غيّب الموت الإعلامي المصري الشهير حمدي قنديل عن عمر ناهز 82 عاماً، بعد صراع مع المرض، بحسب ما نقلت وسائل إعلام مصرية عن شقيقه المحامي عاصم قنديل.
عُرف عن الصحفي، الذي يحظى بتقدير الوسط الصحفي العربي، إخلاصُه لمهنة الصحافة وحرفيته العالية، لم يتلون، أو ينافق، بل عبر بصدق عن هموم المواطن المصري والعربي بعيداً عن التجميل أو التزييف.
قلم رصاص
"أهلا بكم" بهذه الجملة كان يطل حمدي قنديل في مقدمة برنامجه السياسي الشهير "قلم رصاص"، بثقة وصوت هادئ يعبر عن شخصيته الحقيقية.
عُرف عن "قلم رصاص" الذي قدمه قنديل على شاشة تلفزيون دبي ثم انتقل به إلى فضائية الليبية، أسلوبه المميز الذي جعله واحداً من أهم البرامج ذات البعدين السياسي والاجتماعي على الشاشات العربية.
حمل البرنامج اسم "قلم رصاص" لأنه، والكلام للراحل: "كل ما ينجز في عالمنا العربي لا يتم سوى بالقلم الرصاص، حيث يمكن مسحه بسهولة في أي وقت" في إشارة إلى غياب الرؤية وعدم وجود سياسات ثابتة لدى الحكام العرب، وكانت أهم فقرات البرنامج فقرة "أقوال مأثورة"، وفيها كان ينقل عبارات مهمة من تصريحات سياسيين، وكان أحياناً يلقي فيها أبيات شعر عربية، وكثيراً ما كان يستحضر شعر المصري فاروق جويدة.
لكن قلم رصاص ليس البرنامج الوحيد لقنديل، فقبله قدم واحداً من أهم برامجه على شاشة التليفزيون المصري، برنامج "رئيس التحرير" الذي كان أحد أفضل البرامج السياسية التي عرضت على ماسبيرو في تاريخه. لكن البرنامج توقف لأسباب قيل عنها "رقابية" وهو الأمر الذي كان يرفضه الإعلامي الراحل.
تقلد قنديل العديد من المناصب، منها رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية، ومدير الإعلام في منظمة اليونيسكو. وفي مايو 2013 فاز قنديل بجائزة "شخصية العام الإعلامية" التي تمنحها جائزة الصحافة العربية.
عشت مرتين
"سوف أتحدث عن تجربتي دون أن أنزلق إلى إعطاء الدروس .. لن أروِي من الوقائع إلا ما رأيته بعيني أو سمعته بأذني، ولن أعمد إلى تبييض صفحتي أو تلويث خصومي. لي بالطبع أصدقاء طوقتهم دوامة الزمن، كما أن هناك من اختاروا أن يعادوني لأنني أخالفهم الرأي، لكنني أرجو أن أكون منصفاً لأصدقائي عادلاً مع غرمائي، إذ ليس في نيتي الانتقام، وليست لدي رغبة عارمة فى تسجيل هدف فى مرمى أحد. يعرف رفاقي أنني قابض على قناعاتي حتى لو اشتعلت جمراً، لكنهم يعرفون جيداً أنني لا أميل للعراك، كما أنني - دون ادعاء- لا أود أو أعمد للإساءة إلى أحد، إلا إذا كان فى قول الحقيقة ما يسيء".
هكذا بدأ الإعلامي المصري كتابه "عشت مرتين" الصادر في العام 2014 وهو سيرة ذاتية، حقق مبيعات كبيرة في المكتبات المصرية.
روى قنديل قصة حياته، فكان شفيفاً. بأسلوب بسيط وعميق، تناول علاقته بشخصيات مهمة قابلها وتعامل أو عمل معها من ساسة وحكام ومثقفين ومفكرين، مستعرضاً دون غرور التجارب التى شكلت وعيه ومواقفه.
صاحب "قلم رصاص" تحدث في سيرته الذاتية كيف أسس أول قسم أخبار في التلفزيون المصري في الستينيات، وشارك في تأسيس قنوات فضائية عربية مختلفة، وكشف تجربته مع الجمعية الوطنية للتغيير في مصر التي هدفت لخلق تغيير سياسي في مصر بعد ثورة يناير 2011.
رحل صاحب "قلم رصاص" تاركاً صفحته ناصعةَ البياض، بفضل صدقيته ونظافة يده، وتاركاً كذلك لتلاميذه في مصر وخارجها تاريخاً صحفياً فريداً من نوعه من حيث الحرفية والنزاهة والترفع، ولزوجته الفنانة نجلاء فتحي رصيداً مضاعفاً من المحبة والتقدير.
وداعاً قنديل، كنتَ نِبراساً في عالم الصحافة المحفوفة بالألغام.