطورات الحكومية اوجبت التريث في عقد الجلسة، وبالتالي لم يعد متاحاً إصدار القانون الذي يغطي صرف الاعتمادات المالية لمؤسسة الكهرباء، مع ان استمرار المرفق العام يفرض تجاوز كل الاعتبارات، خصوصاً إذا تبين ان وقف الصرف من شأنه أن يلحق اضراراً كبيرة بمصالح النّاس والبلاد، بحسب هذه المصادر التي كشفت بأن اتصالات عاجلة جرت بين بعبدا وعين التينة مع وزارة الطاقة للاتفاق على تشريع معين يبعد شبح العتمة عن اللبنانيين.
ولوحظ ان مؤسسة الكهرباء لم تصدر أي بيان حول التطورات المتعلقة بالأزمة، واكتفت باصدار بيان أعلنت فيه انها اتخذت إجراءات معينة لخفض التلوث في جونية، تعقيباً على تقرير منظمة «غرينبيس».