يوم الأحد الرابع من نوفمبر الجاري ستبدأ عجلة القسم الثاني من العقوبات الأميركية دورانَها بالاقتصاد الإيراني المتعب، أصلا، والمثقل بالبطالة وخسائر العملة والتزامات النظام المالية اليومية والشهرية والسنوية التي لا يستطيع التخلي عنها لضمان ولاء ميليشياته وأحزابه وأجهزة إعلامه في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وفي غيرها من بلاد الله الواسعة.
تعالوا دققوا معي في حجم إنفاق النظام الإيراني على إشعال الحرائق في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان والبحرين وغيرها، وتدبير المؤامرات والدسائس والاحتراب، وتمويل وتسليح وتدريب المئات والآلاف من القتلة الإرهابيين، شيعة وسنة. وابحثوا، معي أيضا، في آثار هذه الإنفاقات والالتزامات والسياسات وانعكاساتها المدمرة على حياة الإيرانيين.
ثم فتشوا، بعد ذلك، عن الضرورة الوطنية والقومية والدينية التي تفرض على المعمم المملوء عنادا وغرورا أن يناطح العالم، وأن يدفعه دفعا إلى معاقبته ومحاصرته وإغراقه بالأزمات والانتفاضات والاعتصامات، وإلى تهديد وجوده ومصالحه ليس في سوريا ولبنان واليمن والعراق، وحدها، بل في إيران ذاتها، بالضرورة.
لكن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي اعترف بأن العقوبات الأميركية ستؤثر اقتصاديا على إيران، لم يستطع إلا أن يكابر، أسوة بباقي كبار قادة النظام، ويحذر واشنطن من عدم جدوى تلك العقوبات. فهو، ولا شك، نائم ورجلاه، كلتاهما، في الشمس الحارقة، لأنه من المؤكد أنه قرأ وسمع ورأى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمكنت من التوصل إلى تفاهمات مع ثلاثة من أكبر زبائن إيران، هي الهند والصين وتركيا، لوقف تعاملاتها النفطية بالكامل.
والواقع الإيراني الحقيقي، اليوم، هو غير ما تروج له الفضائيات الإيرانية، أو العربية ذات الهوى الإيراني، من انتصارات وإنجازات في وقت تتزايد فيه الإضرابات والاعتصامات التي من المنتظر أن تتزايد مع بدء تطبيق الجولة الثانية من العقوبات الأميركية يوم الأحد المقبل، والتي تستهدف تصفير صادرات إيران من النفط والغاز، عشما في إجبار النظام الإيراني على التراجع عن سياساته العدوانية، والعودة إلى جادة الصواب، وهو من المستحيلات.
وليس أدل على عمق ورطة النظام واقترابه من حافة الهاوية من تحذير الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، من “احتمال حدوث تحركات اجتماعية باتجاه تغيير النظام، إذا ما تيقن المواطنون الإيرانيون من أن الإصلاحات التي ينتظرونها لن تتحقق”.
فقد أعلن صراحة “أن أخطاء النظام، إذا ما بقيت على ما هي عليه، فسوف تجعل الانتقادات تتطور إلى اعتراضات، ومن ثم لن يكون واضحا ماذا يمكن أن يحدث”.
وقبل خاتمي بيوم واحد حذر الأكاديمي البارز محسن رناني، عضو هيئة التدريس في كلية الاقتصاد بجامعة أصفهان، من ثورة محتملة، في مقال نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان “تمرد الحُفاة”. ويقصد فقراء الإيرانيين الذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم.
وأهم ما قاله في مقاله هو أن “مستقبل البلاد أصبح غامضا، فاللاعبون الاقتصاديون لا يريدون المجازفة بثرواتهم في هذه الظروف، وبناء على ذلك سيظل الاقتصاد راكدا، وهو ما سيُدخل البلاد في أزمات خطيرة، قد تبدأ بشرارة، أو حادث أو احتجاج غير متوقع، أو انفجار، أو خطاب غير موزون، أو تحرك غير عاقل”.
ويضيف قائلا إن “هناك طريقا وحيدا أمامنا، إذا ما ثار الفقراء والحفاة، وهو: إما أن نلتزم الصمت، وإما أن نواجههم بالقمع الشديد. وهذا لن يكون نهاية الطريق”. فـ”هؤلاء سيستمرون في تمردهم حتى الإطاحة بالنظام السياسي والاجتماعي في البلاد”. لكن رئيس المحكمة الثورية في طهران، موسى غضنفر آبادي، يرى غير ذلك. فقد اعتبر الحفاة الفقراء المتذمرين أعداء لله، ووعد بمحاكمتهم بتهمة “محاربة الله” وتوعدهم بالإعدام.
إن هناك مسألة بسيطة يعرفها السياسيون المحترفون والمواطنون العاديون الذين لا شغل لهم بسياسة، في الوقت نفسه، وهي أن الجائع الذي يصل إلى طريق مسدود، ولا يجد ما يسدُ به رمق نفسه وعياله، لن يجد أمامه في النهاية سوى واحد من اختيارين، إما أن يصمت خوفا ويموت جوعا ومرضا وحزنا وكآبة، وإما أن ينفجر ويثور على مُجوّعيه فيموت برصاصهم أو ينتصر.
وإذا علمنا أن 40 مليون إيراني من مجموع سكان إيران البالغ عددهم 80 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، وفق ما أعلنه رئيس لجنة “الخميني” للإغاثة الحكومية، برويز فتاح، فإن الصورة الحقيقية لمستقبل النظام الإيراني تكون قد اتضحت بلا رتوش.
فقد نقلت وكالة أنباء “فارس″ عن برويز فتاح قوله “إن الفقراء الذين تشملهم إعانات الحكومة 10 ملايين، فقط، ووفقا للحسابات الحكومية فإن هناك 40 مليونا من الفقراء يحتاجون إلى مبلغ شهري قدره 45 ألف تومان”. أي نصف دولار شهريا لا غير، بعد أن انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار لتصل إلى 100 ألف ريال.
فلو ثار نصف الفقراء، أي 20 مليونا من الجياع الحفاة، ثم تمكن النظام من قتل أو اعتقال أو تحييد نصفهم، فستبقى عشرة ملايين من الفقراء المصرّين على مواصلة الثورة. ومن المؤكد أن تهبّ ملايين أخرى كانت صابرة فتنضم إلى الثورة. وقد تتمرد فئات مسلحة من داخل النظام نفسه تضامنا مع جياع شعبها. وعندها لن يكون أمام النظام سوى الرحيل سواء باختياره، أو بقوة الفيضان البشري الغاضب الذي لا يرحم.
أتمنى أن يوضع هذا المقال على طاولة الرئيس كاكه برهم صالح، وطاولة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ومن بعدهما إلى مكاتب هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وأبي مهدي المهندس، وختاما إلى الحاج قاسم سليماني، مع السلام.