رغم فائض القوة، الذي يمتلكه «حزب الله»، فإنه مأزوم. قلق «الحزب» جدّي وعميق. يشعر «الحزب» بأنه مُحاصر داخلياً رغم كل امتداداته وإمساكه «مفاتيح» القرار، وخارجياً لذاته ولعلاقة «التوأمة السيامية» التي تربطه بالجمهورية الإسلامية في إيران. خلال الأشهر الثلاثة الماضية من تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، عمل «الحزب» على توجيه «الرسائل» مباشرة أو بالواسطة، بإنه يريد نجاح الحريري فوراً، وأنه من أجل ضمان نجاحه فإنه لا ولن يربط بين تشكيل الحكومة:
* والعلاقات مع سوريا.
* واستخدام الشارع (للضغط للتعطيل)
* سحب التكليف.
* إسقاط الحكومة.
بدت الطريق مع «حزب الله»، مفتوحة وسالكة بالاتجاهين. حتى إذا كبرت «كرة الثلج» المارونية – المارونية بين بعبدا ومعراب، كان موقف الحزب: «التعطيل عندهم وليس عندنا ولا منّا». حتى «لغم» تعيين الأمير طلال أرسلان وزيراً، تبرّأ منه «الحزب» وارتفع بذلك منسوب الثقة بموقفه الثابت والإيجابي. فما الذي دفعه إلى إخراج «أرنب» التمثيل السّني للمستقلين ليضع بذلك «لغم» التعطيل في «حقله»، ومعطّلاً كل النهج الذي اختطّه والمسار الذي سلكه؟
أزمة «الحزب» ناشئة من تأهّبه لمواجهة استحقاقات عديدة منها ما تمسّه مباشرة، ومنها ما تطال «توأمه السيامي» إيران، ومنها ما هو مجهول لأنه معلّق على نتائج قمة لم تكن بداية في الحسابات.
العقوبات المُعلنة ضده، التي كما يبدو ستزداد ويرتفع منسوبها، قاسية جداً رغم كل المظاهر التي تضعها في خانة الاعتياد منذ عقود على مواجهتها. العقوبات الجديدة تطال كما هو مُعلن حتى الآن:
* الداعمين للمؤسسات الإعلامية (من المعلنين على الشاشة والمتبرعين ولو بأسماء وهمية).
* هيئة دعم المقاومة.
* قسم العلاقات الخارجية.
* قسم الأمن الخارجي للحزب.
* المجموعة الإعلامية وفي مقدمها تلفزيون «المنار» وإذاعة «النور».
* بيت المال.
يمكن للحزب وأنصاره أن يقولوا إنهم لا يتداولون أموالهم وعائداتهم في المصارف وعبرها، ولذلك لا تهمهم هذه العقوبات سواء كانت محصورة في النصوص أو منفّذة بدقة ومتابعة من دون انقطاع ولا مُهل.
ما رفع منسوب الأزمة عند «حزب الله»، التصريح المفاجئ للأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس الذي أشار فيه إلى «أن الحزب يمكنه جرّ لبنان إلى حرب مع إسرائيل». بهذا وضع «عربة» الاعتداء الإسرائيلي على عاتقه. كل الظروف تؤشر إلى اكتفاء إسرائيل بما حصّلته حتى الآن من علاقات مع العديد من دول المنطقة، وإلى نجاح الهدوء على الجبهة الشمالية مع لبنان، من جهة ومن جهة أخرى، عودة السكون إلى الجبهة الشمالية مع سوريا، بضمانة روسية وتنفيذ سوري كامل ومتكامل، وقبول إيراني بما اشترط عليها بالانسحاب بعيداً إلى الداخل. بدلاً من ذلك تعمل على تجنيد سوريين في ميليشيات تابعة لها، وبناء قاعدة عسكرية كبيرة لأول مرة تحت العلم الإيراني بعيداً 85 كلم عن الحدود مع الجولان، مما يسمح لها بتكثيف تخزينها للسلاح خصوصاً الصاروخي منه، إلى جانب ما أشارت إليه إسرائيل وهو تسريع بناء معمل لإنتاج السلاح الصاروخي يقيها عمليات النقل المكشوفة بريّاً، والتي تزداد صعوبة مع تثبيت الأميركيين لوجودهم العسكري المكشوف في منطقة تقاطع العراق مع سوريا في جنوب شرقي الفرات.
ولا شك أن زيارة بنيامين نتنياهو إلى مسقط ولقائه مع «السلطان» أمام خريطة المنطقة، قد أثار حفيظة ومخاوف الحزب. ذلك أن نتنياهو لا يعنيه كثيراً من الزيارة - الحدث، توجيه رسائل إلى الرئيس محمود عباس، بقدر ما يهمه ويعنيه توجيه «رسائل» إلى طهران، تُقيه المفاجآت الناتجة عن تعميق الأزمات الداخلية أو الخارجية فيها.
«حزب الله» معني أكثر من غيره، بزيارة نتنياهو إلى مسقط، لأن أي مشروع يتناول مستقبل المنطقة يطاله، خصوصاً متى كانت إسرائيل طرفاً فيه، وإيران «لا حول ولا قوّة لها» في مواجهة الترتيبات المُستحدثة أو المتوقّعة.
أيضاً وهو مهم جداً، في وقت ستنخفض فيه القدرات والعائدات المالية للحزب لأسباب مباشرة، تأتي الأزمة الإيرانية لتعمق إحراج «الحزب». مهما بالَغَ «الحزب» في تأكيد استقلاليته عن طهران، لا يمكنه نفي حاجته المُلحّة والدائمة للدعم المالي الإيراني.
بعيداً عن النقاش عن حجم المساعدات الإيرانية، الذي يبقى تمويلاً إيرانياً في «مشروع» أكثر مما هو تمويل لأسباب عقائدية فقط، فإن تراجع «المشروع» يفرض انكماش التمويل. ارتفاع الصوت الإيراني المُعارض لضخ الأموال التي يحتاجها الشعب إلى كل من سوريا و«حزب الله»، تعمّق الأزمة.
لم تعد معارضة تمويل الخارج مسألة سياسية، أصبحت منذ تضخّم الأزمة الاقتصادية وانهيار الريال الإيراني أمام الدولار حاجة إيرانية داخلية. ويبدو جلياً أن هذه الأزمة تتعمق يوماً بعد يوم مع استحقاقات المواعيد الصعبة القادمة. وهذا ما يتجسّد في قول الرئيس حسن روحاني بأن «أمامنا أوقاتاً صعبة».
«الأوقات الصعبة» هذه تتمظهر في ثلاثة مواعيد، وهي تطال الجمهورية الإسلامية في إيران كما «الحزب». وهي:
* 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، الموعد الحاسم لتنفيذ العقوبات الأميركية ضد إيران. صباح الإثنين القادم سينجلي «ضباب» التصريحات لتتبلور مفاعيل العقوبات على إيران وامتداداتها على حلفائها.
* 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهو يوم الفصل في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية. على ضوئه سيتوضح ما إذا كان ترامب قادراً على مواجهة استحقاق الانتخابات الرئاسية القادمة أم لا. أي فوز أو تعادل لترامب يؤهله للنجاح في ولاية ثانية، وعندها لا يعود من مجال لتنفيذ المثل الإيراني «الذبح بالقطنة»، سيكون عماد المرحلة «السكاكين» الطويلة.
* قمة 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، في باريس بين الرؤساء الثلاثة إيمانويل ماكرون بصفته المضيف والرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. في هذه القمة الثلاثية لا بد أن يكون للبنان موقع فيها كما يُنقل من باريس. «الحزب» يُعمل حساباته منذ الآن عمّا ستصدره القمة حول المنطقة ولبنان.
تشدّد «حزب الله»، يعمّق أزمته ويعزله حتى عن القريبين منه، كما حصل مع النائب أسامة سعد. فهل يُعيد «الحزب» حساباته أم ينتظر قرار طهران؟